فصل .
1443 - ـ مسألة : ( ويسقط بعد وجوبه بأمور ثلاثة : أحدها العفو عنه أو عن بعضه فلو عفا بعض الورثة عن حقه أو عن بعضه سقط كله وللباقين حقهم من الدية ) أجمع أهل العلم على إجازة العفو عن القصاص وأنه أفضل ودليله قوله سبحانه : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } 'سورة البقرة : الآية 178' وقال بعد قوله تعالى : { والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له } 'سورة المائدة : الآية 45' وروى أنس قال : [ ما رأيت رسول الله A رفع إليه شئ فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو ] رواه أبو داود ولأنه حق له تركه فجاز ذلك وكان أفضل من الاستيفاء كسائر الحقوق إذا ثبت هذا فإن القصاص ثبت لجميع الورثة [ لقول النبي A : من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين : أن يأخذوا العقل أو يقتلوا ] وروى زيد بن وهب [ أن عمر أتي برجل قتل قتيلا فقالت امرأة المقتول - وهي أخت القاتل - قد عفوت عن حقي فقال عمر : الله أكبر عتق القتيل ] رواه أبو داود وإذا ثبت أن هذا مشترك بين جميعهم سقط بإسقاط بعضهم أيهم كان لأن حقه منه له فينفذ تصرفه فيه فإذا سقط وجب سقوطه جميعه لأنه مما لا يتبعض فهو كالطلاق والعتق و [ روى قتادة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجلا فجاء أولاد المقتول وقد عفا بعضهم فقال عمر لابن مسعود : ما تقول ؟ قال : إنه قد أحرز من القتل فضرب على كتفه وقال : كنيف مليء علما ] ولأن القصاص حق مشترك بينهم لا يتبعض ومبناه على الإسقاط فإذا أسقط بعضهم سرى إلى الباقي كالعتق مسألة : فإذا عفا بعضهم فللباقين حقوقهم من الدية سواء أسقط مطلقا أو إلى الدية لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فثبت له البدل كما لو مات القاتل وكما لو سقط حق أحد الشريكين في العبد بإعتاق شريكه .
1444 - ـ مسألة : ( وإن كان العفو على مال فله حقه من الدية وإلا فليس له إلا الثواب ) يعني إذا عفا بعض الورثة عن القصاص على مال فله حقه من الدية إن كان العفو على الدية وإن كان على أكثر منها جاز وله حقه من ذلك لأنه حقه وله التصرف فيه حسب اختياره ( الثاني أن يرث القاتل أو بعض ولده شيئا من دمه ) كرجل له زوجة وابنان منها فقتل أحد الابنين أباه وقتل الآخر أمه فإنه يجب القصاص على قاتل الأم ويسقط عن قاتل الأب لأنه ورث ثمن دمه عن أمه ويلزم سبعة أثمان دية الأب لقاتل الأم ولو لم يقتل الآخر أمه ولكنها ماتت فإن القصاص يسقط عن قاتل الأب أيضا لأنه يرث من دمه نصف ثمنه والنصف الآخر لأخيه ويجب عليه لأخيه سبعة أثمان الدية ونصف ثمنها ولو قتل رجل زوجته وله منها ولد سقط عنه القصاص لثبوته لولده لأنه لو قتل ولده لم بجب عليه قصاص فإذا ثبت لولده عليه قصاص سقط بطريق الأولى ( الثالث أن يموت القاتل فيسقط القصاص وتجب الدية في تركته لفوات محل الحق فيسقط القصاص ضرورة فواته ويراجع إلى الدية كما رجعنا في المتلفات إلى القيمة ) .
