باب أحكام الدين .
760 - ـ مسألة : ( من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله ) لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله ( ولم يحجر عليه من أجله ) لأنه لا يستحق المطالبة به قبل أجله فلم يملك منعه من ماله بسببه ( ولم يحل تفليسه ) لأن الأجل حق له فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه .
761 - ـ مسألة : ( ولا يحل بموته إذا وثقه الورثة ) اختاره الخرقي [ لقول النبي A : من ترك حقا فلورثته ] والتأجيل حق له فينتقل إلى ورثته ولأنه لا يحل به ما عليه كالجنون وعنه أنه يحل لأن بقائه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به وعلى الوارث ضرر أيضا لمنعه التصرف في التركة وعلى الغريم بتأخير حقه وربما تلفت التركة وعلى الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضا الغريم أو يوثق الحق بضمين مليء أو رهن يفي بالحق إن كان مؤجلا فإنهم قد لا يكونون أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها سقط الحق كما لو تلف الجاني .
762 - ـ مسألة : ( فإن أراد سفرا يحل الدين قبل موته أو الغزو تطوعا فلغريمه منه إلا أن يوثقه ) برهن أو كفيل مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله وفي السفر تأخيره عن محله وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان : إحداهما له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه منه كالأول والأخرى ليس له منعه لأنه لا يملك المطالبة به في الحال ولا يعلم أن السفر مانع منه عند الحلول فأشبه السفر القصير .
763 - ـ مسألة : ( وإن كان الدين حالا على معسر وجب إنظاره ) يعني ولا يحبس لأن مفهوم قوله A : لي الواجد يحل عقوبته أن غير الواجد لاتحل له عقوبته ولأن حبسه لايفيد صاحب الدين وإنما هو محض إضرار في حق المديون وقد قال عليه السلام : [ لاضرر ولاضرار ] الحديث في المسند ولأنه إذا كان خارج الحبس ربما حصل واكتسب وسعى في قضاء الدين وفي الحبس لا يقدر على ذلك .
764 - ـ مسألة : ( وإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله ) لأن الأصل الإعسار ( إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة ) لأن الأصل بقاء المال ويحبس حتى يقيم البينة على نفاد ماله وإعساره وعليه اليمين مع البينة أنه معسر لأنه صار بهذه البينة كمن لم يعرف له مال .
765 - ـ مسألة : ( وإن كان موسرا لزمه وفاؤه ) لقوله عليه السلام : [ مطل الغني ظلم ] ( فإن أبى حبس حتى يوفيه ) لقوله عليه السلام : [ لي الواجد يحل عقوبته وعرضه ] من المسند فإن أصر باع الحاكم ما له وقضى دينه لما روى ابن عمر Bه قال : ألا إن أسيفع جهينه رضي من دينه أن يقال سائق الحاج فادان مغرما فمن له مال فليحضر فإنا بايعو ماله وقاسموه بين غرمائه .
766 - ـ مسألة : ( وإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحجر عليه لزمه إجابتهم ) لما روى كعب بن مالك [ أن رسول الله A حجر على معاذ وباع ما له ] رواه الخلال ولأن فيه دفعا للضرر عن الغرماء فلزم ذلك لقضائهم .
767 - ـ مسألة : ( وإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله ) لا بيع ولا هبة ولا وقف ولا غير ذلك لأنه حجر ثبت بالحكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه .
768 - ـ مسألة : ( ولا يقبل إقراره على ماله ) لذلك .
769 - ـ مسألة : ( ويتولى الحاكم قضاء دينه ) فيبيع ما يمكن بيعه ويقسم بين غرمائه لأن ذلك هو المقصود بالحجر .
770 - ـ مسألة : ( ويبدأ بمن له أرش جناية من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته ) وما فضل رد إلى الغرماء ( ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه ) لأن ذلك مقدم على حق الغرماء لأن حقه تعين في الرهن وإن بقي منه بقية ردها إلى الغرماء ( وله أسوة الغرماء في بقية دينه ) يعني صاحب الرهن وإن لم يفي ثمن الرهن بدينه شارك الغرماء في بقية دينه .
771 - ـ مسألة : ( ثم من وجد متاعه الذي باعه فهو أحق به ) لما روى أبو هريرة Bه [ أن النبي A قال : من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به ] متفق عليه ولا يكون أحق به إلا بشروط : ( أحدها ) أن تكون بحالها سالمة لم يتلف بعضها فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء لقوله عليه السلام : [ من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به ] والذي تلف بعضه لم يوجد بعينه ( الشرط الثاني ) أن لا يزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة فإن وجد ذلك منع الرجوع لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول وعنه أن الزيادة لا تمنع الرجوع للخبر ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب فأما الزيادة المتصلة فلا تمنع الرجوع لأنه يملك الرجوع في العين دونها والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب لأنها نماء ملكه المنفصل فكانت له كما لو ردها بالعيب ولأن قول النبي A [ الخراج بالضمان ] يدل على أن النماء للمشتري لكون الضمان عليه وقال أبو بكر : هي للبائع نص عليه قياسا على المتصلة والفرق ظاهر لأن المتصلة تتبع في الفسوخ دون المنفصلة ( الشرط الثالث ) أن لا يكون البائع أخذ من ثمنها شيئا فإن قبض بعضه فلا رجوع له لما روى أبو هريرة [ عن النبي A أنه قال : أيما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئا فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء ] رواه أبو داود ولأن في الرجوع في الباقي تبعيض الصفقة على المفلس فلم يجز كما لو لم يقبض شيئا ( الشرط الرابع ) أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع لأنه تعلق بها حق غيره أشبه ما لو أعتقها ( الشرط الخامس ) أن يكون المفلس حيا فإن مات فله أسوة الغرماء لما روى أبو هريرة [ أن النبي A قال : فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء ] رواه أبو داود ولأن الملك انتقل عن المفلس فأشبه ما لو باعه .
772 - ـ مسألة : ( ويقسم الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم ) لأن ذلك هو المقصود ببيع متاعه وهو المقصود من الحجر عليه .
773 - ـ مسألة : ( وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة ) وذلك أنه إذا حجر عليه فإن كان ذا كسب يفي بنفقته ونفقة من تلزمه نقته فنفقته في كسبه لأنه لا حاجة إلى إخراج ماله وهو يكسب ما ينفقه ولأنه مستغن بكسبه عن ماله فلم يجز أحذ ماله كما لم يجز أخذ زيادة عن النفقة وإن كان كسبه دون نفقته كملناها من ماله وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله في مدة الحجر وإن طالت لأن ملكه قبل القسمة باق وقد قال عليه السلام : إبدأ بنفسك ثم بمن تعول ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب عليه نفقته وتكون دينا عليه وهي الزوجة فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء ولأن الحي آكد حرمة من الميت لأنه مضمون بالإتلاف وتقديم تجهيز الميت ومؤنته على دينه متفق عليه فنفقته أولى وتقدم أيضا نفقة من تلزمه نفقته من أقاربه مثل الوالدين والمولودين وغيرهم ممن تجب نفقتهم لأنهم يجرون مجرى نفسه لأنهم يعتقون عليه إذا ملكهم كما يعتقون إذا ملكهم كما يعتون إذا ملك نفسه فيما إذا كان مكاتبا فعتق وهم في ملكه وكانت نفقتهم كنفقته وتقدم نفقة زوجته لأن نفقتها آكد من نفقة الأقارب لأنها تجب على طريق المعاوضة وفيها معنى الإحياء كما في الأقارب .
774 - ـ مسألة : ( وإن وجب له حق بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا ) وذلك أن المفلس في الدعوى كغيره فإذا ادعى حقا له به شاهد عدل وحلف مع شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء وإن امتنع لم يجبر لأنه قد لا يعلم صدق الشاهد وقد يعلم كذبه ولا يملك الغرماء أن يحلفوا مع الشاهد لأنهم يثبتون ملكا لغيرهم لتتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كما لم يجز لزوجته أن تحلف لإثبات ملك لزوجها لتتعلق نفقتها به وفارق الورثة لأنهم يثبتون ملكا لأنفسهم إذا حلفوا بعد موت مورثهم