باب القطع في السرقة .
أجمعوا عليه لقوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } [ المائدة : 38 ] الآية وعن عائشة مرفوعا : [ تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا ] متفق عليه .
ويجب بثمانية شروط : .
1 - السرقة وهي : أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الإختفاء فلا قطع على منتهب يأخذ المال على وجه الغنيمة لحديث جابر مرفوعا : [ ليس على المنتهب قطع ] رواه أبو داود .
ومختطف وهو : الذي يختلس الشئ ويمر به وغاصب .
وخائن في وديعة لحديث : [ ليس على الخائن والمختلس قطع ] رواه أبو داود والترمذي وقد تكلم فيه ولعدم دخولهم في اسم السارق .
لكن يقطع جاحد العارية لحديث ابن عمر : [ كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي A بقطع يدها ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي مطولا قال الإمام أحمد : لا أعرف شيئا يدفعه وعنه : لا قطع عليه قدمه في الكافي و المقنع لأنه خائن فلا يقطع للخبر كجاحد الوديعة وهذا اختيار أبي إسحاق بن شاقلا وأبي الخطاب .
2 - كونه السارق مكلفا لأن غيره مرفوع عنه القلم .
مختارا لأن المكره معذور .
عالما بأن ما سرقه يساوي نصابا فلا قطع بسرقة منديل بطرفه نصاب مشدود لم يعلمه ولا بسرقة جوهر يظن قيمته دون نصاب لقول عمر : لا حد إلا على من علمه .
3 - كون المسروق مالا لأن القطع شرع لصيانة الأموال فلا يجب في غيرها والأخبار مقيدة للآية فإن سرق حرا صغيرا فلا قطع لأنه ليس بمال وعنه : يقطع لحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة [ أن رسول الله A أتي برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى فأمر بيده فقطعت ] رواه الدارقطني .
لكن لا قطع بسرقة الماء لأنه لا يتمول عادة .
ولا بإناء فيه خمر أو ماء لاتصاله بما لا قطع فيه .
ولا بسرقة مصحف لأن المقصود منه ما فيه من كلام الله تعالى ولا يحل أخذ العوض عنه وبه قال : أبو بكر والقاضي .
ولا بما عليه من حلي لأنه تابع لما لا قطع فيه وقال أبو الخطاب : عليه القطع بسرقة المصحف للآية ولأنه متقوم يبلغ نصابا أشبه كتب الفقه قاله في الكافي وهو قول : مالك والشافعي .
ولا بكتب بدعة وتصاوير لوجوب إتلافها لأنها محرمة أشبهت المزامير ومثل ذلك سائر الكتب المحرمة .
ولا بآلة لهو كالطنبور والمزمار والطبل لغير الحرب ونحوها لأنها آلة معصية كالخمر ومثله : نرد وشطرنج .
ولا بصليب أو صنم من ذهب أو فضة لأنه مجمع على تحريمه أشبه الطنبور .
4 - كون المسروق نصابا وهو : ثلاثة دراهم أو ربع دينار فلا قطع بسرقة ما دون ذلك لحديث عائشة مرفوعا : [ لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا ] رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وعنها مرفوعا : [ اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثنا عشر درهما ] رواه أحمد وهذان يخصان عموم الآية وأما حديث أبي هريرة : [ لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده ] متفق عليه فيحمل على حبل يساوي ذلك وكذا البيضة ويحتمل أن يراد بها بيضة السلاح وهي تساوي ذلك جمعا بين الأخبار كما حكى البخاري عن الأعمش ويحتمل أن سرقة القليل ذريعة إلى سرقة النصاب بالتدريج ذكر معناه ابن القيم قي الهدي .
أو ما يساوي أحدهما لحديث ابن عمر أن النبي A : [ قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم ] رواه أحمد وأبو داود والنسائي وعنه أيضا مرفوعا : [ قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم ] رواه الجماعة .
وتعتبر القيمة حال الإخراج من الحرز لأنه وقت الوجوب لوجود السبب فيه .
5 - إخراجه من حرز في قول أكثر أهل العلم منهم : مالك والشافعي وأصحاب الرأي لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : [ أن رجلا من مزينة سأل النبي A عن الثمار فقال : ما أخذ من غير أكمامه و احتمل ففيه قيمته معه وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن ] رواه أبو داود وابن ماجه وفي لفظ : [ ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن : فعليه القطع ] رواه أبو داود والنسائي وزاد : [ وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال ] وعن رافع بن خديج مرفوعا : [ لا قطع في ثمر ولا كثر ] رواه الخمسة .
