باب الوديعة .
من ودع الشيء إذا تركه لتركها عند المودع أو من الدعة فكأنها عنده غيرمبتذلة للانتفاع بها أو من ودع إذا سكن واستقر فكأنها ساكنة عند المودع قال الأزهري : سميت وديعة بالهاء لأنهم ذهبوا بها إلى الأمانة أجمعوا على جواز الايداع لقوله تعالى : { فليؤد الذي اؤتمن أمانته } وحديث أبي هريرة مرفوعا [ أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ] رواه أبو داود و الترمذي وحسنه ولحاجة الناس إليها والوديعة شرعا المال المدفوع الى من يحفظه بلا عوض لحفظه فخرج الكلب والخمر ونحوهما وما ألفته نحو ريح من نحو ثوب إلى دار غيره وما تعدى بأخذه والعارية ونحوها والأجير على حفظ مال والإيداع توكيل رب مال في حفظه تبرعا من الحافظ والاستيداع توكل في حفظه أي مال غيره كذلك أي تبرعا بغير تصرف فيه ويعتبر لها أي الوديعة أي لعقدها أركان وكالة أي ما يعتبر فيها من كون كل منهما جائز التصرف وتعيين وديع ونحوه لأنها نوع منها فتبطل بما يبطلها إلا إذا عزله ولم يعلم بعزله وإن عزل نفسه فهي أمانة بيده كثوب أطارته الريح إلى داره يجب رده إلى مالكه ويستحب قبولها لمن علم من نفسه أنه ثقة قادر على حفظها ويكره لغيره وهي أي الوديعة أمانة بيد وديع لا تضمن بلا تعد ولا تفريط لأنه تعالى سماها أمانة والضمان ينافي الأمانة ولو تلفت من بين ماله ولم يذهب معها شيء منه لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا [ من أودع وديعة فلا ضمان عليه ] رواه ابن ماجة ولئلا يمتنع الناس من الدخول فيها مع مس الحاجة إليها وما روي عن عمر أنه ضمن إنسانا وديعة ذهبت من بين ماله محمول على التفريط ويلزمه أي الوديع حفظها أي الوديعة في حرز مثلها عرفا لقوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ولا يمكن أداؤها بدون حفظها ولأن المقصود من الإيداع الحفظ والاستيداع التزام ذلك فإذا لم يحفظها لم يفعل ما التزمه كحرز سرقة أي في كل مال بحسبه ويأتي في بابها فإن عينه أي الحرز ربها أي الوديعة بأن قال : احفظها بهذا البيت أو الحانوت فأحرزها بدونه أي دون المعين رتبة في الحفظ فضاعت ضمن لمخالفته ولأن بيوت الدار تختلف : فمنها ما هو أسهل نقبا ونحوه ولو ردها إلى الحرز المعين بعد ذلك وتلفت فيه فيضمنها لتعديه بوضعها في الدون فلا تعود أمانة إلا بعقد جديد و إن أحرزها بمثله أي الحرز المعين في الحفظ أو أحرزها في حرز فوقه أي الحفظ منه كما لوأودعه خاتما وقال له : البسه في خنصرك فلبسه في بنصره ولو لغير حاجة لا يضمن الوديعة إن تلفت لأن تعيين الحرز يقتضي الإذن في مثله كمن اكترى أرضا لزرع بر له زرعها إياه ومثله ضررا واقتضى الإذن فيما هو أحفظ من باب أولى كزرع ما هودون البر ضررا ولا فرق بين الجعل أولا في غير المعين وبين النقل إليه قاله الحارثي وفي التلخيص وأصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل وبين للمها بغيره وعندي إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن انتهى وإن كانت عين في بيت ربها وقال لآخر : احفظها في موضعها فنقلها منه بلا خوف ضمنها لأنه ليس بوديع بل وكيل في حفظها فلا يخرجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره لها إلا إن خاف عليها فعليه إخراجها لأنه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في إخراجها ويعلم منه أنه لو حضر ربها في هذه الحال لاخرجها وكالمستودع إذا خاف عليها وإن نهاه ربها عن إخراجها من مكان عينه لحفظها فأخرجها وديع منه لغشيان أي وجود شيء الغالب منه الهلاك