الجواب عن المعارضة بين الحديث و بين حديث الذين يخفقون في غزوهم .
قيل إن هذا الحديث معارض للحديث الآخر وهو قوله عليه السلام [ من غازية أو سرية تغزو فتغنم و تسلم إلا كان قد تعجلوا ثلثي أجرهم و ما من غازية أو سرية تغزو فتخفق أو تصاب إلا تم لهم أجرهم ] و الإخفاق أن تغزو فلا تغنم شيئا ذكر القاضي معنى ما ذكرناه من المعارضة عن غير واحد .
و عندي أنه أقرب إلى موافقته منه إلى معارضته و يبعد جدا أن يقال بتعارضهما نعم كلاهما مشكل أما ذلك الحديث فلتصريحه بنقصان الأجر بسبب الغنيمة و أما هذا فلأن أو تقتضي أحد الشيئين لا مجموعها فيقتضي إما حصول الأجر أو الغنيمة و قد قالوا : لا يصح أن تنقص الغنيمة من أجر أهل بدر و كانوا أفضل المجاهدين و أفضلهم غنيمة و يؤكد هذا تتابع فعل النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه من بعده على أخذ الغنيمة و عدم التوقف عنها .
و قد اختلفوا بسبب هذا الإشكال في الجواب فمنهم من جنح إلى الطعن في ذلك الحديث و قال : إنه لا يصح و زعم أن بعض رواته ليس بمشهور و هذا ضعيف لأن مسلما أخرجه في كتابه و منهم من قال : إن هذا الذي تعجل من أجره بالغنيمة في غنيمة أخذت على غير وجهها قال بعضهم و هذا بعيد لا يحتمله الحديث و قيل إن هذا الحديث أعني الذي نحن في شرحه شرط فيه ما يقتضي الإخلاص و الحديث الذي في نقصان الأجر يحمل على من قصد مع الجهاد طلب المغنم فهذا شرك بما يجوز له التشريك فيه و انقسمت نيته بين الوجهين فنقص أجره و الأول أخلص فكمل أجره .
قال القاضي : و أوجه من هذا عندي في استعمال الحديثين على وجهيهما أيضا إن نقص أجر الغانم بما فتح الله D عليه من الدنيا و حساب ذلك بتمتعه عليه في الدنيا و ذهاب شظف عيشه في غزوه و بعده إذا قوبل بمن أخفق و لن يصب منها شيئا و بقي على شظف عيشه و الصبر على غزواه في حاله وجد أجر هذا أبدا في ذلك وافيا مطردا بخلاف الأول و مثله في الحديث الآخر [ فمنا من مات و لم يأكل من أجره شيئا و منا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها ] .
و أقول أن التعارض بين الحديثين فقد نبهنا على بعده فأما الإشكال في الحديث الثاني فظاهره الجار على القياس لأن الأجور قد تتفاوت بحسب زيادة المشقات لا سيما ما كان أجره بحسب مشقته أو لمشقته دخل في الأجر و إنما يشكل عليه العمل المتصل بأخذ الغنائم فلعل هذا من باب تقديم بعض المصالح الجزئية على بعض فإن ذلك الزمن كان الإسلام فيه غريبا أعني ابتداء زمن النبوة و كان أخذ الغنائم عونا على علو الدين و قوة المسلمين و ضعفاء المهاجرين و هذه مصلحة عظمى قد يغتفر بعض النقص في الأجر من حيث هو هو و أما ما قيل في أهل بدر فقد يفهم منه أن النقصان بالنسبة إلى الغير و ليس ينبغي أن يكون كذلك بل ينبغي أن يكون التقابل بين كمال أجر الغازي نفسه إذا لم يغنم و أجره إذا غنم فيقتضي هذا أن يكون حالهم عند عدم الغنيمة أفضل من حالهم عند وجودها لا من حال غيرهم و إن كان أفضل من حال غيرهم قطعا فمن وجه آخر لكن لا بد من هذا من اعتبار المعارض الذي ذكرناه فلعله مع اعتباره لا يكون ناقصا و يستثنى حاله من العموم الذي في الحديث الثاني أو حال من يقاربهم في المعنى و أما هذا الحديث الذي نحن فيه فإشكاله من كلمة أو أقوى من ذلك الحديث فإنه قد يشعر بأن الحاصل إما أجر و إما غنيمة فيقتضي أنه إذا حصلنا الغنيمة يكتفى بها له و ليس كذلك و قيل في الجواب عن هذا بأن أو بمعنى الواو و كأنه التقدير بأجر و غنيمة و هذا و إن كان فيه ضعف من جهة العربية ففيه إشكال من حيث إنه إذا كان المعنى يقتضي اجتماع الأمرين كان ذلك داخلا في الضمان فيقتضي أنه لا بد من حصول أمرين لهذا المجاهد إذا رجع مع رجوعه و قد لا يتفق ذلك بأن يتلف ما حصل في الرجوع من الغنيمة اللهم إلا أن يتجاوز في لفظة الرجوع إلى الأهل أو يقال : المعية في مطلق الحصول لا في الحصول في الرجوع و منهم من أجاب بأن التقدير أو أرجعه إلى أهله مع من نال من أجره وحده أو غنيمة و أجر فحذف الأجر من الثاني و هذا لا بأس به لأن المقابلة إنما تشكل إذا كانت بين مطلق الأجر و بين الغنيمة مع الأجر و أما مع الأجر المفيد بانفراده عن الغنيمة فلا