كتاب البيع .
جائز بالإجماع لقوله تعالى : { وأحل الله البيع } .
وهو في اللغة : أخذ شئ واعطاء شئ قاله ابن هبيرة مأخوذ من الباع لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للأخذ والإعطاء .
وشرعا : مبادلة مال ولو في الذمة بقول أو معاطاة والمال : عين مباحة النفع بلا حاجة أو منفعة مباحة مطلقا كممر في دار أو غيرها بمثل أحدهما متعلق بمبادلة أي بمال أو منفعة مباحة فتناول تسع صور : عين بعين أو دين أو منفعة ودين بعين أو دين بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق أو بمنفعة منفعة بعين أو دين أو منفعة .
وقوله : على التأبيد يخرج الإجارة غير ربا وقرض فلا يسميان بيعا وان وجدت فيهما المبادلة لقوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } .
والمقصود الأعظم في القرض الإرفاق وإن قصد فيه التملك أيضا .
وينعقد البيع بايجاب وقبول - بفتح القاف - وحكي ضمها بعده أي بعد الإيجاب فيقول البائع : بعتك أو ملكتك أو نحوه بكذا ويقول المشتري : ابتعت أو قبلت ونحوه .
و يصح القبول أيضا قبله أي قبل الإيجاب بلفظ أمر أو ماض مجرد عن استفهام ونحوه لأن المعنى حاصل به .
ويصح القبول متراخيا عنه أي عن الإيجاب ما داما في مجلسه لأن حالة المجلس كحالة العقد فان تشاغلا بما يقطعه عرفا أو انقضى المجلس قبل القبول بطل لأنهما صارا معرضين عن البيع وإن خالف القبول الإيجاب لم ينعقد .
وهي أي الصورة المذكورة أي الإيجاب والقبول الصيغة القولية للبيع .
و ينعقد أيضا بمعاطاة وهي الصيغة الفعلية مثل أن يقول : أعطني بهذا خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع : خذ هذا بدرهم فيأخذه المشتري أو وضع ثمنه عادة وأخذه عقبه فتقوم المعاطاة مقام الإيجاب والقبول للدلالة على الرضى لعدم التعبد فيه وكذا حكم الهبة والهدية والصدقة ولا بأس بذوق المبيع حال الشراء .
ويشترط للبيع سبعة شروط : .
أحدها التراضي منهما أي من المتعاقدين فلا يصح البيع من مكره بلا حق لقوله A : [ إنما البيع عن تراض ] رواه ابن حبان فإن أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه صح لأنه حمل عليه بحق وإن أكره على وزن مال فباع ملكه كره الشراء منه وصح .
و الشرط الثاني أن يكون العاقد وهو البائع والمشتري جائز التصرف أي حرا مكلفا رشيدا فلا يصح تصرف صبي وسفيه بغير إذن ولي فإن أذن صح لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى } أي اختبروهم وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليه ويحرم الإذن بلا مصلحة وينفذ تصرفهما في الشىء اليسير بلا إذن وتصرف العبد بإذن سيده .
و الشرط الثالث أن تكون العين المعقود عليها أو على منفعتها مباحة النفع من غير حاجة بخلاف الكلب لأنه إنما يقتنى لصيد أو حرث أو ماشية وبخلاف جلد ميتة ولو مدبوغا لأنه إنما يباح في يابس والعين هنا مقابل المنفعة فتتناول ما في الذمة كالبغل والحمار لأن الناس يتبايعون ذلك في كل عصر من غير نكير و ك دود القز لأنه حيوان طاهر يقتنى لما يخرج منه و كـ بزره لأنه ينتفع به في المال و كـ الفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد كالفهد والصقر لأنه يباح نفعها واقتناؤها مطلقا إلا الكلب فلا يصح بيعه لقول ابن مسعود : [ نهى النبى A عن ثمن الكلب ] متفق عليه ولا بيع آلة لهو وخمر ولو كانا ذميين والحشرات لا يصح بيعها لأنه لا نفع فيها الا علقا لمص الدم وديدانا لصيد السمك وما يصاد عليه كبومة شباشا والمصحف لا يصح بيعه ذكر في المبدع أن الأشهر لا يجوز بيعه قال أحمد : [ لا نعلم في بيع المصحف رخصة ] قال ابن عمر : [ وددت أن الأيدي تقطع في بيعها ] ولأن تعظيمه واجب وفي بيعه ابتذال له ولا يكره إبداله وشراؤه استنقاذا وفي كلام بعضهم يعني من كافر ومتقضاه أنه إن كان البائع مسلما حرم الشراء منه لعدم دعاء الحاجة إليه بخلاف الكافر ومفهوم التنقيح و المنتهى لا يصح بيعه لمسلم والميتة لا يصح بيعها لقوله A : [ إن الله حرم بيع الميتة والخمر والأصنام ] متفق عليه ويستثنى منها السمك والجراد و ل السرجين النجس لأنه كالميتة وظاهره أنه يصح بيع الطاهر منه قاله في المبدع و لا الأدهان النجسة ولا المتنجسة لقوله A : [ إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ] وللأمر بإراقته ويجوز الاستصباح بها أي بالمتنجسة على وجه لا تتعدى نجاسته كالانتفاع بجلد الميتة المدبوغ في غير مسجد لأنه يؤدي الى تنجيسه ولا يجوز الاستصباح بنجس العين ولا يجوز بيع سم قاتل .
و الشرط الرابع أن يكون العقد من مالك للمعقود عليه أو من يقوم مقامه كالوكيل والولي لقوله A لحكيم بن حزام : [ لا تبع ما ليس عندك ] رواه ابن ماجة والترمذ ي و صححه .
وخص منه المأذون فيه لقيامه مقام المالك .
فان باع ملك غيره بغير إذنه لم يصح ولو مع حضوره وسكوته ولو أجازه المالك ما لم يحكم به من يراه أو اشترى بعين ماله أي مال غيره شيئا بلا إذنه لم يصح ولو أجيز لفوات شرطه .
وإن اشترى له أي لغيره في ذمته بلا إذنه ولم يسمه في العقد صح العقد لأنه متصرف في ذمته وهي قابلة للتصرف ويصير ملكا لمن الشراء له من حين العقد بالاجازة لأنه اشترى لأجله ونزل المشتري نفسه منزلة الوكيل فملكه من اشتري له كما لو أذن ولزم العقد المشترى بعدمها أي عدم الإجازة لأنه لم يأذن فيه فتعين كونه للمشتري ملكا كما لو لم ينو غيره وإن سمى في العقد من اشترى له لم يصح وإن باع ما يظنه لغيره فبان وارثا أو وكيلا صح .
ولا يباع غير المساكن مما فتح عنوة كأرض الشام ومصر والعراق وهو قول عمر وعلي وابن عباس وابن عمر Bهم لأن عمر Bه وقفها علىالمسلمين وأما المساكن فيصح بيعها لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة قي زمن عمر وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير ولو كانت آلتها من أرض العنوة أوكانت موجودة حال الفتح وكأرض العنوة في ذلك ما جلوا عنه فزعا منا وما صولحوا علىأنه لنا ونقره معهم بالخراج بخلاف ما صولحوا على أنها لهم كالحيرة وأليس وبانقياء و أرض بني صلوبا من أراضي العراق فيصح بيعها كالتي أسلم أهلها عليها كالمدينة بل صح أن تؤجر أرض العنوة ونحوها لأنها مؤجرة في أيدي أربابها بالخراج المضروب عليها في كل عام وإجارة المؤجرة جائزة .
ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إجاراتها لما روى سعيد بن منصور عن مجاهد مرفوعا [ رباع مكة حرام بيعها حرام إجارتها ] وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا [ مكة لا تباع رباعها ولا تكرى بيوتها ] رواه الأثرم فإن سكن بأجرة لم يأثم بدفعها جزم به في المغني وغيره .
ولا يصح بيع نقع البئر وماء العيون لأن ماءها لا يملك لحديث : [ المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار ] رواه أبو داود وابن ماجة بل رب الأرض أحق به من غيره لأنه في ملكه .