كحريق ونهب فتلفت لم يضمن ما تلف بنقلها إن وضعها في حرز مثلها أو فوقه لتعين نقلها لأن في تركها تضييعا لها فإن تعذر عليه مثل حرزها الأول وفوقه فأحرزها في دونه في الحفظ فتلفت به لم يضمن لأنه أحفظ لها من تركها بمكانها وليس في وسعه إذن سواه وإن تركها إذن بمكانها مع غشيان ما الغالب معه الهلاك فتلفت ضمن لتفريطه ويحرم أو أخرجها من حرز نهاه مالكها عن إخراجها منه لغير خوف فتلفت بالأمر المخوف أو غيره ضمن سواء أخرجها إلى مثله أوأحرزمنه لمخالفة ربها بلا حاجة ويحرم فإن قال له مالكها لا تخرجها وإن خفت عليها فحصل خوف وأخرجها خوفا عليها أو لا أي أو لم يخرجها مع الخوف فتلفت مع إخراجها أو تركه لم يضمنها لأنه إن تركها فهوممتثل أمر صاحبها لنهيه عن إخراجها مع الخوف كما لو أمره بإتلافها وإن أخرجها فقد زاده خيرا وحفظا كما لو قال له أتلفها فلم يتلفها حتى تلفت وإن أخرجها بلا خوف فتلفت ضمن كما تقدم وإن لم يعلف وديع بهيمة أو يسقها حتى ماتت جوعا أوعطشا ضمنها لأن علفها وسقيها من كمال الحفظ الذي التزمه بالاستيداع بل هو الحفظ بعينه إذ الحيوان لا يبقى عادة بدونهما ويلزمانه و لا يضمن إن نهاه مالك عن علفها وسقيها فتركه حتى ماتت لإمتثاله كما لوأمره بقتلها فقتلها ويحرم ترك علفها وسقيها مطلقا لحرمتها في نفسها فيجب إحياؤها لحق الله تعالى وإن أمره به أي أمرر الوديع بعلفها لزمه لما سبق ولأنه أخذها من مالكها عليه و إن قال رب وديعة لوديع اتركها في جيبك فتركها في يده أو في كمه ضمن لأن الجيب أحرش لأنه قد ينسى فيسقط الشيء من يده أوكمه أو قال له اتركها في كمك فتركها في يده أو عكسه بأن قال له اتركها في يدك فتركها في كمه ضمن لأن سقوط الشيء من اليد مع النسيان أكثرمن سقوطه من الكم وتسلط الطرار بالبط على الكم بخلاف اليد فكل منهما أدنى من الآخرحفظا من وجه أو أخذها أي الوديعة بسوقه وأمر بالبناء للمجهول أي أمره مالكها بحفظها في بيته فتركها إلى حين مضيه أي فوق ما يمكنه أن يمضي فيه فتلفت مضيه بها إلى بيته ضمن لأن البيت أحفظ وفي تركها إلى مضيه تفريط أو قال له ربها احفظها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فخالف وأدخله غيره فتلفت بحرق أو نحوه كنهب أو سرقة ولو من غير داخل إلى البيت ضمن لأن الداخل ربما شاهدها في دخوله وعلم موضعها وطريق الوصول إليها فسرقها أودل عليها وقد خالف مالكها بإدخاله أشبه ما لو نهاه عن إخراجها فأخرجها لغيرحاجة و لا يضمن إن قال له ربها اتركها في كمك أو في يدك فتركها في جيبه لأنه أحرز فإن كان واسعا غير مزرورضمن ذكره المجد في شرحه وكذا لوأمره بحفظها ولم يعين حرزا فتركها في جيبه الضيق الفم أو المزرور أو شدها في كمه أو على عضده من جانب الجيب أوغيره أوتركها في قمه بلا شد وهى ثقيلة يشعر بها أوتركها في وسطه وشد عليها سراويله أو ألقاها وديع عند هجوم ناهب ونحوه كقاطع طريق إخفاء لها فلا يضمن لأنه عادة الناس في حفظ أموالهم وإن أمره بحفظها وأطلق فشدها على وسطه فهو أحرز لها وكذا إن تركها ببيته في حرزها وإن أمره بحفظها في صندوق وقال لا تقفل عليها ولا شم فوقها فخالفه في ذلك أو قال لا تقفل عليها إلا قفلا واحدا فجعل عليها قفلين فلا ضمان عليه ذكره القاضي وإن قال مودع خاتم لوديع اجعله في البنصر فجعله في الخنصر بكسر الصاد فيهما فضاع ضمنه لا عكسه بأن قال اجعله في الخنصر فجعله في البنصرفلا يضمنه لأنها أغلظ فهي أحرز إلا إن انكسر الخاتم لغلظها أي البنصرفيضمنه لأنه أتلفه بما لم يؤذن فيه مالكه فإن