باب من ترد شهادته .
( لا تقبل شهادة صبي ) لقوله سبحانه : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } 'سورة البقرة : الآية 282' والصبيان ليسوا من رجالنا ولأنه غير مكلف أشبه المجنون وعنه تقبل شهادة ابن عشر إذا كان عاقلا في حال أهل العدالة لأنه يؤمر بالصلاة ويضرب عليها أشبه البالغ وعنه شهادة الصبيان في الجراح خاصة قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها لأنه قول ابن الزبير والمذهب الأول الثاني ( العقل ) فلا تقبل شهادة المجنون والمعتوه ولا السكران ولا المبرسم لأن قولهم على أنفسهم لا يقبل فعلى غيرهم أولى الثالث الكلام ( فلا تقبل شهادة الأخرس ) بالإشارة لأنها محتملة فلم تقبل كإشارة الناطق وإنما تقبل في أحكامه المختصة به للضرورة وهي ها هنا معدومة ويحتمل أن تقبل فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته لأن إشارته بمنزلة نطقه كما في سائر أحكامه الرابع الإسلام ( فلا تقبل شهادة كافر ) بحال لقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } 'سورة الطلاق : الآية 2 ' وقال : { ممن ترضون من الشهداء } 'سورة البقرة : الآية 282' والكافر ليس بعدل ولا مرضي ولا هو منا إلا شهادة أهل الكتاب فى الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم لقوله سبحانه : { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } ' سورة المائدة : الآية 106 ' الآيات وهذا نص قد قضى به رسول الله A وأصحابه قال أبو عبيد : قضى به ابن مسعود في زمن عثمان Bه الخامس أن يكون من أهل العدالة ( فلا تقبل شهادة الفاسق ) لقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } 'سورة الطلاق : الآية 2' ويعتبر في العدالة شيئان : أحدهما الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم بحيث لا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة ولأن الفاسق لا يؤمن منه شهادة الزور لأن الله نص على الفاسق فقسنا عليه مرتكب الكبائر وهي كل ما فيه حد أو وعيد واعتبرنا في مرتكب الصغائر الأغلب فإذا كان الأغلب منه فعل الطاعات لم ترد شهادته وإن كان الأغلب فعل الصغائر بحيث يصر عليها ردت شهادته لأن الحكم للأغلب بدليل قوله تعالى : { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه } 'سورة الأعراف : الآية 8 و 9 ' الآية .
1784 - ـ مسألة : ( ولا تقبل شهادة مجهول الحال ) لأن العدالة شرط لقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } ' سورة الطلاق : الآية 2 ' وقال : { ممن ترضون من الشهداء } ' سورة البقرة : الآية 282 ' وهذا غير مرضي وهو غير معلوم العدالة فلا تقبل شهادته كالفاسق .
1785 - ـ مسألة : ( ولا تقبل شهادة من يجر إلى نفسه نفعا ) بشهادته كشهادة السيد لمكاتبه والوارث لموروثه فإن المكاتب عبد لقوله E : [ المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] فكأنه يشهد لنفسه لأن مال عبده له .
1786 - ـ مسألة : ( ولا تقبل شهادة من يدفع عن نفسه ضررا ) كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ لأنهم يدفعون عن أنفسهم الدية فلا تقبل للتهمة في ذلك .
1787 - ـ مسألة : ( ولا تقبل شهادة والد وإن علا لولده ولا ولد لوالده ) وإن سفل فالولادة مانعة من الشهادة من العمودين سواء في ذلك الآباء والأمهات وآباؤهما وأمهاتهما وعنه تقبل شهادة الابن لأبيه ولا تقبل شهادة الأب له لأن مال الابن لأبيه أو في حكم ماله له أن يتملكه فشهادته له شهادة لنفسه أو يجر بها لنفسه نفعا قال عليه السلام : [ أنت ومالك لأبيك ] ولا يوجد هذا في شهادة الابن لأبيه وعنه رواية ثالثة تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه فيما لا تهمة فيه كالنكاح والطلاق والقصاص والمال إذا كان مستغنيا عنه لأن كل واحد منهما لا ينتفع بذلك فلا تهمة في حقه وعن عمر تقبل شهادة بعضهم لبعض لأن الله تعالى قال : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } 'سورة الطلاق : الآية 2' ودليل الأولى ما روى الزهري عن عائشة عن النبي A أنه قال : [ لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر ولا ظنين في قرابة ولا ولاء ] والظنين المتهم والأب متهم لولده لأن بينهما بضعة فكأنه يشهد لنفسه وقال عليه السلام : [ فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ] ولأنه متهم في الشهادة لولده كتهمة العدو في الشهادة على عدوه والابن كذلك لأنه وارث أبيه وأما الآية فنخصها بخبرنا فإنه أخص منها .
1788 - ـ مسألة : ( ولا تقبل شهادة سيد عبد لعبده ) لأنه يشهد لنفسه لأن ماله له ( ولا تجوز شهادته لمكاتبه ) لذلك .
