باب التيمم .
الحديث 36 : [ رأى رجلا معتزلا لم يصل الخ ] .
الحديث الأول : عن عمران بن حصين Bه [ أن رسول الله A رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم ؟ فقال يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم ؟ فقال يا رسول الله أصابتني جنابة و لا ماء فقال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك ] .
عمران بن حصين بن عبيد خزاعي أبو نجيد بضم النون و فتح الجيم بعدها ياء من فقهاء الصحابة وفضلائهم صح أن الملائكة كانت تسلم عليه و قيل كان يراهم مات سنة اثنتين و خمسين في خلافة معاوية .
و الكلام على هذا الحديث من وجوه : .
أحدها المعتزل المنفرد عن القوم المتنحي عنهم يقال : اعتزل و انعزل و تعزل بمعنى واحد و اعتزاله عن القوم استعمال للأدب و السنة في ترك جلوس الإنسان عند المصلين إذا لم يصل معهم و قد قال صلى الله عليه و سلم لمن رآه جالسا في المسجد و الناس يصلون [ ما منعك أن تصلي في القوم ؟ وقد روي مع الناس ألست برجل مسلم ؟ ] و هذا إنكار لهذه الصورة الثاني قوله [ ما منعك أن تصلي في القوم ؟ ] وقد روي مع القوم و المعنى متقارب وإن اختلف أصل اللفظين فإن في للظرفية فكأنه جعل اجتماع القوم ظرفا خرج منه هذا الرجل و مع للمصاحبة كأنه قال : ما منعك أن تصحبهم في فعلهم ؟ .
الثالث : قوله [ أصابتني جنابة و لا ماء ] يحتمل من حيث اللفظ وجهين .
أحدهما : أن لا يكون عالما بمشروعية التيمم و الثاني : أن يكون اعتقد أن الجنب لا يتيمم و هذا أرجح من الأول فإن مشروعية التيمم كانت سابقة على زمن إسلام عمران راوي الحديث فإنه أسلم عام خيبر و مشروعية التيمم كانت قبل ذلك في غزوة المريسيع و هي واقعة مشهورة و الظاهرة علم الرجل بها لشهرتها فإذا حملناه على كون الرجل اعتقد أن الجنب لا يتيمم كما ذكر عن عمر و ابن مسعود كان دليلا على أن هذا الرجل و من شك في تيمم الجنب حملوا الملامسة المذكورة في الآية فلم يقع لهم شك في تيمم الجنب و هذا الظهور الذي ادعي إن لم يكن إسلام هذا الرجل واقعا عند نزول الآية و هذا إنما يكون في مدة تقتضي العادة بلوغها إلى عمله .
الرابع : قوله [ و لا ماء ] أي موجود أو عندي أو أجده أو ما أشبه ذلك و في حذفه بسط لعذره لما فيه من عموم النفي كأنه نفي وجود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسبب أو سعي أو غير ذلك : لحصله فإذا نفى وجوده مطلقا كان أبلغ في النفي و أعذر له .
و قد أنكر بعض المتكلمين على النحاة تقديرهم في قولنا لا إله إلا الله لا إله لنا أو في الوجود وقال إن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا نفيت مقيدة دلت على سلب الماهية مع القيد و إذا نفيت غير مقيدة كان نفيا للحقيقة و إذا انتفت الحقيقة انتفت مع كل قيد أما إذا نفيت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر هذا أو معناه .
الخامس : الحديث دل بصريحه على أن للجنب أن يتيمم و لم يختلف فيه الفقهاء إلا أنه روي عن عمر و ابن مسعود أنهما منعا تيمم الجنب و قيل إن بعض التابعين وافقهما وقيل رجعا عن ذلك وكأن سبب التردد ما أشرنا إليه من حمل الملامسة على غير الجماع مع عدم وجود دليل عندهم على جوازه والله أعلم