كتاب الجنائز .
مسألة : ( وإذا تيقن موته غمضت عيناه ) لما روى شداد بن أوس قال : [ قال رسول الله A : إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح ] من المسند ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره .
363 - ـ مسألة : ( وشد لحياه : بعصابة عريضة تجمع لحييه ثم يشدها إلى رأسه لئلا يفتح فاه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل .
364 - ـ مسألة : ( ويجعل على بطنه مرآة أو غيرها ) لئلا ينتفخ بطنه .
365 - ـ مسألة : ( فإذا أخذ في غسله ستر عورته ) بثوب [ لأن النبي A سجى ببرد حبرة ] : متفق عليه .
366 - ـ مسألة : ( ثم يعصر بطنه عصرا رفيقا ) ليخرج ما في جوفه من فضلة حتى لا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسد الكفن .
367 - ـ مسألة : ( ثم يلف على يده خرقة ثم ينجيه بها ) ولا يحل مس عورته لأن رؤيتها محرم فمسها أولى .
368 - ـ مسألة : ( ثم يوضئه ) وضوءه للصلاة لما روت أم عطية أنها قالت : [ لما غسلنا ابنة رسول الله A قال : ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ] متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت .
369 - ـ مسألة : ( ثم يغسل مقدم رأسه ولحيته بماء وسدر ) لتذهب عنه الأوساخ والأدران .
370 - ـ مسألة : ( ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ) لقوله عليه السلام : ابدأن بميامنها ( ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة يمر في كل مرة يده ) على بطنه [ لقول النبي A للنساء اللاتي غسلن ابنته : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك ] متفق عليه .
371 - ـ مسألة : ( وإن خرج منه شئ غسله وسده بقطن فإن لم يستمسك فبطين حر ويعيد وضوءه ) لأنه انتقض ( فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع ) للخبر .
372 - ـ مسألة : ( ثم ينشفه بثوب ) وذلك مستحب لئلا تبل أكفانه وفي حديث ابن عباس في غسل النبي A قال : [ فجففوه بثوب ] ذكره القاضي .
373 - ـ مسألة : ( ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده ) لأن المغابن مواضع الأوساخ وأماكن السجود تطيب لشرفها ( وإن طيبه كله كان حسنا ) لقوله عليه السلام : [ واجعلن في الأخيرة كافورا أو شيئا من كافور ] .
374 - ـ مسألة : ( ويجمر أكفانه ) يعني يبخرها كما يفعل الحي ( وإن كان شاربه طويلا أو أظفاره أخذ منه ) لأن ذلك سنة في حياته ويترك في أكفانه لأنه من أجزائه وكذلك كل ما يسقط منه ( ولا يسرح شعره لأن عائشة Bها قالت : علام تنضون ميتكم ؟ يعني لا تسرحوا شعره بالمشط ولأنه يقطع الشعر وينتفه .
375 - ـ مسألة : ( والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها ) لما روت أم عطية قالت : [ ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها تعني ابنة رسول الله A ] .
376 - ـ مسألة : ( ثم يكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ) لقول عائشة Bها : [ كفن رسول الله A في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة ] متفق عليه ولأن أكمل أحوال الحي حالة الإحرام وهو لا يلبس فيها قميصا ولا عمامة فكذلك حال موته .
377 - ـ مسألة : ( يدرج فيها إدراجا ) فيؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فتبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقها ثم يحمل فيوضع عليها مستلقيا ليكون أمكن لإدراجه فيها ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق طرف الآخر وإنما استحب له ذلك لئلا يسقط عنه الطرف الأيمن عند وضعه في القبر ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخالف انتشارها فيعقدها فإذا وضع في القبر حلها .
378 - ـ مسألة : ( وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة فلا بأس ) والأول أفضل قد روى البخاري [ أن النبي A ألبس عبد الله بن أبي قميصه لما مات ] فيؤزر بالمئزر ويلبس القميص ثم يلف باللفافة بعد ذلك قال أحمد Bه : أحب إلي أن يكون مثل قميص الحي له كمان وتحريستان وإزار .
