كتاب الاعتكاف .
وهو : لزوم المسجد لطاعة الله تعالى وهو سنة قال في الشرح : لا نعلم خلافا في استحبابه لحديث عائشة [ كان رسول الله A يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده ] متفق عليه .
ويجب بالنذر قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الإعتكاف لا يجب على الناس فرضا إلا أن يوجب المرء على نفسه الإعتكاف نذرا لقوله A : [ من نذر أن يطيع الله فليطعه ] رواه البخاري .
وشرط صحته ستة أشياء : النية والإسلام والعقل والتمييز كسائر العبادات .
وعدم ما يوجب الغسل لقوله A : [ لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ] وقد سبق .
وكونه بمسجد لقوله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } [ البقرة : 187 ] ويزاد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا لأنها واجبة عليه فلا يجوز تركها ولا كثرة الخروج الذي يمكن التحرز منه لأنه مناف للاعتكاف .
ومن المسجد ما زيد فيه حتى في الثواب في المسجد الحرام لعموم الخبر وعند الشيخ تقي الدين وابن رجب وطائفة من السلف : ومسجد المدينة أيضا فزيادته كهو في المضاعفة وخالف فيه ابن عقيل وابن الجوزي وقال ابن مفلح في الآداب الكبرى : هذه المضاعفة تختص بالمسجد غير الزيادة على ظاهر الخبر يعني قوله A : [ صلاة في مسجدى هذا ] .
ومنه سطحه لعموم قوله في المساجد .
ورحبته المحوطة قال القاضي : إن كان عليها حائط وباب كرحبة جامع المهدي بالرصافة فهي كالمسجد لأنها معه وتابعة له وإن لم تكن محوطة كرحبة جامع المنصور لم يثبت لها حكم المسجد .
ومنارتها التي هي أو بابها فيه لأنها في حكمه وتابعة له .
ومن عين الاعتكاف بمسجد غير الثلاثة لم يتعين ولو بلا شد رحل لأن الله لم يعين لعبادته مكانا كمن نذر صلاة بغير المساجد الثلاثة لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ] متفق عليه ولو تعين غيرها بالتعيين لزم المضي إليه واحتاج إلى شد رحل لقضاء نذره ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكانا في غير الحج وأفضل المساجد المسجد الحرام فمسجد المدينة فالمسجد الأقصى لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ] رواه الجماعة إلا أبا داود وفي رواية [ فإنه أفضل ] فمن نذر اعتكافا أو صلاة في أحدها لم يجزئه في غيره إلا أن يكون أفضل منه فمن نذر في المسجد الحرام لم يجزئه غيره ومن نذر في مسجد المدينة أجزأه فيه وفي المسجد الحرام ومن نذر في الأقصى أجزأه في الثلاثة لحديث جابر [ أن رجلا قال يوم الفتح : يارسول الله إني نذرت : إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس فقال : صل ها هنا فسأله فقال : صل ها هنا فسأله فقال : شأنك إذا ] رواه أحمد وأبو داود .
ويبطل الإعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذر لقول عائشة : [ السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه ] رواه أبو داود وحديث [ وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ] متفق عليه .
وبنية الخروج ولو لم يخرج لحديث [ إنما الأعمال بالنيات ] .
وبالوطء في الفرج لقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } [ البقرة : 187 ] فإذا حرم الوطء في العبادة أفسدها كالصوم والحج بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف .
وبالإنزال بالمباشرة دون الفرج لعموم الآية .
وبالردة لقوله تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك } [ الزمر : 65 ] .
وبالسكر لخروج السكران عن كونه من أهل المسجد .
وحيث بطل الإعتكاف وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن ولا كفارة لأنه أمكنه الإتيان بالمنذور على صفته فلزمه كحالة الابتداء .
وإن كان مقيدا بزمن معين استأنفه وعليه كفارة يمين لفوات المحل ولا يبطل الإعتكاف إن خرج من المسجد لبول أو غائط أو طهارة واجبة لما تقدم .
أو لإزالة نجاسة أو لجمعة تلزمه ولا قضاء لزمنه ولا كفارة لأن ذلك كالمستثنى لكونه معتادا .
ولا إن خرج للإتيان بمأكل أو مشرب لعدم خادم لأنه لا بد له منه فيدخل في عموم حديث عائشة : [ وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان ] متفق عليه وله المشي على عادته من غير عجلة لأن ذلك يشق عليه ويجوز أن يسأل عن المريض وغيره في طريقه ولا يعرج إليه ولا يقف لقول عائشة : [ إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فلا أسأل عنه إلا وأنا مارة ] متفق عليه .
وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الإعتكاف مدة لبثه فيه لا سيما إن كان صائما ذكره ابن الجوزي في المنهاج ولم يره الشيخ تقي الدين C تعالى