باب صفة الحج والعمرة .
يسن للمحلين بمكة وقربها حتى متمتع حل من عمرته الاحرام بالحج يوم التروية - وهو ثامن ذي الحجة - سمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه الماء لما بعده قبل الزوال فيصلي بمنى الظهر مع الإمام .
ويسن أن يحرم منها أي من مكة والأفضل من تحت الميزاب .
ويجزئ إحرامه من بقية الحرم ومن خارجه ولا دم عليه والمتمتع إذا عدم الهدي وأراد الصوم سن له أن يحرم يوم السابع ليصوم الثلاثة محرما .
ويبيت بمنى ويصلي مع الإمام استحبابا فإذا طلعت الشمس من يوم عرفة سار من منى إلى عرفة فأقام بنمرة إلى الزوال يخطب بها الإمام أو نائبه خطبة قصيرة مفتتحة بالتكبير يعلمهم فيها الوقوف ووقته والدفع منه والمبيت بمزدلفة .
وكلها أي كل عرفة موقف إلا بطن عرنة لقوله A : [ كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة ] رواه ابن ماجة .
وسن أن يجمع بعرفة من له الجمع بين الظهر والعصر تقديما و أن يقف راكبا مستقبل القبلة عند الصخرات وجبل الرحمة لقول جابر : [ إن النبي A جعل بطن ناقته القصوى إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ] .
ولا يشرع صعود جبل الرحمة ويقال له : جبل الدعاء .
ويكثر الدعاء بما ورد كقوله : [ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري ] .
ويكثر الاستغفار والتضرع والخشوع وإظهار الضعف والافتقار ويلح في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة .
ومن وقف أي حصل بعرفة ولو لحظة أو نائما أو مارا أو جاهلا أنها عرفة من فجر يوم عرفة إلى فجر يوم النحر وهو أهل له أي للحج بأن يكون محرما بالحج ليس سكرانا ولا مجنونا ولا مغمى عليه صح حجه لأنه حصل بعرفة في زمن الوقوف وإلا يقف بعرفة أو وقف في غير زمنه أو لم يكن أهلا للحج فلا يصح حجه لفوات الوقوف المعتد به .
ومن وقف بعرفة نهارا ودفع منها قبل الغروب ولم يعد إليها قبله أي قبل الغروب ويستمر بها إليه فعليه دم أي شاة لأنه ترك واجبا فإن عاد إليها واستمر للغروب أو عاد قبل الفجر فلا دم عليه لأنه أتى بالواجب وهو الوقوف بالليل والنهار .
ومن وقف ليلا فقط فلا دم عليه قال في شرح المقنع : لا نعلم فيه خلافا لقول النبي A : [ من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج ] .
ثم يدفع بعد الغروب مع الإمام أو نائبه على طريق المأزمين إلى مزدلفة - وهي ما بين المأزمين ووادي محسر - ويسن كون دفعه بسكينة لقوله A : [ أيها الناس السكينة السكينة ] .
ويسرع في الفجوة لقول أسامة : [ كان رسول الله A يسير العنق فإذا وجد فجوة نص ] أي أسرع لأن العنق انبساط السير والنص فوق العنق .
ويجمع بها أي بمزدلفة بين العشاءين أي يسن لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصل إلى مزدلفة فيجمع بين المغرب والعشاء من يجوز له الجمع قبل حط رحله وإن صلى المغرب بالطريق ترك السنة وأجزأه ويبيت بها وجوبا لأن النبي A بات بها وقال : [ خذوا غي مناسككم ] .
وله الدفع من مزدلفة قبل الإمام بعد نصف الليل لقول ابن عباس : [ كنت فيمن قدم النبي A في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى ] متفق عليه .
