باب الوليمة وآداب الأكل .
وليمة العرس سنة مؤكدة [ لأنه A فعلها - كما في حديث أنس - وأمر بها عبد الرحمن بن عوف حين قال له : تزوجت فقال له : أولم ولو بشاة ] متفق عليهما .
قال في الشرح : وليست واجبة في قول الأكثر .
والإجابة إليها في المرة الأولى واجبة إن كان لا عذر ولا منكر .
قال ابن عبد البر : لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو لقوله A : [ شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ] وعن ابن عمر مرفوعا : [ أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها ] [ وكان ابن عمر يأتي الدعوى في العرس وغير العرس ويأتيها وهو صائم ] متفق عليهما وإن علم أن في الدعوى منكرا : كزمر وخمر وآلة لهو وأمكنه الإنكار حضر وأنكر لأنه يجمع بين واجبين : إجابة أخيه المسلم وإزالة المنكر وإن لم يمكنه الإنكار لم يحضر لحديث ابن عمر مرفوعا : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ] رواه أحمد .
وفي الثانية : سنة وفي الثالثة : مكروهة لحديث : [ الوليمة أول يوم : حق والثاني : معروف والثالث : رياء وسمعة ] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وإنما تجب الإجابة للوليمة .
إذا كان الداعي مسلما يحرم هجره بخلاف نحو رافضي ومتجاهر بمعصية .
وكسبه طيب فإن كان في ماله حرام كرهت إجابته ومعاملته وقبول هديته وهبته وصدقته .
وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته جزم به في المغني و الشرح وغيرهما .
وإن دعاه اثنان فأكثر وجبت عليه إجابة الكل إن أمكنه الجمع بأن اتسع الوقت .
وإلا يمكن الجمع .
أجاب : الأسبق قولا لوجوب إجابته بدعائه فلا يسقط بدعاء من بعده .
فالأدين لأنه الأكرم عند الله .
فالأقرب رحما لما في تقديمه من صلته .
فجوارا لقوله A : [ إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق ] رواه أحمد وأبو داود .
ثم يقرع إن استويا أو استووا في ذلك فيقدم من خرجت له القرعة لأنها تميز المستحق عند استواء الحقوق .
ولا يقصد بالإجابة نفس الأكل بل ينوي الإقتداء بالسنة وإكرام أخيه المؤمن ولئلا يظن به التكبر رجاء أن يثاب على نيته .
ويستحب أكله ولو صائما تطوعا لما روي أنه A : [ كان في دعوة وكان معه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية فقال A : دعاكم أخوكم وتكلف لكم كل يوما ثم صم يوما مكانه إن شئت ] .
إلا صوما واجبا فلا لأنه يحرم قطعه لقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } [ محمد : 33 ] وعن أبي هريرة مرفوعا : [ إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائما فليدع وإن كان مفطرا فليطعم ] رواه أبو داود ويستحب إعلامهم بصيامه لأنه يروى عن عثمان وابن عمر وليعلموا عذره وتزول التهمة .
وينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة لتنقلب العادة عبادة .
ويحرم الأكل بلا إذن صريح أو قرينة ولو من بيت قريبه أو صديقه لحديث ابن عمر مرفوعا : [ من دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا ] رواه أبو داود وقال في الآداب : ويباح الأكل من بيت القريب والصديق من مال غير محرز عنه إذا علم أو ظن رضي صاحبه بذلك نظرا إلى العادة والعرف .
والدعاء إلى الوليمة وتقديم الطعام إذن في الأكل حديث أبي هريرة مرفوعا : [ إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فذلك إذن لك ] رواه أحمد وأبو داود وقال ابن مسعود : [ إذا دعيت فقد أذن لك ] رواه أحمد .
ويقدم ما حضر من الطعام من غير تكلف لما روى أحمد في المسند : [ أن سلمان دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده فقال : لو لا أن رسول الله A نهانا - أو قال : لو لا أنا نهينا - أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك ] ويباح النثار والتقاطه [ لأنه A : نحر خمس بدنات وقال : من شاء اقتطع ] رواه أحمد وأبو داود وهذا جار مجرى النثار لأنه نوع إباحة وعنه : يكره [ لأنه A نهى عن النهبى والمثلة ] رواه أحمد والبخاري ولأن فيه دناءة وخبر البدنات يدل على إباحته في الجملة ومن أخذ منه شيئا ملكه لأنه نوع إباحة أشبه ما يأكله الضيفان وإن قسم على الحاضرين كان أولى بلا خلاف لقول أبي هريرة : [ قسم النبي A يوما بين أصحابه تمرا فأعطى كل إنسان سبع تمرات ] الحديث رواه البخاري وفرق الإمام أحمد على الصبيان الجوز لكل واحد خمسة خمسة لما حذق ابنه حسن .
ولا يشرع تقبيل الخبز لحديث عائشة : [ دخل علي رسول الله A فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال : يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم ] رواه ابن ماجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له بنحوه ولفظه : [ أحسني جوار نعم الله عليك ] قال في الآداب : فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان .
وتكره إهانته ومسح يديه به ووضعه تحت القصعة نص عليه لما تقدم وكره أحمد الخبز الكبار وقال : ليس فيه بركة ويجوز قطع اللحم بالسكين لما روى البخاري : [ أنه A كان يحتز من كتف شاة ] الحديث احتج به أحمد وسئل عن حديث النهي عنه فقال : ليس بصحيح