1436 - ـ فصل : ( ويشترط لجواز استيفائه شروط ثلاثة : أحدها أن يكون لمكلف فإن كان لغيره أو له فيه حق - وإن قل - لم يجز استيفاؤه ) أما إذا ثبت القصاص لمكلف فإن له استيفاءه كما له استيفاء جميع حقوقه وإن ثبت لغير مكلف كقصاص ثبت للصغير كصغير قتلت أمه وليست زوجة لأبيه فالقصاص للصغير ليس لأبيه استيفاؤه وذكر أبو الخطاب فيه رواية أنه يجوز لأنه أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية ولنا أنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته فلا يملك استيفاء القصاص كالوصي ولأن القصد التشفي ودرك الغيظ وذلك لا يحصل باستيفاء الولي ويخالف الدية فإن الغرض يحصل باستيفاء الأب لها فافترقا .
1437 - ـ مسألة : ( وإن ثبت لمكلف وغيره كصبي أو مجنون فإنه ليس للمكلف إستيفاؤه حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون وعنه رواية أخرى للمكلف استيفاؤه لأن الحسن بن علي Bه قتل ابن ملجم قصاصا وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك ولأن ولاية القصاص عبارة عن استحقاق استيفائه وليس للصغير هذه الولاية ولنا أنه قصاص غير متحتم ثبت لجماعة غير معينين فلم يجز لأحدهم استيفاؤه استقلالا كما لو كان بين حاضر وغائب أو أحد بدلي النفس فلم ينفرد به بعضهم كالدية فأما ابن ملجم فقد قيل إنه قتله لكفره لأنه قتل عليا مستبيحا دمه معتقدا كفره وقيل لسعيه في الأرض بالفساد وإظهاره السلاح فيكون قتله متحتما إلى الإمام وكان الحسن Bه الإمام ولذلك لم ينتظر الغائبين وبالاتفاق يجب انتظارهم في القصاص وإن فعله قصاصا فقد اتفقنا على تركه فكيف يحتج به .
1438 - ـ مسألة : ( وإن استوفى غير المكلف حقه نفسه بنفسه أجزأ ذلك ) لأنه أتلف حق نفسه بنفسه فأشبه ما لو أكل طعام نفسه وكما لو أتلف الوديعة أو شيئا من بقية أمواله .
( الشرط الثاني اتفاق جميع المستحقين على استيفائه ) لأنه حق لجميعهم فلم يكن لبعضهم الاستقلال به كما لو كان بين حاضر وغائب فإنه لا يجوز للحاضر الاستيفاء حتى يحضر الغائب فيوافقه على الاستيفاء منه .
1439 - ـ مسألة : ( فإن لم يأذن فيه بعضهم أو كان فيهم غائب لم يجز استيفاؤه ) لذلك .
1440 - ـ مسألة : ( فإن استوفاه بعضهم ) بغير إذن شريكه ( فلا قصاص عليه ) لأنه مشارك في استحقاق القتل فأسقط القصاص كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها إذا ثبت هذا فإن للولي الذي لم يقتل قسطه من الدية لأن حقه من القصاص سقط بغير اختياره فهو كما لو مات القاتل وأما القتل فقد استوفى حقه وعليه قسط شريكه من الدية لأنه استوفى جميع النفس وليس له إلا بعضها وهل يرجع شريكه عليه بما استحقه أو يرجع إلى مال القاتل ؟ فيه وجهان : أحدهما يرجع على شريكه لأنه أتلف حقهما جميعا فكان الرجوع عليه بعوض نصيبه كما لو كانت لهما وديعة فأتلفها والثاني يرجع في مال القاتل ثم يرجع ورثة القاتل على قاتله لأن حقه من القصاص سقط بغير اختياره فوجبت له الدية في مال القاتل كما لو قتله أجنبي وفارق الوديعة فإن أجنبيا لو أتلفها كان الرجوع عليه فكذلك شريكه وها هنا بخلافه .
1441 - ـ مسألة : ( ويستحق القصاص كل من يرث المال على قدر مواريثهم ) سواء كانوا من ذوي الأنساب أو ذوي الأسباب وعن مالك أنه موروث العصبات خاصة وهو وجه لأصحاب الشافعي Bه لأنه ثبت لدفع العار فاختص بالعصبات كولاية النكاح ولهم وجه ثالث أنه لذوي الأنساب خاصة لأن الزوجة تزول بالموت ولنا قول النبي A : [ من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين : إن أحبوا أن يأخذوا العقل أو يقتلوا ] و [ روى زيد بن وهب أن عمر أتى برجل قتل قتيلا فجاء ورثة المقتول ليقتلوه فقالت امرأة المقتول وهي أخت القاتل : قد عفوت عن حقي فقال عمر : الله أكبر عتق القتيل ] رواه أبو داود ولأن من ورث الدية ورث القصاص كالعصبات وما ذكروه لا يصح لأنه ثبت للصغار والمجانين بخلاف ولاية النكاح وزوال الزوجية لا يمنع الميراث كما لم يمنع من الدية .
1442 - ـ مسألة : ( الثالث الأمن من التعدي في الاستيفاء فلو كان الجاني حاملا لم يجز استيفاء القصاص منها في نفس ولا جرح حتى تضع ولدها ويستغني عنها ) لقول الله سبحانه : { فلا يسرف في القتل } 'سورة الإسراء : الآية 33' وقتل الحامل قتل لغير القاتل فيكون إسرافا وروى ابن ماجه بإسناده عن جماعة منهم شداد بن أوس [ أن النبي A قال : إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها ] وهذا نص وليس في المسألة اختلاف بين أهل العلم فيما نعلم وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقي الولد اللبن لأن الولد لا يعيش إلا به في الغالب : ثم إن لم يكن للولد من يرضعه لم يجز قتلها حتى تفطمه [ لأن النبي A قال للغامدية : اذهبي حتى ترضعيه ] وفي حديث عبد الرحمن بن غنم : [ وحتى تكفل ولدها ] ولأنه لما أخر القتل لحفظه وهو حمل فلان يؤخر وهو ولد لحفظه أولى فأما إن وحدت من يرضعه جاز قتلها لأنه يستغني عن الأم وإن وجد من ترضعه مترددة أو جماعة يتناوبنه أو بهيمة يشرب من لبنها جاز قتلها أيضا ويستحب للولي أن يؤخر قتل الأم لأن على الولد ضررا في اختلاف اللبن عليه وشرب لبن البهيمة