إن غصب شيئا فعجز عن رده .
قوله وإن غصب شيئا فعجز عن رده فأدى قيمته : فعليه أجرته إلى وقت أداء القيمة وفيما بعده وجهان .
إن كان قبل أداء القيمة : فحكمه حكم المسألة التي قبلها خلافا ومذهبا .
وإن كان بعد أدائها : فأطلق في وجوبها الوجهين وأطلقهما في التلخيص وقال : ذكر هما القاضي و ابن عقيل .
إحدهما : لا يلزمه وهو الصحيح من المذهب صححه في المستوعب والصنف والشارح وصاحب التصحيح وغيرهم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره .
والوجه الثاني : يلزمه لأن العين باقية على ملك المغصوب منه والمنفعة .
فعلى هذا الوجه : تلزمه الأجرة إلى رده مع بقائه .
فائدة : قال في الفروع وظاهر كلام الأصحاب : أنه يضمن رائحة المسك ونحوه خلافتا للانتصار لا نقدا لتجارة .
قلت : الذي ينبغي : أن يقطع بالضمان في ذهاب رائحة المسك ونحوه .
قوله وتصرفات الغاصب الحكيمة - كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع والنكاح ونحوها - باطلة في إحدى الروايتين .
وهي المذهب قال الشارح : هذا أظهر .
قال الزركشي : هذا المذهب وصححه في التصحيح وغيره .
قال في التلخيص في البيع : وإن كثرت تصرفاته في أعيان المغصوبات يحكم ببطلان الكل على الأصح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره .
قال في الفروع : اختاره الأكثر ذكره في كتاب البيع في الشرط السابع .
والأخرى : صحيحة .
وعنه : تصح موقوفة على الإجازة وأطلقهن في الفائق .
وقال وقيل : الصحة مقيدة بما لم يبطله المالك من العقود انتهى .
قلت : قال الشارح : وقد ذكر شيخنا في الكتاب المشروح رواية : أنها صحيحة .
وذكرها أبو الخطاب وقال : وهذا ينبغي أن يتقيد في العقود بما إذا لم يبطله المالك .
فأما إن اختار المالك إبطاله فإخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا .
وأما ما لم يدركه المالك فوجه التصحيح فيه : أن الغاصب تطور مدته وتكثر تصرفاته ففي القضاء بطلانها ضرر كثير وربما عاد الضرر على المالك انتهى .
وقال ما قاله الشارح والقاضي في خلافه و ابن عقيل نقله عنها في الفائدة العشرين والمصنف في المغني .
وأطلق الرواية مرة كما هنا ومرة قال : ينبغي أن يقيد كما قال الشارح وقال : هو أشبه من الإطلاق .
قال الحارثي : وهذه الرواية لم أر من تقدم المصنف و أبا الخطاب في إبرادها .
وقال أيضا : وأما الصحة على الإطلاق : فلا أعلم به أيضا سوى نصه على ملك المالك كربح المال المغصوب كما سنورده في مسألة الربح .
وقال - عن كلام المصنف في تقييد الرواية - : أما طول مدة الغصب وكثرة تصرفات الغاصب : فلا يطرد بل كثير من المغصوب لا يتصرف فيه بعقد أصلا وبتقدير الاطراد غالبا .
تنبيهان .
أحدهما : بنى المصنف في المغني وجماعة : تصرف الغاصب على تصرف الفضولي فأثبت فيه مافي تصرف الفضولي من رواية الانعقاد موقوفا على إجازة المالك .
قال الحارثي : ومن متأخري الأصحاب : من جعل هذه التصرفات من نفس تصرفا ت الفضولي قال : وليس بشيئ .
ثم قال : ولايصح إلحاقه بالفضولي وفرق بينهما بفروق جيدة .
الثاني : هذا الخلاف المحكي في أصل المسألة من حيث الجملة وقد قسمها المصنف قسمين : عبادات وعقود .
فأما العبادات : ففيها مسائل .
منها : الوضوء بماء مغصوب والوضوء من إناء مغصوب وغسل النجاسة بماء مغصوب وستر العورة بثوب مغصوب والصلاة في موضع مغصوب .
وقد تقدم ذلك مستوفى في كتاب الطهارة والآنية وإزالة النجاسة وستر العورة واجتناب النجاسة .