379 - ـ مسألة : ( تكفن المرأة في خمسة أثواب : درع وإزار ومقنعة ولفافتين ) لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت : [ كنت في غسل أم كلثوم ابنة رسول الله A عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله A الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في ثوب آخر ] ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في السترة لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها وتلبس المخيط في إحرامها فلبسته في مماتها .
380 - ـ مسألة : ( وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك ) لأن أبا بكر Bه أوصى أن تغسله أمرأته أسماء بنت عميس فقدمت لذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه ولأن الصحابة أجمعوا على أن الوصي في الصلاة مقدم على غيره فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر وأوصى عمر أن يصلي عليه صهيب وابنه حاضر وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه الزبير وأوصى أبو بكر أن يصلي عليه أبو برزة وأوصت عائشة Bها أن يصلي عليها أبو هريرة ولم يعرف لهم مخالف مع كثرته وشهرته فكان إجماعا ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والشفاعة إلى الله فالظاهر أن الميت يختار لذلك من هو أظهر صلاحا في نفسه وأقرب إلى الله وسيلة ليشفع له .
381 - ـ مسألة : ( ثم الأب ) لمكان شفقته ( ثم جده ) كذلك ثم ابنه وإن نزل كذلك ( ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ) ثم الرجل من ذوي أرحامه ثم الأجانب .
382 - ـ مسألة : ( وأولى الناس بغسل المرأة ) الأقرب فالأقرب من نسائها ( أمها ثم جدتها ) ثم ابنتها ( ثم الأقرب فالأقرب ) ثم الأجنبيات كالرجل .
383 - ـ مسألة : ( إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده ) لقوله A : [ لا يؤمن الرجل في سلطانه ] وروى الإمام أحمد بإسناده أن عمارا مولى بني هاشم قال : شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة قال : وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب رسول الله A منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلاة وكان النبي A يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم .
384 - ـ مسألة : ( والصلاة عليه يكبر ويقرأ الفاتحة ) [ لأن النبي A كبر على النجاشي أربعا ] متفق عليه ويقرأ الحمد في الأولى لقوله A : [ لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال : لتعلموا أنها من السنة أو قال من تمام السنة ] رواه البخاري .
385 - ـ مسألة : ( ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي A ) لما روى ابن سهل [ عن رجل من أصحاب رسول الله A أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكببرة ثم يصلى على النبي A ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شئ منهن ثم يسلم سرا في نفسه ] رواه الشافعي في مسنده .
386 - ـ مسألة : ( ثم يكبر ويدعو ) للميت في الثالثة لقوله A [ إذا صليتم على الميت أخلصوا له الدعا ] رواه أبو داود ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به ويدعو بما روى أبو إبراهيم الأشهلي [ عن أبيه قال : كان رسول الله A إذا صلى على الجنازة قال : للهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا ] حديث صحيح [ وعن أبي هريرة Bه عن النبي A بنحوه وزاد فيه اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ] رواه أبو داود وعن عوف بن مالك قال : [ صلى رسول الله A على جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت ] رواه مسلم .
387 - ـ مسألة : ( ثم يكبر ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه لقوله A : [ تحليلها التسليم ] .
388 - ـ مسألة : ( ويرفع يديه مع كل تكبيرة ) لأن عمر Bه كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن لها الرفع كتكبيرة الإحرام .
389 - ـ مسألة : ( والواجب من ذلك : التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي A وأدنى دعاء للميت والسلام ) وقد سبق دليل ذلك .
390 - ـ مسألة : ( ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر ) لما روي [ عن ابن عباس أنه مر مع النبي A على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه ] متفق عليه ولا يصلي على القبر بعد شهر إلا بقليل لأن أكثر ما نقل [ عن النبي A أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعد ما دفنت بشهر ] رواه الترمذي ولأنه لم يعلم بقاؤه أكثر من شهر فيقيد به .
391 - ـ مسألة : ( وإن كان الميت غائبا عن البلد صلى عليه بالنية ) لما روى أبو هريرة : [ أن النبي A نعى النجاشي C في اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر أربعا ] متفق عليه .
