فصل وإذا حررها المدعى أي الدعوى .
فللحاكم سؤال خصمه عنها وإن لم يسأل المدعي الحاكم سؤاله بأن لم يقل للقاضي إسأل المدعى عليه من ذلك لأن شاهد الحال يدل على ذلك لأن إحضاره والدعوى عليه إنما تراد لذلك فإن إقر مدعى عليه بالدعوى لم يحكم له أي المدعي على المدعى عليه إلا بسؤاله الحاكم الحكم على المدعى عليه لأن الحق له فلا يستوفيه الحاكم إلا بمسألة فإن سأله قال الحاكم للمدعى عليه أخرج له من حقه أو قضيت عليك له أو ألزمتك بحقه أو حكمت عليك بالخروج منه ونحوه وإن أنكر مدعي عليه الدعوى بأن قال مدعي عليه لمدع قرضا أو لمدع ثمنا ما أقرضني أو قال ما باعني أو قال ما يستحق على ما ادعاه ولا شيئا منه أو قال لا حق له علي صح الجواب لنفيه عين ما ادعى به عليه لأن قوله لا حق له نكرة في سياق النفي فتعم كل حق ما لم يعترف له بسبب الحق فلا يكون قوله ما يستحق على ما ادعاه ولا شيئا منه وما بعده جوابا فلو ادعت امرأة مهرها على معترف بزوجيتها فقال لا يستحق علي شيئا لم يصح الجواب ولزمه المهر إن لم يقم بينة بإسقاطه وكذا لوادعت عليه نفقة أوكسوة وكذا لو ادعى عليه قرضا فاعترف به وقال لا يستحق علي شيئا لثبوت سبب الحق والأصل بقاؤه ولم يعلم مزيله ولهذا لو أقرت مريضة بمرضها مرض الموت المخوف أن لا مهر لها على زوجها لم يقبل منها ذلك إلا ببينة أنها أخذته نصا نقله مهنا أو أنها أسقطته عنه في الصحة يعني في غيرمرض الموت المخوف وما ألحق به و لوقال مدع لمدعي عليه لي عليك مائة أطالبك بها فقال المدعى عليه ليس لك على مائة اعتبر قوله أي المدعي عليه ولا شيء منها لأن نفي المائة لا ينفي مادونها كيمين فيحلف إذا وجهت عليه ليس عليه مائة ولا شيء منها ولايكفي الحلف على نفي المائة فإن نكل عن اليمين عما دون المائة بأن حلف أنه لا يستحق عليه مائة ونكل عن أن يقول ولا شيء منها حكم عليه بالنكول بمائة إلا جزء من أجزاء المائة ومن أجاب مدعي استحقاق مبيع بقوله هو ملكي اشتريته من زيد مثلا وهو ملكه لم يمنع ذلك رجوعه عليه أي على بائعه بثمن المبيع المستحق إذا أثبته ربه قال في تصحيح الفروع وهو الصواب لا سيما إذا كان المشتري جاهلا والاضافة إلى ملكه في الظاهر والوجه الثاني ليس له الرجوع لاعترافه له بالملك وهو بعيد انتهى والثاني هو مفهوم كلام المتن في الغصب تبعا للقواعد الفقهية كما لو أجاب مشتر بمجرد الانكار أنه له أو انتزع من يده أي المشتري ببينة ملك سابق على شرائه فيرجع على بائعه بالثمن فيها بلا خلاف في المذهب أو انتزع من يده ببينة ملك مطلق عن التاريخ فيرجع على بائعه بالثمن لأن المبيع لم يسلم له ولو قال مدعى عليه لمدع دينارا لا يستحق علي حبة صح الجواب ويعم الحبات أي حبات الدينار لأنها نكرة في سياق النفي ويعم ما لم يندرج في لفظ حبة أي ما دونها من باب الفحوى أويعم حقيقة عرفيه إذ الظاهرمنه نفي استحقاق شيء من الدينارولوقال لك علي شيءفقال ليس لي عليك شيء وإنما لي عليك ألف درهم لم يقبل منه دعوى الألف لأنه نفاها بنفي الشيء ولوقال له لك علي درهم فقال ليس لي عليك درهم ولا دانق وإنما لي عليك ألف قبل منه دعوى الألف لأن معنى نفيه ليس حقي هذا القدرولوقال ليس لك علي شيء إلا درهم صح ذلك قاله الأزجي ولمدع أنكر خصمه أن يقول لي بينة لأن هذا موضعها وللحاكم إن لم يقل المدعي ذلك أن يقول له ألك بينة لما روى [ أن رجلين اختصما إلى النبي A حضرمي وكندي فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي هي أرضي وفي يدي فليس له فيها حق فقال النبي A للحضرمي ألك