1789 - ـ مسألة : ( ولا تجوز شهادتهما له ) يعني لا تجوز شهادة العبد ولا المكاتب لسيدهما لأنهما متهمان في ذلك لأن العبد ينبسط في مال سيده ويتصرف فيه وتجب نفقته منه ولا يقطع بسرقته فلا تقبل شهادته له كالابن مع أبيه .
1790 - ـ مسألة : ( ولا تجوز شهادة أحد الزوجين لصاحبه ) في إحدى الروايتين وتقبل في الأخرى لأنه عقد على منفعة فلا يتضمن رد الشهادة كالإجارة ودليل الأولى أن كل واحد منهما يرث صاحبه من غير حجب وينبسط في ماله عادة فهو متهم في حقه فلم تقبل شهادته له كالأب مع ابنه ولأن يسار الرجل يزيد في نفقة امرأته ويسار المرأة يزيد به قيمة بضعها المملوك لزوجها فكان كل واحد منهما يجر إلى نفسه نفعا ولهذا يضاف مال كل واحد منهما إلى صاحبه قال الله سبحانه : { وقرن في بيوتكن } ' سورة الأحزاب : الآية 33 ' الآية وقال تعالى : { لا تدخلوا بيوت النبي } 'سورة الأحزاب : الآية 53 ' فأضافها إليهن تارة وإلى النبي A تارة وقال ابن مسعود للذي قال إن غلامي سرق مرآة امرأتي : عبدكم سرق مالكم ويفارق عقد الإجارة من هذا الوجوه .
1791 - ـ مسألة : ( ولا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه ) لأنه متهم في ذلك ( ولا الوكيل فيما هو وكيل فيه ) لذلك ( ولا الشريك فيما هو شريك فيه ) لأنه يشهد لنفسه .
1792 - ـ مسألة : ( ولا العدو على عدوه ) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : [ قال رسول الله A : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ] رواه أبو داود والغمر الحقد ولأن العداوة تورث التهمة فتمنع الشهادة كالقرابة القريبة وتخالف الصداقة فإن شهادة الصديق لصديقه بالزور نفع غيره بمضرة نفسه وبيع آخرته بدنيا غيره وشهادة العدو على عدوه يقصد بها نفع نفسه بالتشفي من عدوه فافترقا .
1793 - ـ مسألة : ( ولا من يعرف بكثرة الغلط والغفلة ) لأنه لا يوثق بقوله لاحتمال أن يكون من غلطاته فربما شهد على غير من استشهد عليه أو بغير ما شهد به أو لغير من أشهده واعتبرنا كثرة الغلط لأن أحدا لا يسلم من الغلط في الجملة فقد كان النبي A يسهو فلو منع الغلط القليل الشهادة لانسد باب الشهادات فاعتبرنا الغلط الكثير كما اعتبرنا كثرة المعاصي في الإخلال بالعدالة إذا ثبت هذا فينبغي للشاهد أن يكون حافظا متيقظا ضابطا لما يشهد به لتحصل الثقة بقوله ويغلب على الظن صدقه .
1794 - ـ مسألة : ( ولا تجوز شهادة ولا مروءة له كالمسخرة وكاشف عورته للناظرين في الحمام أو غيره ) والمصافع والمغني والرقاص لأن ذلك سخف ودناءة فإذا استحسن هذا ورضيه لنفسه فلا مروءة له ولا تحصل الثقة بقوله وروى ابن مسعود قال : [ قال A : إنما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت ] أي : من لا يستحي صنع ما يشاء فإن صنع شيئا من ذلك متخفيا به لم يمنع قبول شهادته لأن مروءته لا تسقط به .
1795 - ـ مسألة : ( ومن شهد بشهادة يتهم في بعضها ردت كلها ) كشهادة الشريك لشريكه والوارث لموروثه لأنه يشهد لنفسه وشهادته لنفسه لا تصح كذا ها هنا .