ولا يصح بيع ما ينبت في أرضه من كلأ وشوك لما تقدم .
وكذا معادن جارية كنفط وملح .
وكذا لو عشش في أرضه طير لأنه لم يملكه به فلم يجز بيعه ويملكه آخذه لأنه من المباح لكن لا يجوز دخول ملك غيره بغير إذنه وحرم منع مستأذن بلا ضرر .
و الشرط الخامس أن يكون المعقود عليه مقدورا على تسليمه لأن ما لا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم فلم يصح بيعه .
فلا يصح بيع آبق علم خبره أو لا لما رواه أحمد عن أبي سعيد : [ أن رسول الله A نهى عن شراء العبد وهو آبق ] .
و لا بيع شارد و لا طير في هواء ولو ألف الرجوع إلا أن يكون بمغلق ولو طال زمن أخذه .
و لا بيع سمك في ماء لأنه غرر ما لم يكن مرئيا بمحوز يسهل أخذه منه لأنه معلوم يمكن تسليمه .
ولا يصح بيع مغصوب من غير غاصبه وقادر على أخذه من غاصبه لأنه لا يقدر على تسليمه فإن باعه من غاصبه أو قادر على أخذه صح لعدم الغرر فإن عجز بعد فله الفسخ .
و الشرط السادس أن يكون المبيع معلوما عند المتعاقدين لأن جهالة المبيع غرر ومعرفة المبيع إما برؤية له أو لبعضه الدال عليه مقارنة أو متقدمة بزمن لا يتغيرفيه المبيع ظاهرا ويلحق بذلك ما عرف بلمسه أو شمه أو ذوقه أو صفة تكفي في السلم فتقوم مقام الرؤية في بيع ما يجوز السلم فيه خاصة .
ولا يصح بيع الأنموذج بان يريه صاعا مثلا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه .
ويصح بيع الأعمى وشراؤه بالوصف واللمس والشم والذوق فيما يعرف به كتوكيله .
فان اشترى ما لم يره بلا وصف أو راه وجهله بأن لم يعلم ما هو أو وصف له بما لا يكفي سلما لم يصح البيع لعدم العلم بالمبيع .
ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين للجهالة فإن باع ذات لبن أوحمل دخلا تبعا .
ولا يباع مسك في فأرته أي الوعاء الذي يكون فيه للجهالة ولا نوى في تمره للجهالة و لا صوف على ظهر لنهيه A عنه في حديث ابن عباس ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه و لا بيع فجل ونحوه مما المقصود منه مستتر بالأرض قبل قلعه للجهالة .
ولا يصح بيع الملامسة بأن يقول : بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا أو يقول : أي ثوب لمسته فهو لك بكذا .
و لا بيع المنابذة كأن يقول : أي ثوب نبذته إلي أي طرحته فهو عليك بكذا لقول أبي هريرة : [ إن النبي A نهى عن الملامسة والمنابذة ] متفق عليه .
وكذا بيع الحصاة كارمها فعلى أي ثوب وقعت فلك بكذا ونحوه .
ولا بيع عبد غير معين من عبيد ونحوه كشاة من قطيع وشجرة من بستان للجهالة ولو تساوت القيم .
ولا يصح استثناؤه إلا معينا فلا يصح بعتك هؤلاء العبيد إلا واحدا للجهالة ويصح إلا هذا ونحوه [ لأنه A نهى عن الثنيا الا أن تعلم ] قال الترمذي : حديث صحيح .
وان استثى بائع من حيوان يؤكل رأسه وجلده وأطرافه صح [ لفعله A في خروجه من مكة إلى المدينة ] رواه أبو الخطاب فإن امتنع المشتري من ذبحه لم يجبر بلا شرط ولزمته قيمته على التقريب وللمشتري الفسخ بعيب يختص هذا المستثنى .
وعكسه أي عكس استثناء الأطراف في الحكم استثناء الشحم والحمل ونحوه مما لا يصح إفراده بالبيع فيبطل البيع باستثنائه وكذا لو استثنى منه رطلا من لحم أو نحوه .
ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبطيخ وبيض لدعاء الحاجة لذلك ولكونه مصلحة لفساده بإزالته .
و يصح بيع الباقلاء ونحوه كالحمص والجوز واللوز في قشره يعني ولوتعدد قشره لأنه مفرد مضاف فيعم وعبارة الأصحاب في قشريه لأنه مستور بحائل من أصل الخلقة أشبه الرمان .
و يصح بيع الحب المشتد في سنبله لأنه A جعل الاشتداد غاية للبيع وما بعد الغاية يخالف ما قبلها فوجب زوال المنع .
و الشرط السابع : أن يكون الثمن معلوما للمتعاقدين - أيضا - كما تقدم لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالمبيع فان باعه برقمه أي ثمنه المكتوب - عليه وهما يجهلانه أو أحدهما - لم يصح للجهالة .
أو باعه بألف درهم ذهبا وفضة لم يصح لأن مقدار كل جنس منهما مجهول .
أو باعه بما ينقطع به السعر أي بما يقف عليه من غير زيادة لم يصح للجهالة .
أو باعه بما باع به زيد وجهلاه أو جهله أحدهما لم يصح البيع للجهل بالثمن .
وكذا لو باعه كما يبيع الناس أو بدينار أو درهم مطلق وثم نقود متساوية رواجا وإن لم يكن إلا واحدا وغلب صح وصرف إليه ويكفي علم الثمن بالمشاهدة كصبرة من دراهم أو فلوس ووزن صنجة وملء كيل مجهولين .
وإن باع ثوبا أو صبرة وهي الكومة المجموعة من الطعام أو باع قطيعا كل ذراع من الثوب بكذا أو كل قفيز من الصبرة بكذا أو كل شاة من القطيع بدرهم صح البيع ولو لم يعلما قدر الثوب والصبرة والقطيع لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهي الكيل والعد والذرع .
وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح لأن [ من ] للتبعيض و [ كل ] للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما سبق لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة وكذا لو باعه من الثوب كل ذراع بكذا أو من القطيع كل شاة بكذا لم يصح لما ذكر .
أو باعه بمائة درهم إلا دينارا لم يصح * 4 وعكسه بأن باع بدينار أو دنانير إلا درهما لم يصح لأن قيمة المستثنى مجهولة فيلزم الجهل بالثمن إذ استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا .
أو باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه كهذه الفرس وما في بطن أخرى ولم يقل : كل منهما بكذا لم يصح البيع لأن الثمن يوزع على المبيع بالقيمة والمجهول لا يمكن تقويمه فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم وكذا لو باعه بمائة ورطل خمر وإن قال كل منهما : بكذا صح في المعلوم بثمنه للعلم به فان لم يتعذر علم مجهول أبيع مع معلوم صح في المعلوم بقسطه من الثمن لعدم الجهالة وهذه مسائل تفريق الصفقة الثلاث .
والثانية أشار إليها بقوله : ولو باع مشاعا بينه وبين غيره كعبد مشترك بينهما أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساويين لهما صح البيع في نصيبه بقسطه من الثمن لفقد الجهالة في الثمن لانقسامه على الأجزاء ولم يصح في نصيب شريكه لعدم إذنه .
والثالثة ذكرها بقوله : وان باع عبده وعبد غيره بغير إذنه أو باع عبدا وحرا أو باع خلا وخمرا صفقة واحدة بثمن واحد صح البيع في عبده بقسطه وقي الخل بقسطه من الثمن لأن كل واحد منهما له حكم يخصه فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما ويقدر خمر خلا وحر عبدا ليتقسط الثمن ولمشتر الخيار إن جهل الحال بين إمساك مايصح فيه البيع بقسطه من الثمن وبين رد المبيع لتبعيض الصفقة عليه وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه أو باع عبديه لاثنين أو اشترى عبدين من اثنين أو وكيلهما بثمن واحد صح وقسط الثمن على قيمتيهما وكبيع إجارة ورهن وصلح ونحوها