و الدفع قبله أي قبل نصف الليل فيه دم على غير سقاة ورعاة سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا عامدا أو ناسيا كوصوله إليها أي إلى مزدلفة بعد الفجر فعليه دم لأنه ترك نسكا واجبا لا إن وصل إليها قبله أي قبل الفجر فلا دم عليه وكذا إن دفع مزدلفة قبل نصف الليل وعاد إليها قبل الفجر لا دم عليه .
فاذا أصبح بها صلى الصبح بغلس ثم أتى المشعر الحرام - وهو جبل صغير بالمزدلفة - سمي بذلك لأنه من علامات الحج - فرقاه أو يقف عنده ويحمد الله يكبره ويهلله ويقرأ : { فإذا أفضتم من عرفات } ويدعو حتى يسفر لأن في حديث جابر أن النبي A لم يزل واقفا عند المشعر الحرام حتى أسفر جدا فإذا أسفر سار قبل طلوع الشمس بسكينة .
فإذا بلغ محسرا - وهو واد بين مزدلفة ومنى - سمي بذلك لأنه يحسر سالكه أسرع قدر رمية حجر إن كان ماشيا وإلا حرك دابته لأنه A لما أتى بطن محسر حرك قليلا كما ذكره جابر .
وأخذ الحصا أي حصا الجمار من حيث شاء وكان ابن عمر يأخذ الحصا من جمع وفعله سعيد بن جبير وقال : كانوا يتزودون الحصا من جمع .
والرمي تحية منى فلا يبدأ قبله بشئ .
وعدده أي عدد حصا الجمار سبعون حصاة كل واحدة بين الحمص والبندق كحصا الحذف فلا تجزئ صغيرة جدا ولا كبيرة ولا يسن غسله .
فاذا وصل إلى منى وهي من وادى محسر إلى جمرة العقبة بدأ بجمرة العقبة فـ رماها بسبع حصيات متعاقبات واحدة بعد واحدة فلو رمى دفعة لم يجزئه إلا عن واحدة ولا يجزئ الوضع برفع يده اليمنى حال الرمي حتى يرى بياض إبطه لأنه أعون على الرمي ويكبر مع كل حصاة ويقول : اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا .
ولا يجزى الرمي بغيرها أي غير الحصا كجوهر وذهب ومعادن .
ولا يجزئ الرمي بها ثانيا لأنها استعملت في عبادة فلا تستعمل ثانيا كماء الوضوء .
ولا يقف عند جمرة العقبة بعد رميها لضيق المكان وندب أن يستبطن الوادي وأن يستقبل القبلة وأن يرمي على جانبه الأيمن وإن وقعت الحصاة خارج المرمى ثم تدحرجت فيه أجزأت .
ويقطع التلبية قبلها لقول الفضل بن عباس : [ إن النبي A لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ] لما أخرجاه في الصحيحين .
ويرمي ندبا بعد طلوع الشمس لقول جابر : [ رأيت رسول الله A يرمي الجمرة ضحى يوم النحر وحده ] أخرجه مسلم .
ويجزئ رميها بعد نصف الليل من ليلة النحر لما روى أبو داود عن عائشة أن النبي A أمر أم سلمة ليلة النحر فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت فإن غربت شمس يوم الأضحى قبل رميه رمى من غد بعد الزوال .
ثم ينحر هديا إن كان معه واجبا كان أو تطوعا فإن لم يكن معه هدي وعليه واجب اشتراه وإن لم يكن عليه واجب سن له أن يتطوع به واذا نحر الهدي فرقه على مساكين الحرم .
ويحلق ويسن أن يستقبل القبلة ويبدأ بشقه الأيمن أو يقصر من جميع شعره لا من كل شعرة بعينها ومن لبد رأسه أو ضفره أو عقصه فكغيره وبأي شئ قصر الشعر أجزأه وكذا إن نتفه أو أزاله بنورة لأن القصد إزالته لكن السنة الحلق أو التقصير .
