باب العدة .
1277 - ـ مسألة : ( ولا عدة على من فارقها زوجها في الحياة قبل المسيس لقوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } 'سورة الأحزاب : الآية 49 ' ) .
1278 - ـ مسألة : ( والمعتدات ينقسمن أربعة أقسام : إحداهن أولات الأحمال أجلن أن يضعن حملهن ) حرائر كن أو إماء من فرقة الحياة أو الممات لقوله سبحانه : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } 'سورة الطلاق : الآية 4 ' .
1279 - ـ مسألة : ( ولو كانت حاملا باثنين لم تنقض عدتها حتى تضع الثاني منهما ) للآية .
1280 - ـ مسألة : ( والحمل الذي تنقضي به العدة ما يتبين فيه شئ من خلق الإنسان ) لأنه ولد ( الثاني اللاتي توفي أزواجهن يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) إن كانت حرة وشهرين وخمسة أيام إن كانت أمة وسواء مات قبل الدخول أو بعده إذا لم تكن حاملا لقوله سبحانه : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } 'سورة البقرة : الآية 234 ' و [ قال E : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوت ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ] متفق عليه .
1281 - ـ مسألة : ( والأمة على النصف من ذلك ) لأن الصحابة Bهم اتفقوا على أن عدة الأمة المطلقة نصف عدة الحرة فيجب أن يكون المتوفى عنها زوجها عدتها نصف عدة الحرة ( الثالث المطلقات من ذوات القروء يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقرء الأمة حيضتان ) لما روى ابن عمر Bهما [ عن النبي A أنه قال : طلاق الأمة طلقتان وقرؤها حيضتان ] .
فصل : وفي الأقراء روايتان : إحداهما هي الحيض لهذا الخبر وقول الصحابة Bهم و [ قوله عليه السلام : تدع الصلاة أيام أقرائها ] رواه أبو داود و [ قال لفاطمة : فإذا أتى قرؤك فلا تصلي وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء ] رواه النسائي ولأنه معنى يستبرأ به الرحم فكان بالحيض كاستبراء الأمة والثانية القروء للأطهار لقوله سبحانه : { فطلقوهن لعدتهن } 'سورة الطلاق : الآية 1' إلا في عدتهن وإنما تطلق في الطهر فإذا قلنا هي الحيض لم يحتسب بالحيضة التي طلقها فيها حتى تأتي بثلاث كاملة بعدها لقوله سبحانه : { ثلاثة قروء } 'سورة البقرة : الآية 228' فتتناول الكاملة فإذا انقطع دمها من الثالثة حلت في إحدى الروايتين لأن ذلك أخر القروء وفي الأخرى لا تحل حتى تغتسل من الحيضة الثالثة لأنه يروى عن الأكابر من الصحابة Bهم أبي بكر وعثمان وعبادة وأبي موسى وأبي الدرداء Bهم وإن قلنا الإقراء الأطهار أحتسبت بالطهر الذي طلقها فيه قرءا ولو بقي منه لحظة لقوله سبحانه : { فطلقوهن لعدتهن } 'سورة الطلاق : الآية 1' أي في عدتهن وإنما يكون في عدتهن إذا احتسبن به ولأن الطلاق إنما جعل في الطهر دون الحيض كي لا يضر بها فتطول عدتها ولو لم تحتسب ببقية الطهر قرءا لم تقض عدتها بالطلاق فيه وآخر العدة آخر الطهر الثالث إذا رأت الدم بعده انقضت عدتها ( الرابع اللاتي يئسن من المحيض فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن ) لقوله سبحانه : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } 'سورة الطلاق : الآية 4' هذا إذا كانت حرة ( وإن كانت أمة فعدتها شهران ) لأن كل شهر مكان قرء وعدتها بالإقراء قرآن وعنه عدتها ثلاثة أشهر لعموم الآية ولأن اعتبار الشهور لمعرفة براءة الرحم ولا تحصل بأقل من ثلاثة وعنه عدتها شهر ونصف لأن عدتها نصف عدة الحرة وإنما كملنا الأقراء لتعذر تنصيفها وتنصيف الأشهر ممكن .
1282 - ـ مسألة : ( ويشرع التربص مع العدة في ثلاثة مواضيع : أحدها إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه فإنها تتربص تسعة أشهر ثم تعتد عدة الآيسات ) تسعة أشهر للحمل لأنها غالب مدته ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر عدة الآيسات قال الشافعي C : هذه فتيا عمر Bه بين المهاجرين والأنصار ولم ينكرها منكر علمناه فصار إجماعا .