فلو سرق من غير حرز فلا قطع لفوات شرطه كما لو أتلفه داخل الحرز بأكل أو غيره وعليه ضمانه .
وحرز كل مال : ما حفظ فيه عادة لأن معناه الحفظ ولأن الشرع لما اعتبر الحرز ولم يبينه علمنا أنه رده إلى العرف كالقبض والتفرق وإحياء الموات قاله في الكافي .
فنعل برجل ووعمامة على رأس : حرز ونوم على متاع أو رداء : حرز [ لأن صفوان بن أميمة نام في المسجد وتوسد رداءه فأخذ من تحت رأسه فأمر النبي A أن يقطع سارقه ] الحديث رواه الخمسة إلا الترمذي وحرز الكفن : كونه على الميت في القبر لقول عائشة Bها : سارق أمواتنا كسارق أحيائنا وروي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا .
ويختلف الحرز بالبلدان والسلاطين لخفاء السارق بالبلد الكبير لسعة أقطاره أكثر من خفائه في البلد الصغير وكذا السلطان إن كان عدلا يقيم الحدود قل السراق فلا يحتاج الإنسان إلى زيادة حرز وإن كان جائرا يشارك من التجأ إليه ويذب عنهم قويت صولتهم فيحتاج أرباب الأموال إلى زيادة التحفظ وكذا الحال مع قوته وضعفه .
ولو اشترك جماعة في هتك الحرز وإخراج النصاب : قطعوا جميعا نص عليه لوجود سبب القطع منهم كالقتل وكما لو كان ثقيلا فحملوه ويقطع سارق نصاب لجماعة .
وإن هتك الحرز أحدهما ودخل الآخر فأخرج المال : فلا قطع عليهما ولو تواطأ .
لأن الأول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز قال في الكافي : ويحتمل أن يقطع إذا كانا شريكين .
6 - انتفاء الشبهة : فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله أما ولده : لحديث [ أنت ومالك لأبيك ] وأما أصوله : فلوجوب نفقة أحدهم على الآخر ولأن بينهم قرابة تمنع من قبول شهادة بعضهم لبعض : فلا يقطع به لأن الحدود تدرأ بالشبهات .
وزوجته أي : [ لا يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر ] رواه سعيد عن عمر بإسناد جيد ولأن كلا منهما يرث صاحبه بغير حجب وينبسط في ماله أشبه الولد مع الوالد ولا يقطع العبد بسرقته من مال سيده لما روى مالك : [ أن عبد الله ابن عمرو الحضرمي قال لعمر : إن عبدي سرق مرآة امرأتي ثمنها : ستون درهما فقال : أرسله لأقطع عليه غلامك أخذ متاعكم ] وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر فكان إجماعا وقال ابن مسعود : [ لا قطع مالك سرق مالك ] .
ولا بسرقة من مال له فيه شرك أو لأحد ممن ذكر كأصوله وفروعه ونحوهم لقيام الشبهة فيه بالبعض الذي لا يجب بسرقته قطع ولا قطع على مسلم سرق من بيت المال لذلك ولقول عمر وابن مسعود : [ من سرق من بيت المال فلا قطع ما من أحد إلا وله في هذا المال حق ] وروى سعيد عن علي : [ ليس على من سرق من بيت المال قطع ] وروى ابن ماجه عن ابن عباس [ أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي A فلم يقطعه وقال : مال الله سرق بعضه بعضا ] .
7 - ثبوتها إما بشهادة عدلين لقوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } [ البقرة : 282 ] والأصل عمومه لكن خولف فيما فيه دليل خاص للدليل فبقي فيما عداه على عمومه .
ويصفانها أي : السرقة .
ولا تسمع قبل الدعوى من المالك أو من يقوم مقامه .
أو بإقرار السارق .
مرتين ويصفها في كل مرة لاحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه وعن القاسم بن عبد الرحمن [ أن عليا Bه أتاه رجل فقال : إني سرقت فطرده ثم عاد مرة أخرى فقال : إني سرقت فأمر به أن يقطع ] رواه الجوزجاني وفي لفظ : [ لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين ] حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به .
