باب الصلح .
وأحكام الصلح ثابتة بالإجماع لقوله تعالى : { والصلح خير } [ النساء : 128 ] وعن أبي هريرة مرفوعا : [ الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ] رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه .
يصح ممن يصح تبرعه لأ نه تبرع فلم يصح إلا من جائز التصرف ولا يصح من ولي يتيم ومجنون وناظر وقف لأنه تبرع ولا يملكونه إلا في حال الإ نكار وعدم البينة لأن استيفاء البعض عند العجز أولى من تركه قاله في الشرح .
مع الإقرار والإنكار على ما يأتي .
فإذا أقر للمدعي بدين أو عين ثم صالح على بعض الدين أو بعض العين المدعاة فهو هبة يصح بلفظها لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط حقه أو بعضه قال أحمد : ولو شفع فيه شافع لم يأثم [ لأن النبي A كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر ] .
لا بلفظ الصلح لأن معناه : صالحني عن المئة بخمسين - أي : بعني - وذلك غير جائز لأنه ربا وهضم للحق وأكل مال بالباطل وإن منعه حقه بدونه لم يصح لذلك .
وإن صالحه على عين غير المدعاة فهو بيع يصح بلفط الصلح كسائر المعاوضات .
وتثبت فيه أحكام البيع على ما سبق .
فلو صالحه عن الدين بعين واتفقا في علة الربا اشترط قبض العوض في المجلس وبشئ في الذمة يبطل بالتفرق قبل القبض لأ نه إذا بيع دين بدين وقد نهي عنه قال في الكافي : وذلك ثلاثة أضرب أحدها : أن يعترف له بنقد فيصالحه على نقد فهذا صرف يعتبر له شروطه الثاني : أن يعترف له بنقد فيصالحه على عرض أو بالعكس فهذا بيع تثبت فيه أحكامه كلها الثالث : أن يعترف له بنقد أو عرض فيصالحه على منفعة كسكنى دار وخدمة فهذه إجارة تثبت فيها أحكامها انتهى .
وإن صالح عن عيب في المبيع صح الصلح لأنه يجوز أخذ العوض عنه .
فلو زال العيب سريعا بلا كلفة ولا تعطيل نفع على مشتر كزوجة بانت ومريض عوفي رجع بما دفعه لحصول الجزء الفائت من المبيع بلا ضرر فكأنه لم يكن .
أو لم يكن أي : العيب كنفاخ بطن أمة ظنه حملا ثم ظهرالحال .
رجع بما دفعه لأنه تبين عدم استحقاقه .
ويصح الصلح عما تعذر علمه من دين أو عين كرجلين بينهما معاملة وحساب مضى عليه زمن ولا علم لواحد منهما بما عليه لصاحبه لما روى أحمد وأبو داود [ أن النبي A قال لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما : استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه ] ولأنه إسقاط حق فصح فىالمجهول للحاجة ولئلا يفضي إلى ضياع المال أو بقاء شغل الذمة إذ لا طريق إلى التخلص إلا به فأما ما تمكن معرفته فلا يجوز قال الإمام أحمد : إذا صولحت امرأة من ثمنها لم يصح واحتج بقول شريح : أيما امرأة صولحت من ثمنها لم يتبين لها ما ترك زوجها فهي الريبة كلها وقال : وإن ورث قوم مالا ودورا وغير ذلك فقال بعضهم نخرجك من الميراث بألف درهم أكره ذلك ولا يشترى منها شئ وهي لا تعلم لعلها تظن أنه قليل وهو يعلم أنه كثير إنما يصالح الرجل الرجل على الشئ لا يعرفه أو يكون رجلا يعلم ما له عند رجل والآخر لا يعلمه فيصالحه فأما إذا علم فلم يصالحه ؟ ! إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به قال معناه في الشرح و الكافي وصححه في الإنصاف وقطع به في الاقناع قال في الفروع : وهو ظاهر نصوصه انتهى والمشهور أنه يصح لقطع النزاع كبراءة من مجهول قدمه في الفروع وجزم به في التنقيح وحكاه في التلخيص عن الأصحاب .
وأقر لي بديني وأعطيك منه كذا فأقر لزمه الدين لأنه لا عذر لمن أقر ولأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره .
ولم يلزمه أن يعطيه لوجوب الاقرار عليه بلا عوض قال في الشرح : وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح كرهه ابن عمر وقال : نهى عمر أن تباع العين بالدين وكرهه ابن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو حنيفة وروي عن ابن عباس وابن سيرين والنخعي : أنه لا بأس به وعن الحسن وابن سيرين : أنهما كانا لا يريان بأسا بالعروض أن يأخذها عن حقه قيل محله وإذا صالحه عن ألف حالة بنصفها مؤجلا اختيارا منه صح الإسقاط ولم يلزم التأجيل لأن الحال لا يتأجل انتهى