باب نفقة الأقارب والمماليك .
من الآدميين والبهائم أجمعوا على وجوب نفقة الوالدين والمولودين حكاه ابن المنذر وغيره لقوله تعالى : { وبالوالدين إحسانا } [ الإسراء : 23 ] ومن الإحسان إليهما : الإنفاق عليهما عند حاجتهما وقال تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } [ البقرة : 233 ] وعن عائشة مرفوعا : [ إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه ] رواه أبو داود ولحديث هند المتقدم .
ويجب على القريب نفقة أقاربه وكسوتهم وسكناهم بالمعروف .
لقوله تعالى : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } [ البقرة : 233 ] ثم قال : { وعلى الوارث مثل ذلك } [ البقرة : 233 ] فأوجب على الأب نفقة الرضاع ثم أوجب على الوارث مثل ذلك وروى أبو داود [ أن رجلا سأل النبي A من أبر ؟ قال : أمك وأباك وأختك وأخاك ] وفي لفظ [ ومولاك الذي هو أدناك حقا واجبا ورحما موصولا ] [ وقضى عمر Bه على بني عم منفوس بنفقته ] احتج به أحمد .
بثلاثة شروط .
الأول : أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب لأنها مواساة فلا تستحق مع الغناء عنها كالزكاة .
الثاني أن يكون المنفق غنيا إما بماله أو كسبه وأن يفضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته وكسوتهم وسكناهم لحديث جابر مرفوعا : [ إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى قرابته ] .
وفي لفظ [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] صححه الترمذي ولأن وجوب نفقة القريب على سبيل المواساة فيجب أن تكون في الفاضل عن الحاجة الأصلية .
الثالث أن يكون وارثا لهم بفرض أو تعصيب للآية .
إلا الأصول والفروع فتجب لهم وعليهم مطلقا أي : سواء ورثوا أو لا لعموم ما تقدم ويدخل الأجداد وأولاد الأولاد في اسم الآباء والأولاد قال تعالى : { ملة أبيكم إبراهيم } [ الحج : 78 ] وقال : { يا بني آدم } [ الأعراف : 31 ] وغيرها { يا بني إسرائيل } [ البقرة : 40 ] وغيرها وقال النبي A في الحسن [ إن ابني هذا سيد ] ولأن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة أشبه الولد والوالدين الأقربين .
وإذا كان للفقير ورثة دون الأب فنفقته على قدر إرثهم منه لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث بقوله : { وعلى الوارث مثل ذلك } [ البقرة : 233 ] فوجب أن يرتب مقدار النفقة على مقدار الإرث .
ولا يلزم الموسر منهم مع فقر الآخر سوى قدر إرثه لأن ذلك القدر هو الواجب عليه يسار الآخر فلا يتحمل عن غيره إذا لم يجد الغير ما يجب عليه .
ومن قدر على الكسب أجبر عليه .
لنفقة من تجب عليه نفقته .
من قريب وزوجة لأن تركه مع قدرته عليه تضيع لمن يعول وهو منهي عنه ولا تجبر امرأة على نكاح لنفقة على قريبها الفقير .
ومن لم يجد ما يكفي الجميع بدأ بنفسه لحديث [ ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ] .
فزوجته لأن نفقتها معاوضة فقدمت على ما وجب مواساة ولذلك تجب مع يسارهما وإعسارهما بخلاف نفقة القريب .
فرقيقه لوجوبها مع اليسار والإعسار كنفقة الزوجة .
فولده لوجوب نفقته بالنص .
فأبيه لانفراده بالولاء واستحقاقه الأخذ من مال ولده وقد أضافه إليه بقوله E [ أنت ومالك لأبيك ] .
فأمه لأن لها فضيلة الحمل والرضاع والتربية وقيل : الأم أحق لما روي [ أن رجلا قال : يا رسول الله : من أبر ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : أباك متفق عليه وقيل : هما سواء لتساويهما في القرابة .
فولد ابنه فجده فأخيه ثم الأقرب فالأقرب لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت : يا رسول الله : من أبر ؟ قال : أمك قلت : ثم من ؟ قال : أمك قلت : ثم من ؟ قال أمك قلت : ثم من ؟ قال : أباك ثم الأقرب فالأقرب ] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وعن طارق المحاربي مرفوعا : [ إبدأ بمن تعول : أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك ] رواه النسائي ولأن النفقة صلة وبر ومن قرب أولى بالبر ممن بعد .
ولمستحق النفقة أن يأخذ ما يكفيه من مال من تجب عليه بلا إذنه لحديث هند السابق وقيس عليه سائر من تجب له النفقة .
وحيث امتنع منها زوج أو قريب وأنفق أجنبي بنية الرجوع رجع لأنه قام عنه بواجب كقضاء دينه .
ولا نفقة مع اختلاف الدين بقرابة ولو من عمودي نسب لأنهما لا يتوارثان .
إلا بالولاء فتجب للعتيق على معتقه بشرطه وإن باينه في دينه لأنه يرثه مع ذلك فدخل في عموم قوله تعالى : { وعلى الوارث مثل ذلك } [ البقرة : 233 ]