باب عقد الذمة .
عقد الذمة جائز لأهل الكتاب ومن تدين بدينهم على أن تجرى بيسر عليهم أحكام المسلمين .
لا تعقد إلا لأهل الكتاب وهم : اليهود والنصارى ومن تدين بدينهم كالسامرة يتدينون بشريعة موسى ويخالفون اليهود في فروع دينهم .
وكالفرنج : وهم الروم ويقال لهم بنو الأصفر والأشبه أنها لفظة مولدة نسبة إلى فرنجة : بفتح أوله وسكون ثالثه : هي جزيرة من جزائر البحر النسبة إليها : فرنجي فروع والصابئين والروم والأرمن وغيرهم ممن انتسب إلى شريعة موسى والأصل في ذلك قوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] وقوله المغيرة يوم نهاوند : [ أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية ] رواه البخاري وفي حديث بريدة : [ ادعهم إلى أحد خصال ثلاث : ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ] رواه مسلم .
أو لمن لهم شبهة كتاب كالمجوس لأنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع فذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم بأخذ الجزية منهم وعن عبد الرحمن بن عوف أن النبي A قال : [ سنوا بهم سنة أهل الكتاب ] رواه الشافعي [ ولأنه A أخذ الجزية من مجوس هجر ] رواه البخاري وغيره ولا يجوز عقدها إلا من الامام أو نائبه قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا ولأنه عقد مؤبد فعقده من غير الإمام افتئات عليه .
ويجب على الإمام عقدها لعموم ما سبق .
حيث أمن مكرهم فإن خاف غائلتهم إذا تمكنوا بدار الإسلام فلا لحديث [ لا ضرر ولا ضرار ] .
والتزموا لنا بأربعة أحكام أحدها : أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون في كل حول للآية .
الثاني : أن لا يذكروا دين الإسلام إلا بالخير لما روي أنه قيل لابن عمر : إن راهبا يشتم رسول الله A فقال : لو سمعته لقتلته إنا لم نعط الأمان على هذا .
الثالث : أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين لحديث [ لا ضرر ولا ضرار ] .
الرابع : أن تجري عليهم أحكام الإسلام في حقوق الآدميين في العقود والمعاملات وأروش الجنايات وقيم المتلفات لقوله تعالى : { وهم صاغرون } [ التوبة : 29 ] قيل الصغار : جريان أحكام المسلمين عليهم .
في نفس ومال وعرض وإقامة حد فيما يحرمونه كالزنى لا فيما يحلونه كالخمر لحديث أنس [ أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها فقتله رسول الله A ] متفق عليه وعن ابن عمر [ أن النبي A أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما ] وقيس الباقي ولأنهم التزموا أحكام الإسلام وهذه أحكامه ويقرون على ما يعتقدون حله كخمر ونكاح ذات محرم لكن يمنعون من إظهاره لتأذي المسلمين لأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم جرما .
ولا تؤخذ الجزية من امراة وخنثى وصبي ومجنون قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافا لقوله A لمعاذ : [ خذ من كل حالم دينارا أو عدله معافري ] رواه الشافعي في مسنده وروى أسلم أن عمر Bه كتب إلى أمراء الأجناد لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان ولا تضربرها إلا على من جرت عليه المواسي أي من نبتت عانته لأن المواسي إنما تجري على من أنبت : أراد من بلغ الحلم من الكفار رواه سعيد والخنثى : لا يعلم كونه رجلا فلا تجب عليه مع الشك والمجنون فما معنى الصبي فقيس عليه .
وقن لما روي عن عمر أنه قال : لا جزية على مملوك .
وزمن وأعمى وشيخ فان وراهب بصومعته لأن دماءهم محقونة أشبهوا النساء والصبيان .
ومن أسلم منهم بعد الحول سقطت عنه الجزية نص عليه لحديث ابن عباس مرفوعا : [ ليس على المسلم جزية ] رواه أحمد وأبو داود وقال أحمد : قد روي عن عمر أنه قال : إن أخذها في كفه ثم أسلم ردها وروى أبوعبيد : أن يهوديا أسلم فطولب بالجزية وقيل : إنما أسلمت تعوذا قال إن في الإسلام معاذا فرفع إلى عمر فقال عمر : إن في الإسلام معاذا وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية وفي قدر الجزية ثلاث روايات : إحداهن يرجع إلى ما فرضه عمر على الموسر : ثمانية وأربعون درهما وعلى المتوسط : أربعة وعشرون وعلى الفقير المعتمل : اثنا عشر فرضها عمر كذلك بمحضر من الصحابة وتابعه سائر الخلفاء بعده فصار إجماعا [ وقال ابن أبي نجيح : قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار ؟ قال : جعل ذلك من قبل اليسار ] رواه البخاري والثانية يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان والثالثة : تجوز الزيادة لا النقصان لأن عمر زاد على ما فرض رسول الله A ولم ينقص ويجوز أن يشرط عليهم مع الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين لما روى الأحنف بن قيس [ أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا القناطر وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته ] رواه أحمد وروى أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر رضى الله عنه فقالوا : إن المسلمين إذا مروا بنا كلفونا ذبح الغنم والدجاج في ضيافتهم فقال : أطعموهم مما تأكلون ولا تزيدوهم على ذلك