باب دخول مكة .
603 - ـ مسألة : ( يستحب أن يدخل من أعلاها ) لما روى ابن عمر أن رسول A دخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى وروت عائشة : [ أن النبي A لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها ] متفق عليه .
604 - ـ مسألة : ( ويدخل المسجد من باب بني شيبة لأن النبي A دخل منه ) وفي حديث جابر الذي رواه مسلم وغيره : [ أن النبي A دخل مكة عند ارتفاع الضحى فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد ] .
605 - ـ مسألة : ( فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا ) وروي رفع اليدين عند رؤية البيت عن ابن عمر وابن عباس وروى أبو بكر بن المنذر عن النبي A أنه قال : لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن : افتتاح الصلاة واستقبال البيت وعلى الصفا والمروة وعلى الموقفين والجمرتين ولأن الدعاء يستحب عند رؤية البيت فقد أمر برفع اليدين عند الدعاء ويستحب أن يدعو فيقول : [ اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا وزد من عظمته وشرفه ممن حجه واعتمره تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكريم وجهه وعز جلاله الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا والحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ] ذكر هذا الدعاء أبو بكر الأثرم وبعضه مروي عن سعيد بن المسيب وهو يليق بالمكان فذكرناه .
606 - ـ مسألة : ( ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا أو بطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا فيضطبع بردائه فيجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على الأيسر ) وتبقى كتفه اليمنى مكشوفة وهو مستحب في طواف القدوم لما روى أبو دود وابن ماجه عن يعلى بن أمية [ أن النبي A وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم وقذفوها على عواتقهم اليسرى ] .
607 - ـ مسألة : ( ويبدأ بالحجر الأسود فيستلمه ) وهو أن يمسحه بيده ( ويقبله ) قال أسلم : رأيت عمر بن الخطاب Bه قبل الحجر وقال : [ إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله A قبلك ما قبلتك ] متفق عليه وروى ابن ماجه عن ابن عمر قال : [ استقبل النبي A الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا فإذا هو بعمر بن الخطاب Bه فقال : يا عمر ها هنا تسكب العبرات ] ( ويقول ) عند استلامه : [ بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد A ] .
608 - ـ مسألة : ( ثم يأخذ عن يمينه ويجعل البيت عن يساره فيطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر ويمشي في الأربعة الأخر ) ومعنى الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطى من غير وثب وهو سنة في الأشواط الثلاثة الأول من طواف القدوم لا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم وقد ثبت [ أن النبي A رمل ثلاثا ومشى أربعا ] رواه جابر وابن عباس وابن عمر في أحاديث متفق عليها وحديث جابر من أفراد مسلم وسبب الرمل فيما روى ابن عباس : [ أن النبي A قدم مكة فقال المشركون : إن محمدا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه قال : فأمرهم رسول الله A أن يرملوا ثلاثا ويمشوا أربعا ] رواه مسلم فإن قيل : أليس الحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها ؟ فالجواب أن النبي A قد رمل واضطبع في حجة الوداع بعد الفتح ثبت أنها سنة ثانية وقال ابن عباس : [ رمل النبي A في عمره كلها وفي حجه وأبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء من بعدهم ] رواه أحمد في المسند وروى ابن عمر : [ أن رسول الله A رمل من الحجر ] متفق عليه وفي مسلم عن جابر قال : [ رأيت رسول الله A رمل من الحجر حتى انتهى إليه ] .
مسألة : ولا يسن الرمل والاضطباع في غير الأشواط الثلاثة من طواف القدوم أو طواف العمرة إن كان معتمرا لأن النبي A وأصحابه إنما رملوا واضطبعوا في طواف القدوم .
609 - ـ مسألة : ( وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل ) لأن ابن عمر قال : [ كان رسول الله A لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في طوافه ] قال نافع : وكان ابن عمر يفعله وروى البخاري عن ابن عباس قال : [ طاف النبي A على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر ] ( ويقول بين الركنين : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) لما روى الإمام أحمد في المناسك عن عبد الله بن السائب أنه سمع النبي A يقول بين ركن بني جمح والركن الأسود : [ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ] وروى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي A قال : [ وكل به - يعني الركن اليماني - سبعون ألف ملك فمن قال : اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين ] ( ويدعو في سائره بما أحب ) لما روي عن ابن عباس أنه كان إذا جاء إلى الركن اليماني قال : اللهم قنعني بما رزقتني واخلف لي على كل غائبة بخير ويستحب أن يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وكان عبد الرحمن بن عوف يقول : رب قني شح نفسي وعن عروة قال : كان أصحاب النبي A يقولون : لا إله إلا أنت وأنت تحيينا بعد ما أمتنا ويستحب الإكثار من ذلك قالت عائشة : [ قال رسول الله A : إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى ] قال الترمذي : حديث حسن صحيح ورواه الأثرم وابن المنذر .
610 - ـ مسألة : ( ثم يصلي ركعتين خلف المقام ) روى جابر في صفة حج النبي A قال : [ حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } 'سورة البقرة : الآية 125 ' فجعل المقام بينه وبين البيت قال محمد بن علي : ولا أعلمه إلا ذكره عن النبي A كان يقرأ في الركعتين { قل هو الله أحد } 'سورة الإخلاص : الآية 1 ' و { قل يا أيها الكافرون } 'سورة الكافرون : الآية 1 ' ومهما قرأ فيهما بعد الفاتحة جاز وحيث ركعهما جاز فإن ابن عمر ركعهما بذي طوى ] رواه أحمد والبخاري ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة فإن النبي A صلاهما والطواف بين يديه ليس بينهما شئ وكذلك سائر الصلوات فى مكة لا يعتبر لها سترة .
611 - ـ مسألة : ( ويعود إلى الركن فيستلمه ) يعني إذا فرغ من ركعتي الطواف وأراد أن يخرج إلى الصفا فقال أحمد يعود فيستلم الحجر وكان ابن عمر يفعل ذلك ولا نعلم فيه خلافا والأصل فيه فعل النبي A له ذكره جابر في صفة حج النبي A .
612 - ـ مسألة : ( ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه ويكبر الله D ويهلله ويدعوه ) : قال جابر : [ ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا قرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ' سورة البقرة : الآية 158 ' أبدأ بما بدأ الله به ] فبدأ بالصفا فرقي عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات وكان ابن عمر يقوم على الصفا فيكبر سبع مرات ثلاثا ثلاثا ثم يقول : لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وأنبيائك ورسلك وعبادك الصالحين اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطيئتي يوم الدين اللهم إنك قلت وقولك الحق { ادعوني أستجب لكم } ' سورة غافر : الآية 60 ' وإنك لا تخلف الميعاد اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى توفاني عليه اللهم لا تقدمني للعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن ويدعو دعاء كثيرا حتى أنه ليملنا وإنا لشباب وكان إذا أتى المسعى سعى وكبر .
613 - ـ مسألة : ( ثم ينزل فيمشي إلى العلم ثم يسعى إلى العلم الآخر ثم يمشي حتى يأتي المروة فيفعل كفعله على الصفا ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل سبعة أشواط يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع سعية يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة ) هذا وصف السعي قال جابر في صفة حج النبي A : ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا فلما كان آخر طوافه على المروة قال : [ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة ] وهذا يقتضي أنه آخر طوافه .
مسألة : ( يفتتح بالصفا ويختتم بالمروة لأن النبي A بدأ بالصفا وقال : أبدأ بما بدأ الله به فيقتضي الترتيب لأنه أمر فيقتضي الوجوب فلو بدأ بالمروة لم يعتد بذلك الشوط فإذا صار إلى الصفا اعتد بما يأتي به بعد ذلك قال ابن عباس : قال الله سبحانه وتعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله } 'سورة البقرة : الآية 158 ' فيبدأ بالصفا وقال : اتبعوا القرآن فما بدأ به القرآن فابدأوا به .
614 - ـ مسألة : ( ثم يقصر من شعره إن كان معتمرا وقد حل إلا المتمتع إن كان معه هدي والقارن والمفرد فإنه لا يحل ) والمتمتع هو الذي يحرم من الميقات بعمرة مفردة فإذا فرغ من أفعالها فقد حل وأفعالها الطواف والسعي والتقصير أو الحلق على إحدى الروايتين إذا لم يكن معه هدي لما روى ابن عمر قال : [ تمتع الناس مع رسول الله A بالعمرة إلى الحج فلما قدم رسول الله A في مكة قال للناس : من كان معه هدي فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر وليحلل ] متفق عليه والأحاديث فيه كثيرة ولا نعلم فيه خلافا .
مسألة : وأما من كان معه هدي فإنه يقيم على إحرامه ويدخل إحرام الحج على العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا وفي حديث عائشة : [ فقال النبي A : من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ] .
مسألة : وأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل سواء كان معه هدي أو لم يكن معه هدي فإن كان معه هدي نحره عند المروة وحيث نحره من مكة جاز لأن النبي A اعتمر ثلاث عمر سوى العمرة التي بحجته فكان يحل وقال النبي A : [ كل فجاج مكة طريق ومنحر ] رواه أبو داود وابن ماجه .
( فصل ) وأما القارن والمفرد فيستحب له إذا طاف وسعى أن يفسخ نية الحج وينوي عمرة مفردة فيقصر ويحل من إحرامه ليصير متمتعا وإنما يجوز ذلك بشرطين : أحدهما أن لا يكون معه هدي فإن كان معه هدي بقي محرما حتى يفرغ من أفعال الحج لأن النبي A : [ أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق معه هديا ] رواه جابر وابن عباس وعائشة متفق عليهن واحتج أحمد C بقوله عليه السلام : [ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ] والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحاح تقرب من التواتر والقطع وقال مسلمة بن شبيب لأحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله كل شئ منك حسن إلا خلة واحدة فقال : وما هي ؟ قال : تقول بفسخ الحج فقال أحمد : قد كنت أرى أن لك قولا عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا جيادا كلها في فسخ الحج أتركها لقولك ؟ ولأنه قلب الحج إلى العمرة فجاز دليله من لحقه الفوات .
الشرط الثاني أن لا يكون قد وقف بعرفة لأن النبي A إنما أمرهم بالفسخ قبل الوقوف ولأنه أتى بركن الحج المختص به فلم يجز له الفسخ كما لو أتى بطواف الزيارة .
615 - ـ مسألة : ( والمرأة كالرجل إلا أنها لا ترمل في طواف ولا سعي ) قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضطباع لأن الأصل في الرمل والاضطباع أمر الجلد ولا يقصد ذلك في النساء ولأن النساء يقصد فيهن الستر وفي الرمل والاضطباع تعرض للانكشاف