باب العيوب التي يفسخ بها النكاح .
( متى وجد أحد الزوجين الآخر مملوكا فله الفسخ ) أما إذا وجد الرجل المرأة مملوكة وقد تزوجها على أنها حرة فله الفسخ وقد مضى ذكره في آخر باب ولاية النكاح وإن وجدته الحرة مملوكا فلها الفسخ أيضا لحديث بريرة وقد مضى أيضا .
1176 - ـ مسألة : ( وإن وجد أحدهما صاحبه مجنونا أو مجذوما أو أبرص فله الفسخ ) لأن هذه العيوب تمنع الاستمتاع المقصود بالنكاح فإن ذلك يثير نفرة ويخشى من تعديه إلى الولد والنفس فيمنع الاستمتاع .
( وإن وجدها الرجل رتقاء أو وجدته مجبوبا ثبت لمن وجده الفسخ ) لأن الرتق والجب يتعذر معهما الوطء بالكلية فإن الرتق عبارة عن انسداد الفرج والجب عبارة عن المقطوع الذكر فيتعذر الوطء فيثبت الفسخ كالعيوب الأولى .
1177 - ـ مسألة : ( وإنما ثبت له الفسخ إذا لم يكن عالم بالعيب قبل العقد ) لأنه يكون معذورا فأما إن علم بالعيب قبل العقد أو وقت العقد أو قال : قد رضيته معيبا بعد العقد أو وجد منه دلالة على الرضا من وطء أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة فلم يكن له خيار كمشتري المعيب .
1178 - ـ مسألة : ( ولا يجوز الفسخ إلا بحكم حاكم ) لأنه أمر مجتهد فيه فهو كفسخ العنة وكالفسخ للإعسار بالنفقة ويخالف خيار المعتقة فإنه متفق عليه .
1179 - ـ مسألة : ( وإن ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها فاعترف أنه لم يصبها أجل سنة منذ ترافعه ) روي ذلك عن جماعة من الصحابة لما روى الدارقطني أن عمر أجل العنين سنة وروي ذلك عن ابن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم ورواه أبو حفص عن علي Bه .
1180 - ـ مسألة : ( فإن لم يصبها خيرت في المقام معه أو فراقه ) وهو قول من سمينا من الصحابة الذين أجلوه سنة وإنما أجل سنة لأن العجز عن الوطء قد يكون خلقة وقد يكون لمرض عرض به فضربت له سنة لتمر به الفصول الأربعة فإن كان ذلك من يبس زال في فصل الرطوبة وإن كان من رطوبة زال في فصل الحرارة وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال فإذا مضت الفصول الأربعة ولم يطأ علم أن ذلك خلقة والعنين هو الذي في ذكره ضعف فلا يقدر على الإيلاج .
1181 - ـ مسألة : ( فإن اختارت فراقه لم يجز إلا بحكم حاكم ) لأنه فسخ في موضع اجتهاد فافتقر إلى الحاكم كالفسخ للإعسار هذا إذا لم تكن علمت بالعيب قبل النكاح فإن كانت علمت به أو قالت قد رضيت به عنينا في وقت فإن خيارها يبطل لأنها دخلت على بصيرة ورضيت به فأشبه شراء المعيب .
1182 - ـ مسألة : ( وإن علمت بعد العقد وسكتت عن المطالبة لم يسقط حقها ) لا نعلم في ذلك خلافا لأن سكوتها بعد العقد ليس بدليل على الرضا به لأنه زمان لا يملك فيه الفسخ والامتناع من استمتاعه فلم يكن سكوتها مسقطا لحقها كسكوتها بعد ضرب المدة وقبل انقضائها .
1183 - ـ مسألة : ( وإن قال قد علمت عنتي أو رضيت بي بعد علمها فأنكرت فالقول قولها ) لأن الأصل عدم العلم والرضا .
