باب الشفعة .
وهي ثابتة بالسنة والإجماع أما السنة فحديث جابر مرفوعا : [ قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم ] الحديث متفق عليه وقال ابن المنذر : أجمعوا على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط .
لا شفعة لكافر على مسلم نص عليه لحديث أنس أن النبي قال : [ لا شفعة لنصراني ] رواه الدارقطني في كتاب العلل .
وتثبت للشريك فيما انتقل عنه ملك شريكه بشروط خمسة : الأول : كونه مبيعا صريحأ أو ما في معناه كصلح عن إقرار بمال أو عن جناية توجبه وهبة بعوض معلوم لأنه بيع في الحقيقة لحديث جابر [ هو أحق به بالثمن ] رواه الجوزجاني .
فلا شفعة فيما انتقل عنه ملكه بغير بيع كموهوب بغير عوض وموصى به وموروث في قول عامة أهل العلم قاله في الشرح لأنه مملوك بغير مال ولأن الخبر ورد في البيع وهذه ليست في معناه ويحرم التحيل لإسقاطها قال أحمد : لا يجوز شئ من الحيل في إبطالها ولا إبطال حق مسلم وعن أبي هريرة مرفوعا : [ لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ] .
الثاني : كونه مشاعا من عقار لحديث جابر مرفوعا : [ الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ] رواه الشافعي وعنه أيضا [ إنما جعل رسول الله A الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ] رواه أبو داود .
فلا شفعة للجار لما تقدم وبه قال عثمان و ابن المسيب ومالك والشافعي وحديث أبي رافع مرفوعا : [ الجار أحق بصقبه ] رواه البخاري وأبو داود قال في القاموس : أحق بصقبه أي : بما يليه ويقرب منه أجيب عنه بأنه أبهم الحق ولم يصرح به أو أنه محمول على أنه أحق بالفناء الذي بينه وبين الجار ممن ليس بجار أويكون مرتفقا به وحديث الحسن عن سمرة مرفوعا : [ جار الدار أحق بالدار ] صححه الترمذي أجيب عنه باختلاف أهل الحديث في لقاء الحسن لسمرة ولو سلم لكان عنه الجوابان المذكوران أو أنه أريد بالجار في الأحاديث الشريك فإنه جار أيضا والشريك أقرب من اللصيق كما أطلق على الزوجة لقربها قال ابن القيم في الإعلام : والصواب أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة وإلا فلا نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره الشيخ تقي الدين وحديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه فإنه قال : الجار أحق بصقبه ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا انتهى بمعناه .
ولا فيما ليس بعقار كشجر وبناء مفرد وحيوان وجوهر وسيف ونحوها لأنه لا يبقى على الدوام ولا يدوم ضرره بخلاف الأرض .
و يؤخذ الغرس والبناء تبعا للأرض لا نعلم فيه خلافا قاله في المغني لحديث جابر : [ قضى رسول الله A بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أوحائط ] الحديث رواه مسلم .
الثالث : طلب الشفعة ساعة يعلم فإن أخر الطلب لغير عذر سقطت نص عليه قال : الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم لحديث ابن عمر مرفوعا : [ الشفعة كحل العقال ] رواه ابن ماجة وفي لفظ : [ الشفعة كنشط العقال إن قيدت ثبتت وإن تركت فاللوم على من تركها ] ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري لكونه لا يستقر ملكه على المبيع ولا يتصرف فيه بعمارة خوفا من أخذه بالشفعة وضياع عمله .
والجهل بالحكم عذر إذا أخر الطلب جهلا بأن التأخير يسقط الشفعة - ومثله يجهله - لم تسقط لأن الجهل مما يعذر به أشبه ما لو تركها لعدم علمه بها .
الرابع : أخذ جميع المبيع دفعا لضرر المشتري بتبعيض الصفقة في حقه بأخذ بعض المبيع مع أن الشفعة على خلاف الأصل دفعا لضرر الشركة والضرر لا يزال بالضرر .
فإن طلب أخذ البعض مع بقاء الكل سقطت شفعته لما تقدم .
والشفعة بين الشفعاء على قدر أملاكهم لأنها حق يستفاد بسبب الملك فكانت على قدر الأملاك وإن تركها بعضهم فليس للباقي إلا أخذ الجميع حكاه ابن المنذر إجماعا وإن كان المشتري شريكا فهي بينه وبين الآخر لأنهما تساويا في الشركة فتساويا فى الشفعة وبه قال الشافعي وحكي عن الحسن و الشعبي : لا شفعة للآخر لأنها لدفع ضرر الداخل قاله في الشرح .
الخامس : سبق ملك الشفيع لرقبة العقار بأن كان مالكا لجزء منه قبل البيع لأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر عن الشريك فإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه .
فلا شفعة لأحد اثنين اشتريا عقارا معا إذ لا سبق .
وتصرف المشتري بعد أخذ الشفيع بالشفعة باطل لانتقال الملك للشفيع بالطلب .
وقبله صحيح لأنه ملكه وثبوت حق التملك للشفيع لا يمنع من تصرفه فإن باعه فللشفيع أخذه بأحد البيعين وإن وهبه أو وقفه أو تصدق به أو جعله صداقا ونحوه فلا شفعة لأن فيه إضرارا بالمأخوذ منه إذا لأن ملكه يزول عنه بغير عوض والضرر لا يزال بالضرر .
ويلزم الشفيع أن يدفع للمشتري الثمن الذي وقع عليه العقد لحديث جابر مرفوعا : [ هو أحق به بالثمن ] رواه الجوزجاني في المترجم .
فإن كان فمثله كدراهم ودنانير وحبوب وأدهان من جنسه لأنه مثله من طريق الصورة والقيمة فهو أولى به مما سواه .
أو متقوما كحيوان وثياب ونحوها .
فقيمته لأنها بدله في الإتلاف وتعتبر وقت الشراء لأنه وقت استحقاق الأخذ سواء زادت أو نقصت بعده .
فإن جهل الثمن أي : قدره كصبرة تلفت أواختلطت بما لا تتميز منه .
ولا حيلة سقطت الشفعة لأنها لا تستحق بغير بدل ولايمكن أن يدفع إليه ما لا يدعيه .
وكذا تسقط الشفعة .
إن عجز الشفيع ولو عن بعض الثمن وانتظر ثلاثة أيام ولم يأت به لأنه قد يكون معه نقد فيمهل بقدر ما يعده والثلاث يمكن الإعداد فيها غالبا فإذا لم يأت به فيها ثبت عجزه نص عليه