392 - ـ مسألة : ( ومن تعذر غسله لعدم الماء أو للخوف عليه من التقطع كالمجدور أو المحترق أو لكون المرأة بين الرجال أو الرجل بين النساء فإنه ييمم ) لأنها طهارة على البدن فيدخلها التيمم عند العجز من استعمال الماء كالجنابة .
393 - ـ مسألة : ( إلا أن لكل واحد من الزوجين غسل صاحبه ) لأن أبا بكر Bه أوصى أن تغسله زوجته أسماء فقامت بذلك وقالت عائشة [ لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله A إلا نساؤه ] رواه ابن ماجه [ وقال النبي A لعائشة : لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك ] رواه ابن ماجه وقد غسل علي فاطمة Bهما ولم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنه أحد الزوجين فأشبه الآخر ( وكذلك للسيد مع أم ولده ) لأنها محل استمتاعه فأشبهت الزوجة .
394 - ـ مسألة : ( والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل ولم يصل عليه ) لما روى جابر : [ أن النبي A أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم ] رواه البخاري ( وينحى عنه الحديد والجلود ثم يزمل في ثيابه ) لما روى ابن عباس Bه : [ أن النبي A أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم ] رواه أبو داود .
395 - ـ مسألة : ( وإن كفن في غيرها فلا بأس ) [ لأن صفية أرسلت إلى النبي A ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه رسول الله A في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر ] قال يعقوب بن شيبة : هو صالح الإسناد .
396 - ـ مسألة : ( وعنه يصلى على الميت وإن قتل في المعركة ما روى عقبة بن عامر : [ أن النبي A خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف ] متفق عليه .
397 - ـ مسألة : ( والمحرم يغسل بماء وسدر ولا يلبس مخيطا ولا يغطى رأسه ولا يقرب طيبا ) لما روى ابن عباس قال : [ بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله A : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] متفق عليه .
398 - ـ مسألة : ( ولا يقطع شعره ولا ظفره ) كحال حياته .
399 - ـ مسألة : ( ويستحب دفن الميت في لحد وينصب عليه اللبن نصبا ) لقول سعد بن مالك Bه : [ ألحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله A ] .
400 - ـ مسألة : ( ولا يدخل القبر آجرا ولا خشبا ولا شيئا مسته النار ) لما روي عن إبراهيم قال : كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر وكره ما مسته النار للتفاؤل بالنار .
401 - ـ مسألة : ( ويستحب تعزية أهل الميت ) لما روى ابن مسعود [ أن النبي A قال : من عزى مصابا فله مثل أجره ] حديث غريب .
402 - ـ مسألة : ( والبكاء عليه غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة ) لما روي [ أن النبي A دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى معه أصحابه فقال : ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه ] متفق عليه .
403 - ـ مسألة : ( ولا يجوز الندب ولا النياحة لقوله A في حديث ابن مسعود : [ ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ] متفق عليه وقال أحمد في قوله سبحانه : { ولا يعصينك في معروف } 'سورة الممتحنة : الآية 12 ' : هو النوح فسماه معصية .
404 - ـ مسألة : ( ولا بأس بزيارة القبور للرجال ) [ لأن النبي A قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت ] رواه مسلم .
405 - ـ مسألة : ( ويقول إذا مر بها أو زارها ) ما رواه مسلم قال : [ كان رسول الله A يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله العظيم لنا ولكم العافية ] .
406 - ـ مسألة : ( وأي قربة فعلها وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك ) قال تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } 'سورة الحشر : الآية 10 ' وروى أبو داود [ أن رجلا قال لرسول الله A : إن أمي توفيت أفينفعها إن قضيت عنها ؟ قال : نعم ] وقال عليه السلام للمرأة التي قالت : [ يا رسول الله إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته ؟ قالت : نعم قال : فدين الله أحق بالقضاء ] وأما قراءة القرآن وإهداء ثوابه للميت فالإجماع واقع على فعله من غير نكير وقد صح الحديث [ إن الميت ليعذب ببكاء أهله ] والله سبحانه أكرم من أن يوصل إليه العقوبة ويحجب عنه المثوبة