باب الكتابة .
اسم مصدر بمعنى المكاتبة من الكتب بمعنى الجمع لانها تجمع نجوما ومنه سمي الخراز كاتبا أو لان السيد يكتب بينه وبين عبده كتابا بما اتفقا عليه وشرعا بيع سيد رقيقه ذكرا كان أو أنثى نفسه أي الرقيق بمال فلا تصح على خنزير ونحوه في ذمته أي الرقيق لا معين مباح فلا تصح على آنية ذهب أو فضة أو نحوهما معلوم فلا تصح على مجهول لانها بيع ولا يصح مع جهالة الثمن يصح السلم فيه فلا تصح بجوهر ونحوه لئلا يفضي إلى التنازع منجم بنجمين فصاعدا أي أكثر من نجمين بعلم قسط أي مبلغ كل نجم بما عقد عليه من دراهم أو دنانير أو غيرهما ومدته لان الكتابة مشتقة من الكتب وهو الضم فوجب افتقارها إلى نجمين ليضم أحدهما إلى الآخر واشترط العلم بما لكل نجم من القسط والمدة لئلا يؤدي جهله الى التنازع ولا يشترط تساوي الانجم فلو جعل نجم شهرا وآخر سنة أو جعل قسط أحدهما مائة والآخر خمسين ونحوه جاز لان القصد العلم بقدر الأجل وقسطه وقد حصل بذلك والنجم هنا الوقت فان العرب كانت لا تعرف الحساب وانما تعرف الاوقات بطلوع النجم قال بعضهم : .
( إذا سهيل أول الليل طلع ... فابن اللبون الحق والحق الجذع ) .
أو يبيع سيد رقيقه نفسه بمنفعة منجمة على أجلين فأكثر كأن يكاتبه في المحرم على خدمته فيه وفي رجب أو على خياطة ثوب أو بناء حائط عينهما فان كاتبه على خدمة شهر معين أو سنة معينة لم تصح لانه نجم واحد وأجمع المسلمون على مشروعية الكتابة لقوله تعالى : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } وحديث بربرة وحديث [ المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم ] رواه أبو داود ولا يشترط لكتابة أجل له وقع في القدرة على الكسب فيه فيصح توقيت النجمين بساعتين قال في شرحه في الأصح وفي تصحيح الفروع ظاهر كلام كثير من الأصحاب الصحة ولكن العرف والعادة والمعنى انه لا يصح قياسا على المسلم لكن السلم أضيق وجزم بالثاني في الاقناع وتصح الكتابة على خدمة مفردة كأن يكاتبه على أن يخدمه رجب وشعبان أو على خدمة معها مال إن كان المال مؤجلا ولو أثنائها أي مدة الخدمة كأن يكاتبه على خدمة شهر ودينار يؤديه في أثنائه وآخره وإذا لم يسم الشهر كان عقب العقد كالإجارة في قول وان عين الشهر صح ولو اتصل بالعقد لأن المنع من الحلول في غير الخدمة للعجز عنه في الحال بخلافها ويصح ان يكون أجل الدينار قبل الخدمة ان لم تتصل بالعقد كان يكاتبه في المحرم على دينار إلى صفر وعلى خدمته رجب وان جعل محله نصف رجب أو انقضاءه صح كما تقدم لأن الخدمة بمنزلة العوض الحاصل في ابتداء مدتها فيكون محلها غير محل الدينار وتسن الكتابة لمن أي رقيق علم فيه خيرا للآية وهو أي الخير الكسب والأمانة قال أحمد : الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة ونحوه قول ابراهيم النخعي و عمرو بن دينار وغيرهما وان اختلفت عباراتهم في ذلك والآية محمولة على الندب لحديث [ لا يحل مال امريء مسلم إلا عن طيب نفس منه ] ولأنه دعاء إلى إزالة ملكه بعوض فلم يجبر السيد عليه