1184 - ـ مسألة : ( وإن أصابها مرة لم يكن عنينا ) أكثرهم يقولون متى وطىء امرأته مرة ثم ادعت عجزه لم تسمع دعواها لأنه قد تحققت قدرته على الوطء في هذا النكاح وزوال عنته فلم تضرب له مدة كما لو لم يترك وطئها .
1185 - ـ مسألة : ( وإن ادعى ذلك فأنكرته فإن كانت عذراء أوريت النساء الثقات ورجع إلى قولهن ) فإن شهدن أنها عذراء أجل سنة لأن الوطء يزيل عذرتها فوجودها يدل على عدم الوطء وإن شهدن أن عذرتها زالت فالقول قوله لأنها تزول بالوطء .
1186 - ـ مسألة : ( وإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه ) لأن هذا مما يتعذر إقامة البينة عليه وحجته أقوى فإن في دعواه سلامة العقد وصحته ولأن الأصل في الرجال السلامة وعدم العيوب ويحلف على صحه ما قال لأن قوله محتمل للكذب فرجحنا قوله بيمينه كما في سائر الدعاوى وقال الخرقي : يخلى معها ويقال له أخرج ماءك على شئ فإن أخرجه فالقول قوله لأن العنين يضعف عن الإنزال فإذا أنزل تبينا صدقه فيحكم به كما لو شهد النساء بعذرتها فإنا نقبل قولها لظهور صدقها فإن ادعت أنه ليس بمني جعل على النار فإن ذاب فهو مني لأنه إنما يشبه بياض البيض وبياض البيض إذا جعل على النار يجتمع وييبس وهذا يذوب فيعرف بذلك .
( وإن عتقت الأمة وزوجها عبد خيرت في المقام معه أو فراقه ) أجمع أهل العلم على أن لها الخيار في فسخ النكاح ذكره ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما والأصل فيه حديث بريرة قالت عائشة Bها : [ كاتبت بريرة فخيرها رسول الله A في زوجها وكان عبدا فاختارت نفسها ] رواه مالك وأبو داود والنسائي ولأن عليها عارا وضررا في كونها حرة تحت عبد فكان لها الخيار كما لو تزوج حرة على أنه حر فبان عبدا .
1187 - ـ مسألة : ( ولها فراقه من غير حكم حاكم ) لأنه مجمع عليه لا يحتاج إلى اجتهاد .
1188 - ـ مسألة : ( فإن عتق قبل اختيارها أو وطئها بطل خيارها ) علمت أن لها الخيار أو لم تعلم لما روى الإمام أحمد بإسناده عن الحسن بن عمر بن أمية قال : [ سمعت رجالا يتحدثون عن النبي A أنه قال : إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها إن شاءت فارقته وإن وطئها فلا خيار لها ] ورواه الأثرم وروى أبو داود [ أن بريرة عتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها النبي A فقال لها : إن قربك فلا خيار لك ] وقد روي ذلك عن عبد الله وحفصة وقال ابن عبد البر : لا أعلم لهما مخالفا من الصحابة إذا ثبت هذا فإنه متى عتق بطل خيارها لأن الخيار لدفع الضرر بالرق وقد زال بعتقه فسقط خيارها كالمبيع إذا زال عيبه فإن وطئها بطل خيارها علمت بالخيار أو لم تعلم نص عليه الإمام أحمد لقوله E في حديث بريرة : [ إن قربك فلا خيار لك ] ولم يفرق .
1189 - ـ مسألة : ( وإن أعتق بعضها فلا خيار لها ) لأن الخيار إنما يثبت لمن عتقت كلها ولا يلزم من ذلك ثبوته لمن عتق بعضها لأنه قد ثبت للكل ما لا يثبث للبعض .
1190 - ـ مسألة : وإن عتقت كلها وزوجها حر فلا خيار لها ) لأن الخيار إنما يثبت لدفع العار بكونها حرة تحت عبد وهذا متفق فيما نحن فيه