1282 - ـ مسألة : ( وإن عرفت ما رفع الحيض ) من مرض أو رضاع أو نفاس ( فإنها تنتظر زوال العارض وعود الدم وإن طال فإن عاد الدم اعتدت به ) وروى الأثرم بإسناده عن محمد بن يحيى بن حبان أنه كان عند جده امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض فقالت الأنصارية : لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال : هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بهذا يعني علي بن أبي طالب Bه ( الثاني امرأة المفقود الذي انقطع خبره ) وهو قسمان : أحدهما أن تكون غيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ليلا أو نهارا أو في مفازة مهلكة أو بين الصفين فإن زوجته ( تتربص أربع سنين ) أكثر مدة الحمل ( ثم تعتد للوفاة ) أربعة أشهر وعشرا وتحل للأزواج وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن الزبير قال الإمام أحمد : من ترك هذا القول أي شئ يقول ؟ هو عن خمسة من أصحاب رسول الله A القسم الثاني ( من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة ) كالتاجر والسائح ( فإن امرأته تبقى أبدا إلى أن تتيقن موته ) لأنها زوجته بيقين فلا تزول بالشك روي ذلك عن علي Bه وعنه إذا مضى له تسعون سنة قسم ماله وهذا يقتضي أن زوجته تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج قال أصحابنا : إنما اعتبروا التسعين سنة من يوم ولادته لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر من هذا العمر فإذا اقترن به انقطاع خبره وجب الحكم بموته كما لو كان فقده لغيبة ظاهرها الهلاك والمذهب الأول لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة فلم يحكم بموته كما قبل الأربع سنين أوكما قبل التسعين ( الثالث إذا ارتابت المرأة قبل قضاء عدتها لظهور أمارات الحمل ) من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض ( لم تنكح حتى تزول الريبة ) وذلك أن المرتابة لا تخلو من ثلاثة أحوال : أحدها أن تحدث لها الريبة قبل انقضاء عدتها فإنها تبقى في حكم الإعتداد حتى تزول الريبة فإن بان حمل انقضت عدتها بوضعه وإن زال وبان أنه ليس بحمل تبينا أن عدتها انقضت بمضي الأقراء والشهور فإن تزوجت قبل زوال الريبة لم يصح النكاح لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدة في الظاهر الثاني أن تظهر الريبة بعد قضاء العدة والتزويج فالنكات صحيح لأنه وجد بعد انقضاء العدة والحمل مع الريبة مشكوك فيه فلا يزول به ما حكم بصحته لكن لا يحل لزوجها وطئها لأنا شككنا في صحة النكاح ثم ننظر فإن وضعت الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزويجها الثاني ووطئها فنكاحه باطل لأنه نكحها وهي حامل وإن أتت به لأكثر من ذلك فالولد لاحق به والنكاح صحيح الحال الثالث ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح ففيه وجهان : أحدهما لا يحل لها أن تتزوج فالنكاح باطل لأنها تزوجت مع الشك في انقضاء العدة فلم يصح كما لو وجدت الريبة في العدة والثاني يحل لها النكاح ويصح لأننا حكمنا بانقضاء العدة وحل النكاح وسقوط النفقة والسكنى فلا يجوز زوال ما حكم به في الشك الطارىء ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده ورجوع الشهود .
1284 - ـ مسألة : ( ومتى نكحت المعدة فنكاحها باطل ويفرق بينهما ) لا يجوز نكاح معتدة إجماعا إلى عدة كانت لقوله سبحانه : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } 'سورة البقرة : الآية 235' وإن تزوجت فالنكاح باطل لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول فكان نكاحها باطلا كما لو تزوجت وهي في نكاحه ويجب أن يفرق بينهما لذلك .
1285 - ـ مسألة : ( وإن فرق بينهما قبل الدخول أتمت عدة الأول ) ولا تنقطع بالعقد الثاني لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا تستحق بالعقد شيئا ( وإن فرق بينهما بعد الدخول بنت على عدة الأول وتستأنف العدة للثاني ) وتقدم عدة الأول لأن حقه أسبق ولأن عدته وجبت عن وطء صحيح ولا تتداخل العدتان لأنهما من رجلين قال أبو حنيفة : تتداخل لأن القصد معرفة براءة الرحم وهذا يحصل به براءة الرحم منهما جميعا ولنا ما روى الشافعي في مسنده : حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طلحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها ونكحت في عدتها فضربها عمر وضرب زوجها وفرق بينهما ثم قال : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول وكان خاطبا من الخطاب وإن كان قد دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر ولا ينكحها أبدا وروى بإسناده عن علي أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر وهذان قولان سديدان من الخلفاء ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة ولأنهما حقان مقصودان لآدميين فلم يتداخلا كالدينين .
1286 - ـ مسألة : ( وله نكاحها ) يعني الثاني ( بعد قضاء العدتين ) وعنه أنها تحرم عليه على التأبيد لقول عمر : لا ينكحها أبدا ولأنه استعجل الحق قبل وقته فحرمه في وقته كالوارث إذا قتل موروثه ولأنه يفسد النسب فوقع التحريم المؤبد كاللعان ولنا على إباحتها له أنه لا يخلو إما أن يكون تحريمها بالعقد أو بالوطء في النكاح الفاسد أو بهما وجميع ذلك لا يقتضي التحريم بدليل ما لو زنى بها وما روي عن عمر في تحريمها فقد خالفه علي وروي عن عمر أنه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي فإن عليا قال : فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب فقال عمر : ردوا الجهالات إلى السنة ورجع إلى قول علي وقياسه يبطل بما لو زنى بها فإنه استحل وطئها ولا تحرم عليه على التأبيد .
1287 - ـ مسألة : ( وإن أتت بولد من أحدهما انقضت عدتها به منه واعتدت للآخر ) فإن كان يمكن أن يكون من الأول دون الثاني - وهو أن تأتي به لدون ستة أشهر من وطء الثاني وأربع سنين فما دونها من فراق الأول - فإنه يلحق الأول وتنقضي به عدتها منه ثم تعتد بثلاثة أقراء عن الثاني وإن أتت به لستة أشهر فما زاد إلى أربع سنين من وطء الثاني ولأكثر من أربع سنين منذ بانت من الأول فهو يلحق الثاني دون الأول فتنقضي به عدتها عن الثاني ثم تتم عدة الأول وتقدم ها هنا عدة الثاني على عدة الأول لأنه لا يجوز أن يكون الحمل من إنسان وتعتد به من غيره .
1288 - ـ مسألة : ( وإن أمكن أن يكون منهما ) وهو أن تأتي لستة أشهر فصاعدا من وطء الثاني ولأربع سنين فما دونها من بينونتها من الأول ( أرى ألقافة فإن ألحقته بالأول لحق به كما لو أمكن أن يكون منه دون الثاني وانقضت به عدتها منه واعتدت للآخر ) وإن ألحقته بالثاني لحق به وانقضت به عدتها منه وأعتدت للآخر