كالبيع وتكره الكتابة لمن لا كسب له لئلا يصير كلا على الناس ويحتاج الى المسألة وتصح الكتابة لمبعض بأن يكاتب السيد بعض عبده مع حرية بعضه و تصح كتابة رقيق مميز لأنه يصح تصرفه وبيعه باذن سيده فصحت كتابته كالمكلف وإيجاب سيده الكتابة له إذن له في قبولها بخلاف الطفل والمجنون لكن يعتقان بالتعليق إن علق عتقهما على الأداء صريحا و لا تصح الكتابة منه أي المميز بأن يكاتب مميز رقيقه إلا بإذن وليه لأنها تصرف في المال فلم يصح من المميز إلا باذن وليه كالبيع ولا تصح كتابة من سيد غير جائز التصرف كسفيه ومحجور عليه لفلس كالبيع ولا أي ولا تصح كتابة بغير قول لأن المعاطاة لا تمكن فيها صريحا وتنعقد الكتابة ب قول سيد لرقيقه كاتبتك على كذا مع قبوله أي الرقيق الكتابة لأنه لفظها الموضوع لها فانعقدت بمجرده وإن لم يقل السيد لرقيقه فإذا أديت إلى ما كاتبتك عليه فأنت حر لأن الحرية موجب عقد الكتابة فتثبت عند تمامه كسائر أحكامه ولأن الكتابة عقد وضع للعتق بالأداء فلم تحتج إلى لفظ العتق كالتدبير وإطلاق الكتابة على المخارجة ليس بمشهور حتى يحتاج إلى الاحتراز عنه على أن اللفظ المحتمل ينصرف بالقرائن الى أحد معنيه ومال المكاتب حالة الكتابة لسيده إلا أن يشترطه المكاتب ومتى أدى المكاتب ما عليه من كتابه فقبضه منه سيده أو وليه أي السيد إن كان محجورا عليه عتق لمفهوم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] رواه أبو داود فقد دل الحديث بمنطوقه على أنه لا يعتق حتى يؤدي كتابته جميع كتابته ودل بمفهومه على أنه إذا أدى جميع كتابته لا يبقى عبدا أو أبرأه أي المكاتب سيده من كتابته أو أبرأه وارث لسيده موسر من حقه من كتابته عتق لأنه لم يبق عليه شيء منها فان أدى البعض أو أبرىء منه برىء منه وهو على كتابته فيما بقي للخبر فان كان الوارث معسرا وابرأ من حقه عتق نصيبه فقط بلا سراية وما فضل بيده أي المكاتب بعد أداء ما عليه من كتابته أو ابرائه منه فله أي المكاتب لأنه كان له قبل عتقه فبقي على ما كان وتنفسخ الكتابة بموته أي المكاتب قبل أدائه جميع كتابته سواء خلف وفاء أو لا ومما بيده لسيده نصا لأنه مات وهوعبد كما لو لم يخلف وفاء لأنها عقد معاوضه على المكاتب وقد تلف المعقود عليه قبل التسليم فبطل وقتله كموته سواء قتله سيده أو أجنبي ولا قصاص إن قتله حر وإن كان القاتل سيده فلا شيء عليه لأنه لو وجب شيء لكان له وما في يده لسيده لزوال الكتابة لا على انه وارث وإن كان القاتل أجنبيا فلسيده قيمته ولا بأس أن يعجلها أي الكتابة المؤجلة قبل حلولها لسيده ويضع السيد عنه أي المكاتب بعضها أي الكتابة فلو كان النجم مائة وعجل منه أو صالحه عنه على ستين وأبرأه من الباقي صح لأن مال الكتابة غير مستقر وليس بدين صحيح لأنه لا يجبر على أدائه ولا تصح الكفالة به وما يؤديه إلى سيده كسب عبده وانما جعل الشرع هذا العقد وسيلة الى العتق وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفا على المكاتب فاذا عجل على وجه يسقط به بعض ما عليه كان