وتقصر منه المرأة أي من شعرها قدر أنملة فأقل لحديث ابن عباس يرفعه [ ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير ] رواه أبو داود فتقصر من كل قرن قدر أنملة أو أقل وكذا العبد ولا يحلق إلا بإذن سيده وسن لمن حلق أو قصر أخذ ظفر وشارب وعانة وإبط .
ثم إذا رمى وحلق أو قصر فقد حل له كل شيء كان محظورا بالإحرام إلا النساء وطءا ومباشرة وقبلة ولمسا لشهوة وعقد نكاح لما روى سعيد عن عائشة مرفوعا [ إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء ] .
ثم يفيض إلى مكة ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة طواف الزيارة ويقال : طواف الإفاضة فيعينه بالنية وهو ركن لا يتم حج إلا به فظاهره أنهما لا يطوفان للقدوم ولو لم يكونا دخلا مكة قبل وكذا المتمتع يطوف للزيارة فقط كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد واختاره الموفق والشيخ تقي الدين وابن رجب ونص الإمام واختاره الأكثر أن القارن والمفرد إن لم يكونا دخلاها قبل يطوفان للقدوم برمل ثم للزيارة وأن المتمتع يطوف للقدوم ثم للزيارة بلا رمل .
وأول وقته أي وقت طواف الزيارة بعد نصف ليلة النحر لمن وقف قبل ذلك بعرفات وإلا فبعد الوقوف .
ويسن فعله في يومه لقول ابن عمر : [ أفاض رسول الله A يوم النحر ] متفق عليه .
ويستحب أن يدخل البيت فيكبر في نواحيه ويصلي فيه ركعتين بين العمودين تلقاء وجهه ويدعو الله D .
وله تأخيره أي تأخير الطواف عن أيام منى لأن آخر وقته غير محدود كالسعي .
ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا لأن سعيه أولا كان للعمرة فيجب أن يسعى للحج أو كان غيره أي غير متمتع بأن كان قارنا أو مفردا ولم يكن سعى مع طواف القدوم فإن كان سعى بعده لم يعده لأنه لا يستحب التطوع بالسعي كسائر الأنساك غير الطواف لأنه صلاة .
ثم قد حل له كل شيء حتى النساء وهذا هو التحلل الثاني .
ثم يشرب من ماء زمزم لما أحب ويتضلع منه ويرش على بدنه وثوبه ويستقبل القبلة ويتنفس ثلاثا ويدعو بما ورد فيقول : بسم الله اللهم اجعله لنا علما نافعا ورزقا واسعا وربا وشبعا وشفاءا من كل داء واغسل به قلبي واملأه من خشيتك وحكمتك .
ثم يرجع من مكة بعد الطواف والسعي ف يصلي ظهر يوم النحر بمنى و يبيت بمنى ثلاث ليال إن لم يتعجل وليلتين إن تعجل في يومين ويرمي الجمرات أيام التشريق فيرمي الجمرة الأولى وتلي مسجد الخيف سبع حصيات متعاقبات يفعل ذلك كما تقدم في جمرة العقبة ويجعلها أي الجمرة عن يساره ويتأخر قليلا بحيث لا يصيبه الحصا ويدعو طويلا رافعا يديه .
ثم يرمي الوسطى مثلها بسبع حصيات ويتأخر قليلا ويدعو طويلا لكن يجعلها عن يمينه ثم يرمي جمرة العقبة بسبع كذلك ويجعلها عن يمينه ويستبطن الوادي ولا يقف عندها يفعل هذا الرمي للجمار الثلاث على الترتيب والكيفية المذكورين في كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال فلا يجزئ قبله ولا ليلا لغير سقاة ورعاة والأفضل الرمي قبل صلاة الظهر ويكون مستقبل القبلة في الكل مرتبا أي يجب ترتيب الجمرات الثلاث على ما تقدم .
فإن رماه كله أي رمى حصا الجمار السبعين كله في اليوم الثالث من أيام التشريق أجزأه الرمي أداء لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي ويرتبه بنيته فيرمي لليوم الأول بنية ثم للثاني مرتبا وهلم جرا كالفوائت من الصلاة .