1796 - ـ مسألة : ( ولا يسمع في الجرح والتعديل والترجمة ونحوها إلا شهادة اثنين ) وعنه تقبل من واحد وهو مذهب أبي حنيفة لأنه خبر لا يعبر فيه لفظ الشهادة فقبل من واحد كالرواية ولنا أن الجرح والتعديل إثبات صفة من يبني الحاكم حكمه على صفته فاعتبر فيه العدد كالحضانة وفارق الرواية لبنائها على المساهلة ولا نسلم أنه لا يفتقر إلى لفظ الشهادة ويعتبر في الجرح والتعديل اللفظ فيقول في التعديل : أشهد أنه عدل ويكفي هذا وإن لم يقل علي ولا لي لقوله سبحانه : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } 'سورة الطلاق : الآية 2' فإذا شهد أنه عدل ثبتت عدالته عليه وله ودخل في عموم الآية وأما الترجمة فحكمها كذلك فإذا تحاكم إلى القاضي أعجميان لا يعرف لسانهما فلا بد من مترجم عنهما ولا يقبل إلا من اثنين عدلين وعنه تقبل من واحد وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز وقال ابن المنذر في حديث زيد بن ثابت : إن رسول الله A أمره أن يتعلم كتاب اليهود قال : فكنت أكتب له إذا كتب إليهم وأقرأ له إذا كتبوا إليه ولأنه لا يفتقر إلى لفظ الشهادة أشبه أخبار الديانات ولنا أنه نقل ما خفي على الحاكم إليه فيما يتعلق بالمتخاصمين فوجب فيه العدد كالشهادة ويفارق أخبار الديانات لأنها لا تتعلق بالمتخاصمين ولا نسلم أنه لا يعتبر لفظ الشهادة ولأن ما لا يفهمه الحاكم وجوده عنده كغيبته فإذا ترجم له كان كنقل الإقرار إليه من غير مجلسه ولا يقبل ذلك إلا من شاهدين كذا ها هنا فعلى هذا تكون الترجمة شهادة تفتقر إلى العدد والعدالة ويعتبر فيها من الشروط ما يعتبر في الشهادة على الإقرار بذلك الحق فإن كان مما يتعلق بالحدود والقصاص اعتبر فيها الحرية وإن كان مالا كفى ترجمة رجل وامرأتين وإن كان مما لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين لم يقبل إلا ترجمة رجلين وإن كان حد زنى ففي الشهادة على الإقرار به روايتان إحداهما لا يكفي إلا شهادة أربعة والثانية يكفي شهادة اثنين فالترجمة عن الإقرار به تخرج على وجهين ويعتبر في ذلك كله لفظ الشهادة لأنه شهادة وإن قلنا يكتفي بواحد فلا بد من عدالته وتقبل من العبد لأنه من أهل الشهادة .
1797 - ـ مسألة : ( وإذا تعارض الجرح والتعديل قدم الجرح ) قال مالك : ننظر أيهما أعدل اللذان جرحاه أو اللذان عدلاه ولنا أن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل فوجب تقديمه لأن التعديل يتضمن نفي الريبة والمحارم والجارح مثبت لوجود ذلك والإثبات مقدم على النفي ولأن الجارح يقول رأيته يفعل كذا وكذا ومستند المعدل أنه لم يره يفعل ذلك ويمكن صدقهما والجمع بين قوليهما بأن يكون الجارح رآه يفعل ذلك والمعدل لم يره .
1798 - ـ مسألة : ( وإن شهد شاهد بألف وآخر بألفين قضى له بألف وحلف مع شهادته على الألف الآخر إن أحب ) وذلك أنه متى شهد أحد الشاهدين بشئ وشهد الآخر ببعضه صحت الشهادة وثبت ما اتفقا عليه وحكم به وعن أبي حنيفة أنه إذا شهد شاهد أنه أقر بألف وشهد آخر أنه أقر بألفين لم تصح الشهادة لأن الإقرار بالألف غير الإقرار بالألفين ولم يشهد بكل إقرار إلا واحد ولنا أن الشهادة كملت فيما اتفقا عليه فحكم به كما لو لم يزد أحدهما على صاحبه فأما ما انفرد به أحدهما فإن للمدعي أن يحلف معه ويستحق وهو قول من يرى الحكم بشاهد ويمين .
1799 - ـ مسألة : ( وإن قال أحدهما : ألف من قرض وقال الآخر : من ثمن مبيع لم تكمل الشهادة ) لأن كل واحد منهما شهد بغير ما شهد به الآخر والمسأله الأولى فيما إذا أطلقا الشهادة أوعزواها إلى سبب واحد فأما مع اختلاف الأسباب كما ذكرناه أو مع اختلاف الصفات مثل أن يشهد أحدهما بألف دينار وآخر بخمسمائة درهم أو يشهد أحدهما بألف درهم بيض والآخر بخمسمائة سود لم تكمل البينة لكن له أن يحلف معهما ويستحق ما شهدا به أو مع أحدهما ويستحق ما شهد به وحده والله أعلم .
1800 - ـ مسألة : ( وإذا شهد أربعة بالزنى أو شهد اثنان على فعل سواه واختلفوا في المكان أو الزمان والصفة لم تكمل شهادتهم ) وإذا شهد أربعة بالزنى واختلفوا في المكان والزمان مثل ما إذا شهد اثنان أنه زنى بها في بيت وشهد اثنان أنه زنى بها في بيت آخر أو شهد كل اثنين عليه بالزنى في بلد غير البلد الذي شهد به الآخران أو اختلفوا في الزمان مثل أن يشهد اثنان أنه زنى بها يوم الخميس ويشهد اثنان أنه زنى بها في يوم الجمعة أو اختلفوا في صفة الزنى فاثنان وصفاه على صفة واثنان لم يصفا شيئا إنما شهدا بظاهر الحال لم تكمل شهادتهم لأنهم لم يشهدوا على فعل واحد فأشبه ما لو انفرد بالشهادة اثنان وحدهما وحكي عن أحمد أنه يجب الحد على المشهود عليه فيما إذا اختلفا في المكان والزمان لأن الشهادة قد كملت عليه وهو اختيار أبي بكر قال أبو الخطاب : ظاهر هذه الرواية أنه لا يعتبر كمال الشهادة على فعل واحد وهذا بعيد قال القاضي : قال أبو بكر : لو شهد اثنان أنه زنى بها بيضاء وشهد اثنان أنه زنى بها وهي سوداء فهم قذفة وهذا ينقض قوله