جعله في الوسطى وأمكن دخاله في جميعها فضاع لم يضمنه وإن لم يدخل في جميعها فجعله في بعضها ضمن لأنه أدنى من المأمور به وإن دفعها أي دفع مستودع الوديعة إلى من يحفظ ماله أي المستودع عادة كزوجته وعبده ونحوهما كخازنه فتلفت لم يضمن لأنه مأذون فيه عادة أشبه ما لو سلم الماشية إلى الراعي أو دفعها لعذر كمن حضره الموت أو أراد لسفر وليس أحفظ لها إلى أجنبي ثقة أو حاكم فتلفت لم يضمن لأنه لم يتعد ولم يفرط وإلا يكن له عذرحين دفعها إلى الأجنبي ضمن لتعديه لأنه ليس له أن يودع بلا عذر ولمالك الوديعة إذن مطالبة الأجنبي أيضا ببدل الوديعة لأنه قبض ما ليس له قبضه أشبه المودع من الغاصب وعليه أي الأجنبي القرار أي قرار لضمان إن علم الحال لتعديه فإن لم يعلم فعلى وديع أول لأنه غيره وإن مودع بفتح الدال لصا على وديعة فسرقها ضمنا أي المودع واللص أما المودع فلمنافاة دلالته للحفظ المأمور به أشبه ما لو دفعها لغيره وأما اللص فلأنه المتلف لها وعلى اللص القرار لمباشرته ومن أراد سفرا وبيده وديعة أو لم يرد سفرا بل خاف عليها عنده من نهب أو غرق ونحوهما ردها إلى مالكها أو إلى من يحفظ ماله أي مال مالكها عادة كزوجته وعبده أو إلى وكيله أي وكيل مالكها في قبضها إن كان لأن فيه تخلصا له من دركها وإيصالا للحق إلى مستحقه فإن دفعها إلى حاكم إذن ضمن لأنه لا ولاية له على رشيد حاضر وعليه مؤنة ردها لتعديه ولا يسافر الوديع بها مع حضور مالكها أو من يحفظ ماله أو وكيله بدون إذن ربها وإن لم يخف عليها في السفر أو كان السفر أحفظ لها فيضمن لتفريطه لأنه يفوت على مالكها إمكان استرجاعها ويخاطر بها لحديث [ إن المسافر وماله لعلى فلت إلا ما وقى الله ] أي على هلاك هذا ما قواه في المغني قال في الانصاف : وهوظاهركلامه في الهداية و المذهب و المستوعب و الخلاصة و المحرر و الرعايتين و الحاوي الصغير و الوجيز الفائق وغيرهم وهو الصواب وقال المنقح في التنقيح بعد أن قدم معنى ما سبق والمذهب بلى أي له السفر بها والحالة هذه أي إن لم يخف عليها في السفرأوكان أحفظ لها ونص عليه أي على أن له السفر بها مع حضوره أي مالكها انتهى فلا يضمنها ان تلفت معه سواء كان به ضرورة إلى السفرأولا لأنه نقله إلى موضع مأمون كما لو نقلها في البلد ومحله إن لم ينهه عنه كما في الفروع وفي المبهج و الموجز و الغالب السلامة وله ما أنفق بنية الرجوع قاله القاضي وفي الفروع ويتوجه كنظائره فإن لم يجده أي يجد الوديع مالكها وقد أراد السفر ولا وجد وكيله قلت : ولا من يحفظ ماله عادة حملها معه على القولين إن كان السفر أحفظ لها ولم ينهه مالكها عنه لأنه موضع حاجة فإن تلفت لم يضمنها فإن نهاه عنه مالكها لم يسافر بها ويضمن إن فعل إلا لعذر كجلاء أهل البلد أو هجوم عدو أو حرق أو غرق فلا ضمان ويجب الضمان بالترك وإلا يكن السفر أحفظ ولو استويا أو نهاه المالك عنه دفعها لحاكم لقيامه مقام صاحبها عند غيبته فإن تعذر دفعها الحاكم فلثقة كمن أي كمودع حضره الموت لأن كلا من السفر والموت سبب لخروج الوديعة عن يده و [ روي أنه A كان عنده ودائع فلما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن وأمرعليا أن يردها إلى أهلها ] أو دفنها وأعلم بها ساكنا ثقة لحصول الحفظ بذلك فإن لم يعلمه فضاعت ضمنها أي المودع لتفريطه لأنه قد يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي موضعها أو أصابتها آفة وكذا أن أعلم المودع بها غيرثقة لأنه ربما أخذها أودل عليها أو أعلم بها غيرساكن في الدار لأنه لم يودعه إياها ولا يمكنه حفظها ولا يضمن مسافر أودع وديعة في سفره فسافر بها فتلفت بالسفر لأن إيداعه في هذه الحالة يقتضي الإذن في السفر بها وإن تعدى وديع في وديعة كأن كانت دابة فركبها لا لسقيها أو علفها وله الاستعانة بالأجانب في ذلك وفي الحمل والنقل أو كانت ثيابافB لبسها لا لخوف عليها من عث بضم العين المهملة جمع عثة : سوسة تلحس الصوف ونحوه كافتراش فرش لا لخوف من عث وكاستعمال آلة صناعة من خشب لا لخوف من الأرضة ويضمن مودع ثياب نقصها بعث إن لم ينشرها لتفريطه أو أخرج الدارهم أو الدنانير المودعة لينفقها أو لينظر إليها ثم ردها الى وعائها ولو بنية الأمانة أو كسر ختمها أو حل كيسها بلا اخراج ضمنها لهتكه الحرز بتعديه أو جحدها أي الوديعة مودع ثم أقر بها ضمنها لأنه بجحده خرج عن الاستئمان فيها فلم يزل عنه الضمان باقراره بها لعدوان يده أو خلطها أي الوديعة بما لا تتميز عنه ضمنها لأنه صيرها في حكم التالف وفوت على نفسه ردها أشبه ما لوألقاها في لجة بحر وسواء كان الخلط بماله غيره وسواء كان بنظيرها أو أجود أو أدنى منها و لا يضمنها أن خلط بمتميز كدراهم بدنانير لأنه لا يعجز به عن ردها أشبه مالو تركها بصندوق فيه كياس له ولو كان التعدي أو الجحد أو الخلط بما لا تتميز عنه في إحدى عينين بأن كانت الوديعة كيسين ففعل ذلك في أحدهما دون الآخر بطلت الأمانة فيه أي في الكيس مثلا الذي تعدى فيه دون الآخر ووجب ردها أي الوديعة حيث بطلت فورا لأنها أمانة محضة وقد زالت بالتعدي ولا تعود وديعة بغير عقد متجدد وصح قول مالك لمدع كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين لصحة تعليق الايداع على الشرط كالوكالة وإن خلط احدى وديعتي زيد بالأخرى بلا إذن وتعذر التمييز فوجهان ذكره في الرعاية وإن اختلطت الوديعة بلا فعله ثم ضاع البعض جعل من مال المودع في ظاهر في كلامه ذكره المجد في شرحه وإن أخذ مودع من دراهم مودعة درهما ثم رده بعينه أو رد بدله متميزا أو أذن مالكها في أخذه أي لدرهم فرد الآخذ بدله بلا إذنه أي المالك فضاع الكل أي كل الدراهم المودعة ضمنه أي الدرهم المأخوذ المودع وحده لتعلق الضمان بالأخذ فلا يضمن غيرما خذه كما لو تلف في يده قبل رده ما لم تكن الدراهم مختومة أو مشدودة أو يكن البدل غير متميز فيضمن الجميع لهتكه الحرزفي الأوليين ولخلطه الوديعة بما لا تتميز منه في الثالثة ويضمن وديع بخرق كيس فيه وديعة من فوق شد أي رباط أرشه أي الكيس فقط أي دون ما فيه لأنه لم يهتك حرزه و يضمن بخرقه من تحته أي الشد أرشه وما فيه إن ضاع لهتك الحرز ولا يضمن بمجرد نية التعدي بل لابد من فعل أو قول ومن أودعه صغير وديعة لم يبرأ إلا بردها لوليه في ماله كدينه الذي له عليه ويضمنها قابضها من الصغير إن تلفت لتعديه بأخذها مالم يكن الصغير مأذونا له في الايداع أو يخف قابضها من الصغير هلاكها معه إن تركها كضائع وموجود في مهلكة فلا ضمان عليه بأخذه لقصده به التخليص من الهلاك فالحظ فيه لمالكه وما أودع أو أعير بالبناء للمفعول أي أودعه مالكه أو أعاره وهوجائز اتصرف لصغيرأو مجنون أو سفيه أو قن لم يضمن بتلف ه في يد قابضه ولو بتفريط لتفريط مالكه بدفعه إلى احد هؤلاء ويضمن ما أتلفه مكلف غير حر لأنه يصح استحفاظه ودخل فيه القن والمدبر والمكاتب وام الولد والمعلق عتقه بصفة في رقبته لأن اتلافه من جنايته ؟ وأما إتلات الصغير والمجنون والسفيه لما اودعوه أو اعيروه فهدر لأن مالكه سلطهم على ماله كما لو دفع لصغير او مجنون سكينا فوقع عليها فمات فإن ديته على عاقلة الدافع