فإن أخره أي الرمي عنه أي عن ثالث أيام التشريق فعليه دم أو لم يبت بها أي بمنى فعليه دم لأنه ترك نسكا واجبا ولا مبيت على سقاة ورعاة .
ويخطب الإمام ثاني أيام التشريق خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير والتوديع .
ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب ولا إثم عليه وسقط عنه رمي اليوم الثالث ويدفن حصاه وإلا يخرج قبل الغروب لزمه المبيت والرمي من الغد بعد الزوال قال ابن المنذر : وثبت عن عمر أنه قال : [ من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس ] .
فإذا أراد الخروج من مكة بعد عوده إليها لم يخرج حتى يطوف للوداع إذا فرغ من جميع أموره لقول ابن عباس : [ أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت طوافا إلا أنه خفف عن المرأة الحائض ] متفق عليه ويسمى طواف الصدر .
فإن أقام بعد طواف الوداع أو اتجر بعده أعاده إذا عزم على الخروج وفرغ من جميع أموره ليكون آخر عهده بالبيت كما جرت العادة في توديع المسافر أهله وإخوانه .
وإن تركه أي طواف الوداع غير حائض رجع إليه بلا إحرام إن لم يبعد عن مكة ويحرم بعمرة إن بعد عن مكة فيطوف ويسعى للعمرة ثم للوداع فإن شق الرجوع على من بعد عن مكة دون مسافة قصر أو بعد عنها مسافة قصر فأكثر فعليه دم ولا يلزمه الرجوع إذا أو لم يرجع إلى الوداع فعليه دم لتركه نسكا واجبا .
وإن أخر طواف الزيارة ونصه : أو القدوم فطافه عند الخروج أجزأ عن طواف الوداع لأن المأمور به أن يكون آخر عهده بالبيت وقد فعل فإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة .
ولا وداع على حائض ونفساء إلا أن تطهر قبل مفارقة البنيان .
ويقف غير الحائض والنفساء بعد الوداع في الملتزم وهو أربعة أذرع بين الركن الذي به الحجر الأسود والباب ويلصق به وجهه وصدره وذراعيه وكفيه مبسوطتين داعيا بما ورد ومنه : [ اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري وهذا أوان انصرافي إن أنت أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقي طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شئ قدير ] ويدعو بما أحب ويصلي على النبي A ويأتي الحطيم أيضا وهو تحت الميزاب فيدعو ثم يشرب من ماء زمزم ويستلم الحجر ويقبله ثم يخرج .
وتقف الحائض والنفساء ببابه أي باب المسجد وتدعو بالدعاء الذي سبق .
وتستحب زيارة قبر الني A وقبر صاحبيه Bهما لحديث [ من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ] رواه الدارقطني فيسلم عليه مستقبلا له ثم يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره ويدعو بما أحب .
ويحرم الطواف بها ويكره التمسح بالحجرة ورفع الصوت عندها واذا أدار وجهه إلى بلده قال : لا إله إلا الله آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده .
وصفة العمرة أن يحرم بها من الميقات إذا كان مارا أو من أدنى الحل كالتنعيم من مكي ونحوه ممن بالحرم .
و لا يجوز أن يحرم بها من الحرم لمخالفة أمره A وينعقد وعليه دم .
فإذا طاف وسعى وحلق أو قصر حل لإتيانه بأفعالها .
وتباح العمرة كل وقت فلا تكره بأشهر الحج ولا يوم النحر أو عرفة ويكره الإكثار والموالاة بينها باتفاق السلف قاله في المبدع .
ويستحب تكرارها في رمضان لأنها تعدل حجة .
وتجزىء العمرة من التنعيم وعمرة القارن عن العمرة الفرض التي هي عمرة الإسلام