كتاب الحدود .
1568 - ـ مسألة : ( ولا يجب الحد إلا على مكلف عالم بالتحريم ) فأما الصبي والمجنون فلا حد عليهما إذا زنيا لما روى علي Bه عن النبي A أنه قال : [ رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ] رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن وفي حديث ماعز [ أن النبي A قال له حين أقر له : أبك جنون ؟ قال : لا ] وروي عنه أنه سأل عنه [ أمجنون هو ؟ قالوا : ليس به بأس ] إذا ثبت هذا فينبغي أن يكون عالما بالتحريم وقال عمر وعلي : لا حد إلا على من علمه فإن ادعى الزاني الجهل بالتحريم وكان يحتمل أن يجهله كحديث عهد بالإسلام أو الناشىء ببادية قبل قوله وإلا فلا يقبل لأن تحريم الزنى لا يخفى على ناشىء ببلاد الإسلام .
1569 - ـ مسألة : ( ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه ) لأنه حق لله سبحانه والإمام نائب عن الله D فاختص باستيفائه كالجزية والخراج .
1570 - ـ مسألة : ( إلا السيد فإن له إقامته بالجلد خاصة على رقيقه القن ) في قول أكثرهم وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وقال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم فيقيمون الحدود إذا زنوا وروى سعيد أن فاطمة حدت جارية لها وقال أصحاب الرأي : ليس له ذلك لأن الحدود إلى السلطان ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لا يملكه على العبد كالصبي ولنا قول النبي A : [ إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ] وقوله : [ أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ] رواه الدارقطني ولأنه يملك تأديبه وتزويجه إذا كانت أمته فملك إقامة الحد عليه كالسلطان وفارق الصبي إذا ثبت هذا فإنه إنما يجوز له إقامته بالجلد خاصة مثل حد الزنى وحد القذف والشرب فإن كان قطعا في السرقة لم يقمه السيد لأنه يحتاج إلى مزيد احتياط ففوض إلى الإمام وإنما ملك السيد الجلد لأنه تأديب وهو يملك تأديبه وفي تفويضه إليه ستر عليه لئلا يقيمه الإمام فيظهر وتنقص قيمته ولا يملك إقامته إلا إذا ثبت ببينة أو إقرار فإن ثبت بإقرار فللسيد سماعه وإقامة الحد به وإن ثبت بشهادة اعتبر ثبوتها عند الحاكم لأنها تحتاج إلى البحث عن العدالة ولا يقوم بذلك إلا الحاكم وقال القاضي يعقوب : إن كان السيد يحسن سماع البينة ويعرف شروط العدالة جاز أن يسمعها ويقيم الحد كما يقيمه بالإقرار فأما إقامته عليه بعلمه فعن أحمد فيه روايتان : إحداهما لا يقيمه بعلمه كالإمام والثانية يقيمه لأنه قد ثبت عنده فجاز له إقامته كما لو أقر ويختص ذلك بالمملوك القن فإن كان بعضه حرا لم يملك إقامة الحد عليه لأن الحر إنما يقيم الحد عليه الإمام وهذا بعضه حر فلا يقيم السيد عليه الحد كما لو كان كله حرا .
1571 - ـ مسألة : ( وليس له قطعه في السرقة ) لأن ذلك حق الله تعالى وهو مفوض إلى نائب الله سبحانه وهو الإمام .
1572 - ـ مسألة : ( وليس له قتله في الردة ) لذلك ( ولا جلد مكاتبه ) لأنه قد انعقد في حقه سبب الحرية .
1573 - ـ مسألة : ( ولا أمته المزوجة ) لما روي عن ابن عمر أنه قال : إذا كانت الأمة ذات زوج فزنت دفعت إلى السلطان فإن لم يكن لها زوج جلدها سيدها نصف ما على المحصن ولا يعرف له مخالف وقد احتج به أحمد C .
1574 - ـ مسألة : ( وحد الرقيق في الجلد نصف حد الحر ) فمتى زنى العبد أو الأمة جلد خمسين جلدة سواء كانا بكرين أو ثيبين لقوله سبحانه : { ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } 'سورة النساء : الآية 25' ثم قال سبحانه : { فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } 'سورة النساء : الآية 25' ولأن عدتها على النصف من عدة الحرة فيكون جلدها على النصف ولا فرق بين العبد والأمة بدليل سراية العتق فالتنصيص على أحدهما تنصيص على الآخر .
1575 - ـ مسألة : ( ومن أقر بحد ثم رجع عنه سقط ) وذلك أن من شرط إقامة الحد الإقرار والبقاء على الإقرار إلى تمام الحد فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه ولم يتبع لما روي [ أن ماعزا هرب فذكر ذلك للنبي A فقال : هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ] قال ابن عبد البر : ثبت من حديث أبي هريرة وجابر ونعيم بن هزال ونصر بن دهر وغيرهم أن ماعزا لما هرب فقال لهم ردوني إلى رسول الله A قال : [ فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه ] ففي هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه ولأن رجوعه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات