أقوال العلماء في الكبائر و عددها .
الثالثة : اختلف الناس في الكبائر فمنهم من قصد تعريفها بتعددها و ذكروا في ذلك أعدادا من الذنوب و من سلك هذه الطريقة فليجمع ما ورد في ذلك في الأحاديث إلا أنه لا يستفيد بذلك الحصر و من هذا قيل : إن بعض السلف قيل له : أنها سبع فقال : إنها إلى السبعين أقرب منها إلى السبع و منهم من سلك طريق الحصر بالضوابط فقيل عن بعضهم : إن كل ذنب قرن به وعيد أو لعن أو حد فهو من الكبائر فتغيير منار الأرض كبيرة لاقتران اللعن به و كذا قتل المؤمن لاقتران الوعيد به و المحاربة به و الزنا و السرقة و القذف كبائر لاقتران الحدود بها و اللعنة ببعضها و سلك بعض المتأخرين طريقا فقال : إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر و الكبائر فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإذا نقصت على أقل مفاسد الكبائر فهي من مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر و إن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليه فهي من الكبائر و عد من الكبائر شتم الرب تبارك و تعالى أو الرسول و الاستهانة بالرسل و تكذيب واحد منهم و تضميخ الكعبة بالعذرة و إلقاء المصحف في القاذورات فهذا من أكبر الكبائر و لم يصرح الشرع بأنه كبيرة وهذا الذي قاله داخل عندي فيما نص عليه الشرع بالكفر إن جعلنا المراد بالإشراك بالله مطلق الكفر على ما سنسببه عليه و لا بد مع هذا من أمرين أحدهما : أن المفسدة لا تؤخذ مجردة عما يقترن بها من أمر آخر فإنه قد يقع غلط في ذلك ألا ترى أن السابق إلى الذهن أن مفسدة الخمر السكر و تشويش العقل فإن أخذنا هذا بمجرده لزم منه أن لا يكون شرب القطرة الواحدة كبيرة لخلائها عن المفسدة المذكورة لكنها كبيرة فإنها و إن خلت عن المفسدة المذكورة إلا أنه يقترن بها مفسدة الإقدام و التجري على شرب الكثير الموقع في المفسدة فبهذا الاقتران تصير كبيرة .
الثاني : أنا إذا سلكنا هذا المسلك فقد تكون مفسدة بعض الوسائل إلى بعض الكبائر مساويا لبعض الكبائر أو زائدا عليها فإن من أمسك امرأة محصنة لم يزني بها أو مسلما معصوما لمن يقتله فهو كبيرة أعظم مفسدة من أكل مال الربا أو أكل مال اليتيم وهو منصوص عليهما و كذلك لو دل على عورة من عورات المسلمين تفضي إلى قتلهم وسبي ذراريهم و أخذ أموالهم كان ذلك أعظم من فراره من الزحف و الفرار من الزحف منصوص عليه دون هذه و كذلك تفعل على هذا القول الذي حكيناه من أن الكبيرة ما رتب عليها اللعن أو الحد أو الوعيد فتعتبر مفاسد بالنسبة إلى ما رتب عليه من ذلك فما ساوى أقلها فهو كبيرة و ما نقص عن ذلك فليس بكبيرة .
الرابعة : قوله عليه السلام [ الإشراك بالله ] يحتمل أن يراد به مطلق الكفر فيكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود لا سيما في بلاد العرب فذكر تنبيها على غيره و يحتمل أن يراد به خصوصه إلا أنه يرد على هذا الاحتمال أنه قد يظهر أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو كفر التعطيل فبهذا يترجح الاحتمال الأول