1445 - ـ مسألة : ( ولو قتل واحد اثنين عمدا فاتفق أولياؤهما على قتله بهما جاز ) وقال أبو حنيفة ومالك : يقتل بالجماعة ليس لهم إلا ذلك وإن طلب بعضهم فليس له وإن بادر أحدهم فقتل سقط حق الباقين لأن الجماعة يقتلون بالواحد فكذلك يقتل بهم كالواحد بالواحد وقال الشافعي : لا يقتل إلا بواحد سواء اتفقوا على الطلب للقصاص أو لم يتفقوا لأنه إذا كان لكل واحد استيفاء القصاص فاشتراكهم في المطالبة لا يوجب تداخل حقوقهم كسائر الحقوق ولنا قول النبي A : [ فمن قتل له قتيل فأهله بين خيرتين : إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل ] وظاهر الخبر أن أهل كل قتيل يستحقون ما يختارونه من القتل أو الدية فإذا اتفقوا على القتل وجب لهم وإن اختار بعضهم الدية وجبت له بظاهر الخبر ولأنهما جنايتان ولو كانتا خطأ أو إحداهما لم يتداخلا فلم يتداخلا في العمد كالأطراف وقد سلموا أن الأطراف لا تتداخل ولأنه حق تعلق بعينه حقان لا يتسع لهما معا فإذا رضيا به عن حقهما جاز ذلك كما لو قتل عبد عبدين لهما خطأ فرضيا بأخذه بدلا عنهما ولأنهما رضيا بدون حقهما فجاز كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء وولي الحر بالعبد وولي المسلم بقتل الكافر وما ذكره مالك وأبو حنيفة فليس بصحيح فإن الجماعة قتلوا بالواحد لئلا يؤدي الاشتراك إلى إسقاط القصاص تغليظا للقصاص وفي مسألتنا ينعكس هذا المعنى فإنه إذا قتل واحدا وعلم أن القصاص واجب عليه وأنه لا يزداد بزيادة القتل لهما فأدى إلى قتل من يريد قتله لزوال الزاجر عنه فافترقا .
1446 - ـ مسألة : ( فإن تشاحوا في المستوفي ) أولا قدم الأول لأن حقه أسبق وصار الآخر إلى الدية لفوات المحل أشبه ما لو مات فإنه يصار إلى الدية فإن كان قتلهم دفعة واحدة أقرع بينهم فيقدم من تقع له القرعة لتساوي حقوقهم وكذلك لو قتلهم متفرقا وأشكل .
1447 - ـ مسألة : ( فإن سقط قصاص الأول ) إما بأن عفا مطلقا أو اختار الدية ( فلأولياء الثاني استيفاؤه ) لأنه حقهم فكان لهم استيفاؤه كما لو لم يكن قتل غيره .
1448 - ـ مسألة : ( ويستوفى القصاص بالسيف في العنق ولا يمثل به إلا أن يفعل شيئا فيفعل به مثله ) أما إذا قتله فإن القصاص يستوفى بالسيف لما روي عن النبي A أنه قال : [ لا قود إلا بالسيف ] رواه ابن ماجه فأما إن كان قد قطع يدي شخص ورجليه ثم ضرب عنقه قبل أن تندمل جراحه ففيه روايتان : إحداهما لا يستوفى منه إلا بالسيف في العنق بدليل الخبر ولأن القصاص أحد بدلي النفس فيدخل الطرف في حكم الجملة كالدية فإنه لو صار الأمر إلى الدية لم تجب إلا دية النفس ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل الكل وإتلاف الجملة وقد أمكن هذا بضرب العنق فلا يجوز تعديته بإتلاف أطرافه كما لو قتله بسيف كال فإنه لا يقتله بمثله والرواية الأخرى قال : إنه لأهل أن يفعل به كما فعل يعني أن يقطع أطرافه ثم يقتله لقوله سبحانه : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } 'سورة النحل : الآية 126' وقوله سبحانه : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } 'سورة البقرة : الآية 194' ولأن النبي A رضخ رأس يهودي لرضخه رأس جارية بين حجرين وقال الله سبحانه : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } 'سورة المائدة : الآية 45' وهذا قد قلع عينه فيجب أن تقلع عينه للآية وقال عليه السلام : من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه لأن القصاص موضوع على المماثلة ولفظه مشعر به فيجب أن يستوفى منه مثل ما فعل كما لو ضرب العنق آخر غيره فأما حديث : [ لا قود إلا بالسيف ] فقد قال الإمام أحمد : إسناده ليس بجيد