فصل ثم يرجع من أفاض إلى مكة .
بعد طوافه وسعيه على ما سبق فيصلي ظهر يوم النحر بمنى لحديث ابن عمر مرفوعا [ أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى ] متفق عليه ويبيت بها أي منى ثلاث ليالي ان لم يتعجل وإلا فليلتين ويرمي الجمرات الثلاث بها أي منى أيام التشريق إن لم يتعجل كل جمرة منها بسبع حصيات واحدة بعد أخرى كما تقدم ولا يجزىء رمي غير سقاة ورعاة الا نهارا بعد الزوال حتى يوم يعود الى مكة فإن رمى ليلا أو قبل الزوال لم يجزئه لحديث جابر [ رأيت النبي A يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس ] وقد قال [ خذوا عني مناسككم ] و [ قال ابن عمر كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا ] وسن رميه قبل الصلاة أي صلاة الظهر لحديث ابن عباس مرفوعا [ كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما اذا فرغ من رميه صلى الظهر ] رواه ابن ماجة وأن يحافظ على الصلوات مع الإمام في مسجد الخيف فإن كان غير مرضي صلى برفقته يبدأ ب الجمرة الأولى وهي أبعدهن من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويرميها بسبع ثم يتقدم عنها قليلا بحيث لا يصيبه الحصى فيقف يدعو ويطيل رافعا يديه نصا ثم يأتي الجمرة الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها بسبع ويقف عندها فيدعو رافعا يديه ويطيل ثم يأتي جمرة العقبة ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ويرميها بسبع ولا يقف عندها لضيق المكان ويستقبل القبلة في رمي الجمرات الكل لخبر عائشة مرفوعا [ فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى والثانية ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها ] رواه أبو داود وقال ابن المنذر كان عمر وابن مسعود يقولان عند الرمي : اللهم أجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وترتيبها أي الجمرات كما ذكر شرط لأنه A رماها كذلك وقال [ خذوا عني مناسككم ] فلو نكس فبدأ بغيرالاولى لم يحتسب له إلا بها ويعيد الآخرتين مرتبتين كالعدد أي السبع حصيات فهو شرط لكل واحدة منها لأنه A رمى كلا منها بسبع كما مر فإن أخل الرامي بحصاة من الأولى لم يصح رمي إلثانية ولا الثالثة وإن أخل بحصاة من الثانية لم يصح رمي الثالثة لإخلاله بالترتيب فإن ترك حصاة فأكثر و جهل من أيها أي الجمرات تركت الحصاة بنى على اليقين فيجعلها من الأولى فيتمها ثم يرمي الآخرتين مرتبا لتبرأ ذمته بيقين وكذا إن جهل من الثانية أو الثالثة فيجعلها من الثانية وإن أخر رمي يوم ولو كان المؤخر رميه يوم النحر إلى غدة أو أكثر أجزأ أداء أو أخر رمي الكل إلى آخر أيام التشريق ورماها بعد الزوال أجزأ رميه أداء لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي فإذا أخره عن أول وقته إلى آخره أجزأه كتأخير وقوف بعرفة إلى آخر وقته ويجب ترتيبه أي الرمي بالنية كمجموعتين وفوائت الصلوات فإذا أخر الكل مثلا بدأ بجمرة العقبة فنوى رميها ليوم النحر ثم يأتي الأولى ثم الوسطى ثم العقبة ناويا عن أول يوم من أيام التشريق ثم يعود فيبدأ من الأولى حتى يأتي الأخيرة ناويا عن الثاني وهكذا عن الثالث و في تأخيره أي الرمي عنها أي أيام التشريق كلها دم لفوات وقت الرمي فيستقر الفداء لقول ابن عباس من ترك نسكا أو نسيه فإنه يهريق دما كترك مبيت ليلة غير الثالثة لمن تعجل بمنى فيجب به دم كما تقدم وكذا لو ترك المبيت لياليها كلها ولعل المراد لا يجب استيعاب الليلة بالمبيت بل كمزدلفة على ما سبق وفي ترك حصاة واحدة ما في إزالة شعرة طعام مسكين وفي ترك حصاتين مافي إزالة شعرتين مثلا : ذلك وهذا إنما يتصور في آخر جمرة من آخر يوم وإلا لم يصح رمي ما بعدها وفي أكثر من حصاتين دم ومن له عذر من نحو مرض وحبس جاز أن يستنيب من يرمي عنه والأولى أن يشهده إن قدر وإن أغمى على المستنيب لم تبطل النيابة فله الرمي عنه كما لو استنابه في الحج ثم أغمى عليه ولا مبيت بمنى على سقاة ورعاة لحديث ابن عمر [ أن العباس استأذن النبى A أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له ] متفق عليه ولحديث مالك [ رخص النبي A لرعاة الابل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما قال مالك ظننت أنه قال : في يوم منهما ثم يرمون يوم النفر ] رواه الترمذي وقال حسن صحيح والمريض ومن له مال يخاف عليه ونحوه كغيره أي من السقاة والرعاة فإن غربت الشمس وهم أي السقاة والرعاة بها أي بمنى لزم الرعاة فقط أي دون السقاة المبيت لفوات وقت الرمي بالغروب بخلاف السقي ويخطب الإمام أو نائبه ثاني أيام التشريق خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير و حكم توديعهم لحديث أبي داود عن رجلين من بكر قالا [ رأينا النبي A يخطب بين أواسط أيام التشريق ونحن عند راحلته ] ولحاجة الناس إلى أحكام المذكورات ولغير الإمام المقيم للمناسك التعجيل فيه أي ثاني أيام التشريق بعد الزوال والرمي وقبل الغروب لقوله تعالى { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } ولحديث رواه أبو داود و ابن ماجة [ أيام منى ثلاثة ] وذكر الآية وأهل مكة وغيرهم فيه سواء فإن غربت الشمس وهو أي مريد التعجيل بها أي منى لزمت المبيت والرمي من الغد بعد الزوال قال ابن لمنذر : ثبت أن عمر قال من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس ولأنه بعد ادراكه الليل لم يتعجل في يومين ويسقط رمي اليوم الثالث عن متعجل نصا لظاهر الآية والخبر وكذا مبيت الثالثة ويدفن متعجل حصاه أي اليوم الثالث زاد بعضهم : في المرمى وفي منسك ابن الزغوني : أو يرمي بهن كفعله في اللواتي قبلهن ولا يضر رجوعه إلى منى بعد لحصول الرخصة وظاهر كلامه : أن التحصيب ليس بسنة بأن يأتي من نفر إلى المحصب وهو الابطح ما بين الجبلين إلى المقبرة فيصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع يسيرا ثم يدخل مكة وكان ابن عباس وعائشة لا يريان ذلك سنة وكان ابن عمر يراه سنة [ قال ابن عمر كان النبي A وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح ] قال الترمذي : حسن غريب وقالت عائشة إنما نزله ليكبرن أسمح لخروجه إذا خرج متفق عليه فإذا أتى مكة متعجل أو غيره وأراد خروجا لبلده أوغيره لم يخرج من مكة حتى يودع البيت بالطواف للخبر فإن أراد المقام بمكة فلا وداع عليه سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده اذا فرغ من جميع أموره لحديث ابن عباس [ أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ] متفق عليه ويسمى طواف الوداع لأنه لتوديع البيت وطواف الصدر لأنه عند صدور الناس من مكة وسن بعده أي طواف الوداع تقبيل الحجر الأسود وركعتان كغيره فإن ودع ثم اشتغل بشيء غير شد رحل نصا ونحوه كقضاء حاجة في طريقه أو شراء زاد أوشىء لنفسه أو أقام بعده أعاده أي طواف الوداع لأنه إنما يكون عند خروجه ليكون آخر عهده بالبيت وعلم منه : أنه لا يضر اشتغاله بنحو شد رحله ومن أخر طواف الزيارة - ونصه : أو القدوم - فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع لأن المامور أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل ولأنهما عبادتان من جنس فأجزأت احداهما عن الأخرى كغسل الجنابة عن غسل الجمعة وعكسه وأن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن الزيارة لأنه لم ينوه وفي الحديث [ وإنما لكل امرىء ما نوى ] فإن خرج قبل الوداع رجع إليه وجوبا بلا احرام إن لم يبعد عن مكة لأنه لاتمام نسك مأمور به كما لو رجع لطواف الزيارة ويحرم بعمرة إن بعد عن مكة يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ثم يودع عند خروحه فإن شق رجوع من بعد ولم يبلغ المسافة فعليه دم أو بعد عنها مسافة قصر فأكثر فعليه دم بلا رجوع دفعا للحرج سواء تركه عمدا أو خطا لعذر أو غيره غير الحيض كسائر واجبات الحج فإن رجع للوداع من بعد مسافة القصر لم يسقط دمه لأنه استقرعليه بخلاف القريب سواء كان له عذر يسقط الرجوع أولا إذ لم يستقرعليه ولا وداع على حائض للخبر و لا على نفساء لأن حكمه حكم الحيض فيما يمنعه وغيره الا أن تطهر الحائض أو النفساء قبل مفارقة البنيان أي بنيان مكة فيلزمها العود لأنها في حكم المقيم بدليل أنها لا تستبيح الرخص قبل المفارقة فإن لم تعد لعذر أو غيره فعليها دم ثم بعد وداعه يقف في الملتزم وهو أربعة أذرع بين الركن الذي به الحجر الأسود والباب أي باب الكعبة ملصقا به أي الملتزم جميعه بأن يلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين لB [ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه قال طفت مع عبد الله فلما جاء دبر الكعبة قلت : ألا تتعوذ ؟ قال : نعوذ بالله من النار ثم مضى حتى أستلم الحجر فقام بين الركن والباب فوضع صدره وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطا وقال : هكذا رأيت النبي A يفعل ] رواه أبو داود ويقول على هذه الحالة اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقكك وسيرتني في بلادك حتى بلغتنى بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكى فان كنت رضيت عني فازدد عني رضا وألا فمن الآن بضم الميم وتشديد النون فعل أمر من : من يمن للدعاء ويجوز كسر الميم على أنها حرف جر لابتداء الغاية والآن الوقت قبل أن تنأى أي تبعد عن بيتك داري وهذا أوان انصرافي أي زمنه أن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فأصحبني بقطع الهمزة العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة أي المنع من المعاصي في ديني وأحسن بقطع الهمزة منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ويدعو بعد ذلك بما أحب ويصلي على النبي A ويأتي الحطيم أيضا نصا وهو تحت الميزاب فيدعو ثم يشرب من ماء زمزم قاله الشيخ تقي الدين ويستلم الحجر الأسود ويقبله ثبم يخرج قال أحمد : فإذا ولى لا يقف ولا يلتفت فإذا التفت رجع فودع أي استحبابا إذ لا دليل لإيجابه بل قال مجاهد : إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت ثم انظر إلى الكعبة ثم قل : اللهم لا تجعله آخر العهد وروى حنبل عن المهاجر قال : قلت لجابر بن عبد الله الرجل يطوف بالبيت ويصلي فاذا انصرف خرج ثم استقبل القبلة فقام ؟ فقال جابر : ما كنت أحسب يصنع هذا إلا اليهود والنصارى قال أبو عبد الله : أكره ذلك ولا يستحب له المشي قهقري بعد وداعه قال الشيخ تقي الدين : هذا بدعة مكروهة وتدعو حائض ونفساء من باب المسجد ندبا وسن دخول البيت أي الكعبة بلا خف وبلا سلاح نصا فيكبر في نواحيه ويصلي فيه ركعتين ويدعو والنظر إليه عبادة نصا قال ابن عمر [ دخل النبي A وبلال وأسامة بن زيد فقلت لبلال : هل صلى فيه الرسول A قال : نعم فقلت أين ؟ قال : بين العمودين تلقاء وجهه قال : ونسيت أن أسأله كم صلى ؟ ] متفق عليه وتقدم في استقبال القبلة الجمع بينه وبين قول أسامة لم يصل فيه وان لم يدخل البيت فلا بأس لحديث عائشة مرفوعا [ خرج من عندها وهو مسرور ثم رجع وهو كئيب فقال : ؟ ؟ إنى دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما أستدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي ] و يستحب له زيارة قبر النبي A وقبر صاحبيه رضي الله تعالى عنهما لحديث الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا من [ حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] وفي رواية [ من زار قبري وجبت له شفاعتي ] وعن أبي هريرة مرفوعا [ ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ] قال أحمد : وإذا حج الذي لم يحج قط يعني من غير طريق الشام لا يأخذ على طريق المدينة لأني أخاف أن يحدث به حدث فينبغي أن يقصد مكة من أقرب الطرق ولا يتشاغل بغيره وان كان تطوعا بدأ بالمدينة وإذا دخل المسجد الحرام قال ما ورد وتقدم وصلى تحية المسجد ثم يستقبل وسط القبر فيسلم عليه A مستقبلا له موليا ظهره القبلة فيقول : السلام عليك يا رسول الله كان ابن عمر لا يزيد على ذلك فان زاد فحسن ثم يتقدم قليلا فيسلم على أبي بكر ثم يتقدم قليلا فيسلم على عمر Bهما ثم يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره ويدعو لنفسه ووالديه وأخوانه والمسلمين بما أحب ويحرم الطواف بها أي الحجرة النبوية بل بغير البيت العتيق اتفاقا قاله الشيخ تقي الدين ويكره التمسح بالحجرة قال الشيخ تقي الدين : أتفقوا على أنه لا يقبله ولا يتمسح به فأنه من الشرك وكذا مس القبر أو حائطه ولصق صدره به وتقبيله و يكره رفع الصوت عندها أي الحجرة لأنه A في الحرمة والتوقير كحال الحياة وإذا توجه أي قصد المسافر الوجه الذي جاء منه بأن بلغ غاية قصده وأدار وجهه إلى بلده هلل فقال : لا إله إلا الله ثم قال : آيبون أي راجعون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وكانوا يغتنمون أدعية الحاج قبل أن يتلطخ بالذنوب قاله في المستوعب ويسن أن يأتي مسجد قباء ويصلي فيه