ومنها : الحج بمال مغصوب كما قال المصنف والصحيح من المذهب : أنه لا يصح نص عليه .
قال ابن أبي موسى : وهو الصحيح من المذهب وجزم به في الوجيز وغيره .
قال في الخلاصة : باطل على الأصح .
قال الشارح : باطل على الأظهر .
قال ابن منجا في شرحه : هذا المذهب .
قال في الرعاية الصغرى و الحاوي الصغير : يبطل في كل عبادة على الأصح .
وصححه الناظم وغيره وقدمه الحراثي وغيره وهو من مفردات المذهب وقيل عنه : يجزئه مع الكراهة قال ابن أبي موسى واختاره ابن عقيل .
قال الحارثي : وهو أقوى .
قلت : وهو الصواب فيجب بدل المال دينا في ذمته .
ومنها : الهدي المغصوب : لا يجزئ صرح به الأصحاب نص عليه في رواية على بن سعيد .
وعنه : الصحة موقوفة على إجازة المالك .
ونص الإمام أحمد C على الفرق بين أن يعلم أنها لعيره : فلا يجزئه وبين أن يظن أنها لنفسه : فيجزئه في رواية ابن القاسم و سندي .
وسوى كثير من الأصحاب بينهما في حكاية الخلاف .
قال في الفائدة العشرين : ولا يصح .
وإن كان الثمن مغصوبا : لم يجزه أيضا اشتراه بالعين أوفي الذمة قاله الحارثي .
قلت : لو قيل بالإجزاء إذا اشتراه في الذمة لكان متجها .
ومنها : لو أوقع الطواف والسعي أو الوقوف على الدابة المغصوبة ففي الصحة روايتا الصلاة في البقعة المغصوبة قاله الحارثي .
قلت : النفس تميل إلى صحة الوقوف على الدابة المغصوبة .
ومنها : أداء المال المغصوب في الزكاة غير مجزئ .
قال الحارثي ثم إن أبا الخطاب صحر بجريان الخلاف في الزكاة وتبعه المصنف في المغني وغيره من الأصحاب كما انتظمه عموم إيراد الكتاب .
فإن أريد به ماذكرنا من أداء المغصوب عن الغاصب - وهو الصحيح - فهذا شيء لايقبل نزاعا ألبتة لما فيه من النص فلا يتوهم خلافه .
وإن أريد به الأداء عن المالك بأن أخرج عنه من النصاب المغصوب - وهو بعيد جدا - فإن الواقع من التصرف للعبادة إنما يكون عن الغاصب نفسه فلا يقبل أيضا خلافا لا تفاقنا على اعتبار نية المالك إلا أن يمنع من الأداء فيقهره الإمام على الأخذ منه فيجزئ في الظاهر وليس هذا بواحد من الأمرين فلا يجزئ بوجه .
ومنها : كل صدقة - من كفارة أونذر أوغيرهما - كالزكاة سواء .
ومنها : عتق المغصوب لا ينفذ با خلاف في المذهب ونص عليه قاله الحارثي .
ومنها : الوقف لا ينفذ في المغصوب قولا واحدا .
كلن لوكان ثمن المعتق أو الموقوق مغصوبا فإن اشترى بعين المال : لم ينفذ وإن اشترى في الذمة ثم نقده فإن قيل بعدم إفادة المالك : لم ينفذ وإن قيل بالإفائة : نفذ العتق والوقف قاله الحارثي .
وأما العقود - من البيع والإجارة والنكاح ونحوها - : فالعقد باطل على الصحيح من المذهب ونص عليه الأصحاب .
وتقدم حكاية الرواية بالصحة والكلام عليها والرواية بالوقوف على الإجازة .
تنبيه : قوله وتصرفات الغاصب الحكمية .
أي التي يحكم عليها بصحة أو فساد احترازا من غير الحكمية كإتلاف المغصوب كأكله الطعام أوإشعاله الشمع ونحوهما وكلبسه الثوب ونحوه فإن هذا لا يقال فيه صحيح ولا فاسد والله أعلم .
قال ابن نصر الله في حواشي الوجيز : وقوله الحكمية احتراز من التصرفات الصورية .
فالحكمية : ماله حكم من صحة وفساد كالبيع والهبة والوقف ونحوه .
والصورية : كطحن الحب ونسج الغزل ونجر الخشب ونحوه انتهى وهو كالذي قبله