بينة فقال لا قال فلك يمينه ] وهوحديث حسن صحيح قاله في شرحه فإن قال مدع سأله حاكم ألك بينة فقال نعم قال له الحاكم إن شئت فاحضرها فإذا أحضرها لم يسألها الحاكم عما عندها حتى يسأله المدعي ذلك لأن الحق له فلا يتصرف فيه بلا إذنه ولم يلقنها الحاكم الشهادة بل إذا سأله المدعي سؤاله البينة قال من كان عنده شهادة فليذكرها إن شاء ولا يقول لهما اشهدا لأنه أمر وكان شريح يقوك للشاهدين ما أنا دعوتكما ولا أنهاكما أن ترجعا وما يقضي على هذا المسلم غيركما وإني بكما أقضي اليوم وبكما أثقي يوم القيامة فإذا شهدت عنده البينة سمعها حرم عليه ترديدها ويكره له تعنتها أي طلب زلتها وانتهارها أي زجرها لئلا يكون وسيلة إلى الكتمان ولا يكره قوله أي الحاكم لمدعي عليه ألك فيها دافع أو مطعن بك يستحب قوله قد شهدا عليك فإن كان لك قادح فبينه لي وقيده في المذهب و المستوعب بما إذا ارتاب فيهما فإن لم يأت بقادح واتضح للحاكم الحكم وكان الحق لمعين وسأله أي الحاكم الحكم لزمه الحكم فورا ولا يحكم بدون سؤاله كما تقدم ويحرم الحكم ولا يصح مع علمه أي الحاكم بضده أي ضد ما يعلمه بل يتوقف أو مع لبس قبل البيان ويأمر بالصلح لقوله تعالى : { لتحكم بين الناس بما أراك الله } ومع علمه بضده أو اللبس لم يره شيئا يحكم به ويحرم الاعتراض عليه أي الحاكم لتركه تسمية الشهود قال في الفروع وذكرشيخنا أن له طلب تسمية البينة ليتمكن من القدح بالاتفاق ويتوجه مثله حكمت بكذا ولم يذكر مستنده من بينة أو إقرار أو نكول فيحرم الاعتراض عليه لذلك وله الحكم ببينة أو إقرار في مجلس حكمه وإن لم يسمعه غيره نصا نقله حرب لأن مستند قضاء القاضي وهو الحجة الشرعية وهى البينة أو الإقرار فجاز له الحكم بهما إذا سمعهما في مجلسه وإن لم يسمعه أحد لحديث أم سلمة مرفوعا [ إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إلي ولعل أن يكون بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحوما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ] رواه الجماعة فجعل مستند قضائه ما يسمعه لا غيره ولأنه إذا جاز الحكم بشهادة غيره فبسماعه أولى ولئلا يؤدي إلى ضياع الحقوق و لا يحكم قاض بعلمه في غير هذه المسألة ولو في غير حد للخبر ولقول الصديق لو رأيت حدا على رجل آخذه حتى تقوم البينة ولأن تجويز القضاء بعلم القاضي يؤدي إلى تهمته وحكمه بما يشتهي مع الإحالة على علمه لكن يجوز الاعتماد للحاكم على سماعه بالاستفاضة لأنها من أظهر البينات ولا يتطرق إلى الحاكم تهمة إذا استند إليها فحكمه بها حكم بحجة لا بمجرد علمه الذي لا يشاركه فيه غيره ذكره في الطرق الحكمية إلا على رواية مرجوحة قال المنقح وقريب منها أي مسألة القضاء بعلمه بل هي من أفرادها العمل أي عمل الحكام بصورة تسمى بطريق مشروع بأن يولي الشاهد الباقي من شاهدين بعد موت رفيقه القضاء للعذر فيقضي بما شهد عليه وقد عمل به أي بالطريق المشروع كثير من حكامنا وأعظمهم الشارح أي شارح المقنع الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي قال في شرحه وظاهره ولوكانت شهادتهم على حاكم بحكم وتنفيذ ويعمل بعلمه في عدالة بينة وجرحها بغيرخلاف قاله في شرحه لئلا يتسلسا لاحتياجه إلى معرفة عدالة المزكين أوجرحهم فلولم يعمل بعلم في ذلك لاحتاج كل من المزكين الى مزكين ثم يحتاجون أيضا الى مزكين وهكذا ومن جاء من المدعين ببينة فاسقة استشهدها الحاكم لئلا يفضحها وقال لمدع زدني شهودا ولم يقبلها لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا }