كتاب الحج .
547 - ـ مسألة : ( يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر إذا استطاع إليه سبيلا ) فيجب بخمسة شروط : الإسلام والحرية والبلوغ والعقل والاستطاعة لا نعلم في هذا كله خلافا فأما الكافر فإنه غير مخاطب بفروع الدين وأما العبد فلا يجب عليه لأنها عبادة تطول مدتها وتتعلق بقطع مسافة فتضيع حقوق السيد المتعلقة به فلم يجب عليه كالجهاد وأما الصبي والمجنون فغير مكلفين بدليل قوله A : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل ] رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي قال : حديث حسن وغير المستطيع لا يجب عليه لقوله سبحانه وتعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } 'سورة البقرة : الآية 286 ' وقال سبحانه وتعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ' سورة آل عمران : الآيه 97 ' فخص المستطيع بالوجوب فيدل على نفيه عن غيره .
مسألة : ( فصل ) : وهذه الشروط تنقسم ثلاثة أقسام : قسم منها ما هو شرط للوجوب والصحة وهو الإسلام والعقل فلا يصح الحج من كافر ولا مجنون ومنها ما هو شرط للوجوب والإجزاء وهو البلوغ والحرية وليس ذلك بشرط للصحة ولو حج الصبي والعبد صح حجهما ولم يجزهما عن حجة الإسلام ومنها ما هو شرط للوجوب فقط وهو الاستطاعة فلو تجشم غير المستطيع المشقة وسار بغير زاد ولا راحلة كان حجة صحيحا مجزيا .
548 - ـ مسألة : ( والاستطاعة أن يجد زادا وراحلة بآلتهما مما يصلح لمثله فاضلا عما يحتاج إليه لقضاء دينه ومؤنة نفسه وعياله على الدوام ) لما روى [ أن النبي A فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن وروى الإمام أحمد لما نزلت { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } 'سورة آل عمران : الآية 97 ' قال رجل : يا رسول الله ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد وتختص الراحلة بالبعيد الذي بينه وبين البيت مسافة القصر فأما القريب الذي يمكنه المشي إليها وبينه وبينها مسافة دون القصر فيلزمه السعي إليها كالسعي إلى الجمعة .
مسألة : والزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة في ذهابه ورجوعه ويعتبر قدرته على الآلات التي يحتاج إليها من أوعية الماء والدقيق وما أشبههما مما لا يستغني عنه فهو كعلف البهائم .
مسألة : وأما الراحلة فيشترط أن يجد راحلة تصلح لمثله إما بشراء أو كراء ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله وإن كان ممن لا يخدم نفسه اعتبر القدرة على خادم يخدمه لأن هذا كله من سبيله .
مسألة : ويعتبر أن يكون ذلك فاضلا عن ما يحتاج إليه لنفقة أهله والذين تلزمه نفقتهم في مضيه ورجوعه لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين وهم أحوج وحقهم آكد وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي A أنه قال : [ كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ] رواه أبو داود .
مسألة : ويعتبر أن يكون ذلك فاضلا عما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن وخادم وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته من تجارة أو صناعة أو أجرة عقار على الدوام لأن ذلك من حقوق الآدميين وهو مقدم على حق الله سبحانه .
549ـ - مسألة : ( ويعتبر للمرأة وجود محرمها وهو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح ) لأن النبي A قال : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم ] متفق عليه .
550 - ـ مسألة : ( ومن فرط حتى مات أخرج عنه من ماله حجة وعمرة ) لقوله سبحانه : { وأتموا الحج والعمرة لله } ' سورة البقرة : الآية 196 ' أمر والأمر يدل على الوجوب وإذا ثبت هذا فمتى لم يحج حتى توفي وجب أن يخرج من ماله ما يحج به عنه ويعتمر لما روى ابن عباس [ أن امرأة سألت النبي A عن أبيها مات ولم يحج قال : حجي عن أبيك ] ولأنه حق استقر عليه تدخله النيابة فلم يسقط بالموت كالدين والعمرة كالحج في القضاء فإنها واجبة [ وقد أمر النبي A أبا رزين فقال : حج عن أبيك واعتمر ] ويكون ما يحج به ويعتمر من جميع ماله لأنه دين مستقر عليه فيكون من رأس ماله كدين الآدمي .
مسألة : ويستناب من يحج عنه من حيث وجبت عليه الحجة : إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه لا الموضع الذي مات فيه ولأن الحج واجب على الميت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه لأن القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام .
مسألة : فإن خرج حاجا فمات في بعض الطريق أخرج من حيث مات لأنه أسقط بعض ما وجب عليه بفعله فلم يجب ثانيا .
551 - ـ مسألة : ( لا يصح الحج من كافر ولا مجنون ) لأنهما ليسا من أهل الوجوب ( ويصح من الصبي ) لما روى مسلم عن ابن عباس قال : [ رفعت امرأة صبيا فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر ] ( ويصح من العبد ) أيضا لأنه من أهل العبادات ( ولا يجزئ عنهما ) كما لو صلى الصبي ثم بلغ في أثناء الوقت وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم إلا من شذ عنهم ممن لا يعد خلافه خلافا على أن الصبي إذا حج في حال صغره والعبد إذا حج في حال رقه ثم بلغ الصبي وأعتق العبد أن عليهما حجة الإسلام إذا وجدا إليه سبيلا كذلك قال ابن عباس والحسن .
552 - ـ مسألة : ( ويصح من غير المستطيع ) كما تصح الجمعة من المريض إذا حضرها ( ويصح من المرأة بغير محرم ) لأنها من أهل الوجوب .
553 - ـ مسألة : ( ومن حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه أو عن نذره أو عن نفله وفعله قبل حجة الإسلام وقع حجه عن فرض نفسه دون غيره ) لما روى ابن عباس [ أن رسول الله A سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة فقال : هل حججت قط ؟ قال : لا قال : فاجعل هذه عن نفسك ثم حج عن شبرمه ] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وهذا لفظه ولأنه حج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه فلم يقع عن الغير كما لو كان صبيا .
مسألة : فإن أحرم تطوعا أو عن حجة منذورة وعليه حجة الإسلام وقع عن حجة الإسلام لأنه أحرم بالحج وعليه فرضه فوجب أن يقع عن فرضه كالمطلق