باب الهبة .
( وهي تمليك المال في الحياة بغير عوض ) .
917 - ـ مسألة : ( وتصح بالإيجاب والقبول والعطية المقترنة بما يدل عليها ) فالإيجاب أن يقول : وهبتك أو ملكتك أو أعطيتك أو لفظ يؤدي هذا المعنى والقبول أن يقول : قبلت أو رضيت أو نحو هذا إذا لم يوجد قبض فأما مع القبض فلا يفتقر إلى ذلك لأن الأخذ قام مقام القبول في الدلالة على الرضا به وقبوله وقد كان النبي A يهدي ويهدى إليه ويهب ويوهب له وكذلك الصحابة Bهم ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول ولو استعملوه لنقل إلينا نقلا شائعا ولم ينقل إلا المعاطاة والتفرق عن تراض فكان ذلك كافيا .
918 - ـ مسألة : ( وتلزم بالقبض ) وهو إجماع الصحابة لأن ذلك روي عن أبي بكر وعمر ولم يعرف لهم مخالف وروي عن عائشة أن أبا بكر نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما مرض قال : يا بنية إني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا وددت أنك كنت حزتيه أو قبضتيه وهو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله D ولأنها هبة غير مقبوضة فلا تلزمه كما لو مات قبل أن يقبض ولأن الهبة أحد نوعي التمليك فكان منها ما يلزم قبل القبض كالبيع .
919 - ـ مسألة : ( ولا يجوز الرجوع فيها ) لقول النبي A : [ العائد في هبته كالعائد في قيئه ] وفي لفظ [ كالكلب يعود في قيئه ليس لنا مثل السوء ] متفق عليه .
920 - ـ مسألة : ( إلا الأب لما روى ابن عمر وابن عباس [ أن النبي A قال : ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ] قال الترمذي : حديث حسن وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [ أن النبي A قال : لا يرجع واهب في هبته إلا الوالد من ولده ] .
921 - ـ مسألة : ( والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم ) لأن التسوية بينهم واجبة والتسوية الواجبة المأمور بها هي القسمة بينهم على قدر ميراثهم لأنه تعجيل لما يصل إليهم بعد الموت فأشبه الميراث فإن خص بعضهم فعليه بالتسوية بالرجوع وإعطاء الآخر حتى يستووا لما روى النعمان بن بشير قال : [ تصدق علي أبي بعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى يشهد عليها رسول الله A فجاء أبي إلى رسول الله A ليشهد على صدقتي فقال : أكل ولدك أعطيت مثله ؟ قال : لا قال : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة ] وفي لفظ لا تشهدني على جور وفي لفظ فاردده وفي لفظ فارجعه وفي لفظ فأشهد على هذا غيري وفي لفظ سو بينهم وهو يدل على التحريم لأنه سماه جورا وأمر برده والأمر يقتضي الوجوب ولأن تخصيص بعضهم يورث بينهم العداوة وقطيعة الرحم فيمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وخالتها .
922 - ـ مسألة : ( وإذا قال لرجل : أعمرتك داري أو هي لك عمرك أو حياتك فإنه يصح وتكون للمعمر ولورثته من بعده ) لقول النبي A : [ من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ] متفق عليه وفي لفظ [ قضى رسول الله A بالعمرى لمن وهبت له ] متفق عليه ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافيا لحكم الأملاك وعنه ترجع بعد موته إلى المعمر لما روى جابر قال : [ إنما العمرى التي أجازها رسول الله A أن يقول : هي لك ولعقبك فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها ] متفق عليه .
923 - ـ مسألة : ( وإن قال : سكناها لك عمري فله أخذها متى شاء ) لأن الموهوب هاهنا المنفعة وإنما تملك بمضي الزمان شيئا فشيئا فله أخذها لأنها لا تقع لازمة فهي بمنزلة العارية