باب العاقلة .
وهي : ذكور عصبة الجاني نسبا وولاء قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم حتى عمودي نسبه في أشهر الروايتين لحديث أبي هريرة : [ قضى رسول الله A في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله A أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها ] وفي رواية : [ اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي A فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها ] متفق عليه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A : [ قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثون منها إلا ما فضل من ورثتها ] رواه الخمسة إلا الترمذي ولا خلاف بين أهل العلم أن العاقلة هم : العصبات وأن غيرهم من إخوة الأم وسائر ذوي الأرحام والزوج ليس من العاقلة قاله في شرح العمدة وذلك لأن القتل بذلك يكثر فإيجاب الدية على القاتل يجحف به ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم وينصرونه فاستوى قريبهم وبعيدهم في العقل وأما حديث - [ لا يجني عليك ولا تجني عليه ] - أي : إثم جنايتك لا يتخطاك إليه وبالعكس كقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } [ الإسراء : 15 ] وإذا ثبث العقل في عصبة النسب فكذا عصبة الولاء لعموم الخبر .
ولا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا إقرارا ولا صلحا لقول ابن عباس : [ لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ] حكاه عنه أحمد ولا يعرف له مخالف من الصحابة وروي عنه مرفوعا وقال عمر : [ العمد والعبد والصلح والإعتراف لا تعقله العاقلة ] رواه الدارقطني وقال الزهري : مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاؤوا رواه مالك في الموطأ وعلى هذا وأمثاله تحمل العمومات المذكورة وقال مالك : في الصبي والمرأة الذي لا مال لهما : إن جنى أحدهما جناية دون الثلث إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة إن كان لهما مال أخذ منه وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شئ ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه انتهى من الموطأ .
ولا ما دون ثلث دية ذكر مسلم لما روي عن عمر Bه : أنه قضى في الدية أن لا تحمل منها العاقلة شيئا حتى تبلغ عقل المأمومة ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني خولف في ثلث الدية فأكثر لإجحافه بالجاني لكثرته فيبقى ما عداه على الأصل إلا غرة جنين حرة مات مع أمه أو بعدها بجناية واحدة : فتحمل الغرة تبعا لدية الأم نص عليه لاتحاد الجناية .
ولا قيمة متلف لأن الأصل وجوب ضمان الأموال على متلفها كقيمة العبد والدابة .
وتحمل الخطأ وشبه العمد لما تقدم .
مؤجلا في ثلاث سنين لما روي عن عمر وعلي أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين وروي نحوه عن ابن عباس ولا مخالف لهم في عصرهم من الصحابة ولأنها تحمل ما يجب مواساة فاقتضت الحكمة تخفيفه عليها .
وابتداء حول القتل من الزهوق والجرح من البرء لأنه وقت استقرار الوجوب وما يحمله كل واحد منهم غير مقدر فيرجع إلى اجتهاد الحاكم فيحمل على كل إنسان ما يسهل عليه نص عليه لأن ذلك مواساة للجاني وتخفيف عنه فلا يشق على غيره ولا يزال الضرر بالضرر .
ويبدأ بالأقرب فالأقرب كالإرث لأنه حكم معلق بالعصبات فقدم فيه الأقرب كالولاية فيقسم على الآباء والأبناء في المختار ثم الإخوة ثم بنيهم ثم الأعمام ثم بنيهم ثم أعمام الأب ثم بنيهم وهكذا حتى ينقرضوا وإن اتسعت أموال الأقربين لحمل العقل : لم يتجاوزهم وإلا انتقل إلى من يليهم .
ولا يعتبر أن يكونوا وارثين لمن يعقلون عنه بل متى كانوا يرثون لو لا الحجب عقلوا لما سبق .
ولا عقل على فقير لأنه ليس من أهل المواساة ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفا على الجاني فلا تثقل على من لا جناية منه .
وصبي ومجنون وامرأة ولو معتقة لأنهم ليسوا من أهل النصرة والمعاضدة قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المرأة والذي لم يبلغ لا يعقلان وأن الفقير لا يلزمه شئ انتهى وخطأ الإمام والحاكم في أحكامهما في بيت المال لا تحمله عاقلتهما لأنه يكثر فيجحف بالعاقلة وخطؤهما في غير حكم : كرميهما صيدا فيصيبا آدميا على عاقلتهما كخطإ غيرهما وعنه : على عاقلتهما بكل حال لحديث عمر المتقدم في التي أجهضت جنينها .
ومن لا عاقلة له أو له وعجزت فلا دية عليه وتكون في بيت المال كدية من مات في زحمة : كجمعة وطواف [ لأنه A ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال ] ولأن المسلمين يرثون من لا وارث له فيعقلون عنه عند عدم عاقلته وعجزها .
فإن تعذر الأخذ منه سقطت لأنها تجب ابتداء على العاقلة دون القاتل فلا يطالب بها غير العاقلة وعنه : تجب في مال القاتل : لعموم قوله تعالى : { ودية مسلمة إلى أهله } [ النساء : 92 ] قال في المقنع : وهو أولى من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال لأنها تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة انتهى