باب الهبة .
وهي التبع بالمال في حال الحياة خرج الوصية .
وهي مستحبة لقوله A : [ تهادوا تحابوا ] وهي أفضل من الوصية لحديث أبي هريرة [ سئل النبي A أي الصدقة أفضل ؟ قال : أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ] رواه مسلم بمعناه .
منعقدة بكل قول يدل على الهبة بأن يقول : وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك ونحوه .
أو فعل يدل عليها [ لأنه A كان يهدي ويهدى إليه ويعطي ويعطى ويفرق الصدقات ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها ] وكان أصحابه يفعلون ذلك ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول ولو كان شرطا لنقل عنهم نقلا متواترا أو مشهورا ولأن دلالة الرضى بنقل الملك تقوم مقام الإيجاب والقبول .
وشروطها ثمانية : .
1 - كونها من جائز التصرف وهو الحر المكلف الرشيد .
2 - كونه مختارا غير هازل فلا تصح من مكره ولا هازل .
3 - كون الموهوب يصح بيعه إختاره القاضي وقدمه في الفروع لأنه عقد يقصد به تمليك العين أشبه البيع قال في الكافي : وتجوز هبة الكلب وما يجوز الإنتفاع به من النجاسات لأنه تبرع فجاز في ذلك كالوصية ولا تجوز في مجهول ولا عجوز عن تسليمه .
4 - كون الموهوب له يصح تمليكه فلا تصح لحمل لأن تمليكه تعليق على خروجه حيا والهبة لا تقبل التعليق .
5 - كونه يقبل ما وهب له بقول أو فعل يدل عليه لما تقدم .
قبل تشاغلهما بما يقطع البيع عرفا على ما تقدم تفصيله .
6 - كون الهبة منجزة فلا تصح معلقه كإذا قدم زيد فهذا لعمرو لأنها تمليك لمعين في الحياة فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع إلا تعليقها بموجب الواهب فيصح وتكون وصية وأما قوله A لأم سلمة - [ إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة علي فإن ردت فهي لك ] الحديث رواه أحمد - فوعد لا هبة .
7 - كونها غيرمؤقتة كوهبتكه شهرا أو سنة لأنه تعليق لإنتهاء الهبة فلا تصح معه كالبيع .
لكن لو وقتت بعمر أحدهما كقوله جعلتها لك عمرك أو حياتك أو عمري .
لزمت ولغى التوقيت لقوله A : [ أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حيا وميتا ولعقبه ] رواه أحمد ومسلم وفي لفظ [ قضى رسول الله A بالعمرى لمن وهبت له ] متفق عليه وعن جابر [ أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخل حياتها فماتت فجاء إخوته فقالوا نحن فيه شرع سواء قال : فأبى فاختصموا إلى النبي A فقسمها بينهم ميراثا ] رواه أحمد .
والرقبى : أن يقول : إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فهي لك قال مجاهد : هي أن يقول : هي للآخر منى ومنك موتا سميت رقبى لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه ففيها روايتان إحداهما : هي لازمة لا تعود إلى الأول لعموم الأخبار ولقوله A [ لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته ] رواه أحمد ومسلم وفي حديث جابر مرفوعا : [ العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها ] رواه الخمسة وهو قول جابر بن عبدالله وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبدالملك قال في الشرح ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافيا لحكم الأملاك ولأنه شرط رجوعها على غير الموهوب له وهو وارثه بعد ما زال ملك الموهوب له فلم يؤثر كما لو شرط بعد لزوم العقد شرطا ينافي مقتضاه وعنه : ترجع إلى المعمر والمرقب لقوله A [ المؤمنون عند شروطهم ] وسئل القاسم عنها فقال : ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا وقال جابر : [ إنما العمرى الذي أجاز رسول الله A أن يقول : هي لك ولعقبك فأما إذا قال : هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها ] متقق عليه وأجيب عنه بأنه من قول جابر نفسه فلا يعارض ما روي عن النبي A وقول القاسم لا يقبل في مقابلة من سمينا من الصحابة والتابعين فكيف في مخالفة سيد المرسلين ؟ ! قاله في الشرح .
وكونها بغير عوض فإن كانت بعرض معلوم فبيع يثبت فيها الخيار والشفعة وضمان العهدة وعنه : يغلب فيها حكم الهبة فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به لقول عمر : [ من وهب هبة أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها ] رواه مالك في الموطأ وعن أبي هريرة مرفوعا [ الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها ] رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وقال أحمد : إذا وهب على وجه الإثابة فلا يجوز له إلا أن يثيبه منها .
وبعوض مجهول فباطلة كالبيع بثمن مجهول فترد بزيادتها المتصلة والمنفصلة وإن تلفت ضمنها ببدلها وعنه : تصح ويعطيه ما يرضيه أو يردها ويحتمل أن يعطيه قيمتها فإن لم يفعل فللواهب الرجوع لما روى عن عمر قاله في الكافي .
ومن أهدى ليهدى له أكثر فلا بأس لحديث [ المستعذر يثاب من هبة ] لغير النبي A لقوله تعالى : { ولا تمنن تستكثر } [ المدثر : 6 ] ولما فيه من الحرص والمضنة .
ويكره رد الهبة وإن قلت لحديث ابن مسعود مرفوعا : [ لا تردوا الهدية ] رواه أحمد .
بل السنة أن يكافى أو يدعو لحديث [ من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ] رواه أحمد وغيره وحكى أحمد في رواية مثنى عن وهب قال : ترك المكافآت من التطفيف وقاله مقاتل .
وإن علم أنه أهدى حياء وجب الرد قاله ابن الجوزي قال في الآداب : وهو قول حسن لأن المقاصد في العقود عندنا معتبرة