أبلغ فيه حصول العتق وأخف على العبد وبهذا فارق سائر الديون ويفارق الأجانب من حيث إنه عبده فهو أشبه بعبده القن وان إتفقا على الزيادة في الأجل والدين كأن حل عليه نجم : فقال أخره إلى كذا وأزيدك كذا لم يجز لأنه يشبه ربا الجاهلية المحرم ويلزم سيدا عجل له مكاتبه كتابته أخذ معجله بلا ضرر على السيد في قبضها ويعتق فان أبى السيد أخذها جعلها إمام في بيت المال وحكم بعتقه رواه سعيد في سننه عن عمر وعثمان ولأن الأجل حق لمن عليه الدين فاذا قدمه فقد أسقط حقه فسقط كسائر الحقوق وظاهره انه ان تلف ببيت المال ضاع على السيد لقيام قبض الامام مقام قبضه لامتناعه بلا حق فاذا كان ضرر على السيد بقبضها كأن دفعها إليه بطريق مخوف أو احتاجت إلى مخزن كالطعام والقطن ونحوه لم يلزمه أخذها لأنه لا يلزمه التزام ضرر ولا يقتضيه العقد ولا يعتق ببذله إذن ومتى بان بعوض دفعه مكاتب لسيده عن الكتابة عيب فله أي السيد أرشه إن أمسكه أو عوضه أي المعيب برده على المكاتب لأن اطلاق عقد الكتابة يقتضي سلامة عوضها وقد تعذر رد المكاتب رقيقا فوجب أرش العيب أو عوض المعيب جبرا لما اقتضاه اطلاق العقد ولم يرتفع عتقه لأنه ازالة ملك بعوض فلا يبطله رد العوض بالعيب كالخلع ولو أخذ سيده أي المكاتب منه حقه ظاهرا ثم قال السيد هو حر ثم بان ما دفعه مستحقا أي مغصوبا ونحوه لم يعتق لفساد القبض وإنما قال هو حر اعتمادا على صحة القبض وان ادعى السيد تحريمه أي ما أراد المكاتب أن يقبضه له بأن قال : لا أقبضه لأنه غصب أو سرقة ونحوه وأنكره المكاتب قبل قول السيد ببينة وسمعت بينته لأن له حقا في أن لا يقتضى دينه من حرام ولا يأمن رجوع صاحبه عليه به وإلا يكن للسيد بينة حلف العبد أنه ملكه ثم يجب على السيد أخذه ويعتق المكاتب به أي بأخذه لأن الاصل أنه ملكه ثم يلزمه أي السيد رده ما قبضه من المكاتب مدعيا انه حرام إلى من أضافه إليه إن كان أضافه لمعين بأن قال غصبه من زيد فيرده إليه لأنه يقبل قوله في حق نفسه وإن لم يقبل على المكاتب وان نكل مكاتب عن الحلف أن ما بيده ملكه حلف سيده انه حرام ولم يلزمه قبوله وله أي سيد المكاتب إذا كان له عليه دينان : دين الكتابة ودين عن قرض أو ثمن مبيع أو نحوه قبض ما لا يفي بدينه ودين الكتابة من دين له على مكاتبه بأن ينوي السيد بما يقبضه أنه عن غير دين الكتابة و له تعجيزه إذا قبض ما بيده عن غير دين الكتابة ولم يبق بيده ما يوفي كتابته منه و لا يملك السيد تعجيزه قبل أخذه ذلك الذي بيده بنية كونه عن جهة الدين لأن بيده ما يمكن الوفاء منه في الجملة والاعتبار بقصد سيده دون المكاتب الدافع وفائدته أي اعتبار قصد السيد يمينه أي السيد عند النزاع أي الاختلاف في نيته لأنه أدرى بها وهذا معنى ما قاله في الرعاية و الفروع وتقدم في الرهن : لو قضى بعض دينه أو أبرأ منه وببعضه رهن أو كفيل كان عما نواه الدافع أو المبرىء والقول قوله في النية قال في تصحيح الفروع : فقياس هذا أن المرجع في ذلك إلى العبد المكاتب لا لسيده وقال عما قاله المصنف : وفيه نظر