كتاب الوصايا .
الأصل فيها : الكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } الآية [ البقرة : 180 ] وقال تعالى : { من بعد وصية يوصى بها أو دين } [ النساء : 11 ] وأما السنة فحديث ابن عمر وسعد وغيرهما وأجمعوا على جوازها قال ابن عبدالبر : أجمعوا على أنها غير واجبة إلا على من عليه حق بغير بينة إلا طائفة شذت فأوجبتها روي عن الزهري وأبي مجلز وهو قول داود ولنا : أن أكثر الصحابة لم يوصوا ولم ينقل بذلك نكير وأما الآية : قال ابن عباس وابن عمر : [ نسختها آية الميراث ] وحيث ابن عمر : محمول على من عليه واجب قاله في الشرح .
تصح الوصيه من كل عاقل لم يعاين الموت لأن أبا بكر وصى بالخلافة لعمر ووصى بها عمر لأهل الشورى ولم ينكره من الصحابة منكر وعن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال : أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة : منهم عثمان والمقداد وعبدالرحمن بن عوف وابن مسعود فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أيتامهم من ماله فإن عاين الموت لم تصح وصيته لأنه لا قول له وفي الحديث [ ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ] قال في شرح مسلم : - إما من عنده أو حكاية عن الخطابي - والمراد : قاربت بلوغ الحلقوم إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته ولا صدقته ولا شئ من تصرفاته باتفاق الفقهاء .
ولو مميزا [ لأن صبيا من غسان أوصى إلى أخواله فرفع إلى عمر فأجاز وصيته ] رواه سعيد وفي الموطأ نحوه وفيه ان الوصية بيعت بثلاثين ألفا وهذه قصة إشتهرت فلم تنكر وقال شريح وعبدالله بن عتبة : من أصاب الحق أجزنا وصيته .
أو سفيها لأنه إنما حجر عليه لحفظ ماله وليس في وصيته إضاعة له لأنه إن عاش فهو له وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب وقد حصله .
وأما الطفل والمجنون فلا تجوز وصيتهما في قول أكثر أهل العلم قاله في الشرح وتصح الوصية بلفظ مسموع من الموصي بلا خلاف وبخط لحديث ابن عمر - ويأتي - [ وكتب A إلى عماله وكذا الخلفاء إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج مختومة لا يدرى حاملها ما فيها ] وذكر أبو عبيد إستخلاف سليمان عمر بن عبدالعزيز قال : ولا نعلم أحدا أنكر ذلك مع شهرته فيكون إجماعا قاله في الشرح وعن أنس [ كانوا يكتبون في صدور وصاياهم : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به فلان ابن فلان : يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب : { يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] ] رواه سعيد ورواه الدارقطني بنحوه .
ويجب العمل بالوصية إذا ثبتت ولو طالت مدتها ما لم يعلم رجوعه عنها لأن حكمها لا يزول بتطاول الزمان .
فتسن الوصية .
بخمس من ترك خيرا - وهو المال الكثير عرفا قال ابن عباس [ وددت لو أن الناس غضوا من الثلث ] لقول النبي A [ والثلث كثير ] متفق عليه وعن إبراهيم : كانوا يقولون : صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع رواه سعيد وأوصى أبو بكر الصديق بالخمس وقال : رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } [ الأنفال : 41 ] وقال علي Bه لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع وعن العلاء قال : أوصى أبي أن أسال العلماء أي الوصية أعدل ؟ فما تتابعوا عليه فهو وصية فتتابعوا على الخمس .
وتكره لفقير له ورثة محتاجون لقوله A : [ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ] .
وتباح له إن كانوا أغنياء نص عليه في رواية ابن منصور .
وتجب على من عليه حق بلا بينة لحديث ابن عمر مرفوعا : [ ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه ] متفق عليه .
وتحرم على من له وارث بزائد عن الثلث [ لنهيه A سعدا عن ذلك ] متفق عليه وعن عمران بن حصين [ أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فجزأهم النبي A أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق إثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا ] رواه الجماعة إلا البخاري .
ولوارث بشئ مطلقا نص عليه لقوله A : [ لا وصية لوارث ] رواه احمد وأبو داود والترمذي وحسنه .
وتصح الوصية بزائد عن الثلث ولوارث مع الحرمة .
وتقف على إجازة الورثة لحديث ابن عباس مرفوعا : [ لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا نحوه رواهما الدارقطني ولأن المنع لحق الورثة فإذا رضوا بإسقاطه نفذ قال ابن المنذر : أجمعوا على أنها تبطل فيما زاد على الثلث برد الورثة وبردهم في الوصية للوارث وإن أجازوا جازت في قول الأكثر ذكره في الشرح .
وتصح الوصية ممن لا وارث له بجميع ماله روي عن ابن مسعود وعبيدة ومسروق لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث وهو معدوم .
والإعتبار بكون ممن وصى أو وهب وارثا أو لا عند الموت أي : موت موص وواهب قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا .
وبالإجازة أو الرد بعده أي : بعد موته وما قبله لا عبرة به نص عليه .
فإن امتنع الموصى له بعد موت الموصي من القبول ومن الرد حكم عليه بالرد وسقط حقه من الوصية لعدم قبوله ولأن الملك متردد بينه وبين الورثة فأشبه من تحجر مواتا وامتنع من إحيائه .
وإن قبل ثم رد لزمت ولم يصح الرد لأن ملكه قد إستقر عليها بالقبول كسائر أملاكه إلا أن يرضى الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تعتبر شروطها .
وتدخل في ملكه من حين قبوله كسائر العقود لأن القبول سبب دخوله في ملكه والحكم لا يتقدم سببه فلا يصح تصرفه في العين الموصى بها قبل القبول ببيع ولا هبة ولا غيرهما لعدم ملكه لها .
فما حدث من نماء منفصل قبل ذلك فلورثته أي : ورثة الموصي والنماء المتصل يتبعها كسائر العقود والفسوخ .
وتبطل الوصية بخمسة أشياء : .
1 - برجوع الموصي لقول عمر Bه : يغير الرجل ما شاء في وصيته .
بقول كرجعت في وصيتي أو أبطلتها ونحوه .
أو فعل يدل عليه أي : على الرجوع كبيعه ما وصى به ورهنه وهبته قال في الشرح : واتفق أهل العلم على أن له أن يرجع في كل ما أوصى به وفي بعضه إلا العتق فالأكثر على جواز الرجوع قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه : أنه إذا أوصى لرجل بطعام أو بشئ فأتلفه أو وهبه أو بجارية فأحبلها أنه رجوع .
2 - بموت الموصى له قبل الموصي في قول الأكثر قاله في الشرح لأنها عطية صادفت المعطى ميتا فلم تصح إلا إن كانت بقضاء دينه لبقاء إشتغال الذمة حتى يؤدى الدين .
3 - بقتله للموصي قتلا مضمونا ولو خطأ لأنه يمنع الميراث وهو آكد منها فهي أولى .
4 - برده للوصية بعد موت الموصي لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه .
5 - بتلف العين المعينه الموصى بها قبل قبول موصى له لأن حقه لم يتعلق بغيرها قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه على أن الرجل إذا أوصي له بشئ فهلك الشئ أنه لا شئ له في مال الميت