ولا يرجع حتى يقطع ولا بأس بتلقينه الإنكار لحديث أبي أمية المخزومي [ أن النبي A أتي بلص قد اعترف فقال : ما إخالك سرقت ؟ قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا قال : بلى فأمر به فقطع ] رواه أحمد وأبو داود ولو وجب القطع بأول مرة لم يؤخره ولم يلقنه الإنكار وكذا ما تقدم عن علي وروي عن عمر Bه أنه أتي برجل فقال : أسرقت ؟ قل : لا فقال : لا فتركه .
- مطالبة المسروق منه بماله أو مطالبة وكيله أو وليه إن كان محجورا عليه لحظه لأن المال يباح بالبذل والإباحة فيحتمل إباحة مالكه إياه أو إذنه له في دخول حرزه ونحوه مما يسقط القطع فاعتبر الطلب لنفي هذا الاحتمال وانتفاء الشبهة .
ولا قطع عام مجاعة غلاء إن لم يجد ما يشتريه أو ما يشتري به نص عليه لقول عمر : لا قطع في عام سنة قيل لأحمد : تقول به ؟ قال : إي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة .
فمتى توفرت الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل كفه لأن في قراءة عبد الله بن مسعود : [ فاقطعوا أيمانهما ] وروي عن أبي بكر وعمر Bهما أنهما قالا : إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من مفصل الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة .
وغمست وجوبا في زيت مغلي لتنسد أفواه العروق لئلا ينزفه الدم فيؤدي إلى موته ولقوله A في سارق : [ اقطعوه واحسموه ] رواه الدارقطني وقال ابن المنذر : في إسناده مقال .
وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام لحديث فضالة بن عبيد [ أن النبي A أتي بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه ] رواه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو : ضعيف وفعل ذلك علي Bه بالذي قطعه ولأنه أبلغ في الزجر .
فإن عاد قطعت رجله لحديث أبي هريرة مرفوعا في السارق : [ إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ] ولأنه قول أبي بكر وعمر ولا مخالف لهما من الصحابة .
اليسرى قياسا على القطع في المحاربة ولأنه أرفق به ليتمكن من المشي على خشبة ولو قطعت يمناه لم يمكنه ذلك قاله في الكافي .
من مفصل كعبه بترك عقبه لما روي عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم ويترك له عقبا يمشي عليها .
فإن عاد لم يقطع وحبس حتى يموت أو يتوب [ لأن عمر Bه أتي برجل أقطع الزند والرجل قد سرق فأمر به عمر : أن تقطع رجله فقال علي : إنما قال الله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } [ المائدة : 33 ] الآية وقد قطعت يده هذا ورجله فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها إما أن تعزره إما أن تستودعه السجن فاستودعه السجن ] رواه سعيد وعن سعيد المقبري قال : [ حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق فقال لأصحابه : ما ترون في هذا ؟ قالوا : اقطعه يا أمير المؤمنين قال : قتله إذا وما عليه القتل بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شئ يتوضأ للصلاة ؟ ! بأي شيء يغتسل من جنابته ؟ ! بأي شيء يقوم لحاجته ؟ فرده إلى السجن أياما ثم أخرجه فاستشار أصحابه فقالوا مثل قولهم الأول وقال لهم مثل ما قال أولا فجلده جلدا شديدا ثم أرسله ] رواه سعيد - وعنه : تقطع يده اليسرى فإن عاد فسرق رابعة قطعت رجله اليمنى وهو قول مالك والشافعي وابن المنذر قاله في الشرح لحديث أبي هريرة مرفوعا : [ من سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ] [ ولأن أبا بكر وعمر قطعا اليد اليسرى في المرة الثالثة ] قاله في الكافي .
ويجتمع القطع والضمان نص عليه لأنهما حقان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالدية والكفارة في قتل الخطإ .
فيرد ما أخذه لمالكه إن كان باقيا لأنه عين ماله وإن كان تالفا فعليه ضمانه لأنه مال آدمي تلف تحت يده عادية فوجب ضمانه .
ويعيد ما خرب من الحرز لأنه متعد .
وعليه أجرة القاطع وثمن الزيت لأن القطع حق وجب عليه الخروج منه فكانت مؤنته عليه كسائر الحقوق ولأن الحسم حفظ لنفسه عن التلف وقال في الكافي وغيره : ثمن الزيت وأجرة القاطع من بيت المال لأنهما من المصالح العامة