فصل .
غسل الميت المسلم وتكفينه فرض كفاية لقول النبي A في الذي وقصته راحلته : [ اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ] متفق عليه عن ابن عباس .
والصلاة عليه فرض كفاية لقوله A : [ صلوا على من قال : لا إله إلىلله ] رواه الخلال والدارقطني وضعفه ابن الجوزي .
ودفنه فرض كفاية لقوله تعالى : { ثم أماته فأقبره } قال ابن عباس : معناه : أكرمه بدفنه وحمله أيضا فرض كفاية واتباعه سنة .
وكره الإمام للغاسل والحفار أخذ أجرة على عمله إلا أن يكون محتاجا فيعطى من بيت المال فان تعذر أعطي بقدر عمله قاله في المبدع والأفضل أن يختار - لتغسيله ثقة عارف بأحكامه .
فأولى الناس بغسله وصيه العدل لأن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ثم أبوه لاختصاصه بالحنو والشفقة ثم جده وإن علا لمشاركته ا لأب في المعنى ثم الأقرب فالأقرب من عصباته فيقدم .
الابن ثم ابنه وإن نزل ثم الأخ لأبوين ثم الأخ لأب على ترتيب الميراث ثم ذوو أرحامه كالميراث ثم الأجانب .
وأجنبي أولى من زوجة وأمة وأجنبية أولى من زوج وسيد وزوج أولى من سيد وزوجة أولى من أم ولد .
و 1لأولى بغسل أنثى وصيتها العدل ثم القربى فالقربى من نسائها فتقدم أمها وان علت ثم بنتها وإن نزلت ثم القربى كالميراث وعمتها وخالتها سواء وكذا بنت أخيها وبنت أختها لاستوائهما في القرب والمحرمية .
ولكل واحد من الزوجين إن لم تكن الزوجة ذمية غسل صاحبه لما تقدم عن أبي بكر وروى ابن المنذر أن عليا غسل فاطمة ولأن أثار النكاح من عدة الوفاة والإرث باقية فكذا الغسل ويشمل ما قبل الدخول وإنها تغسله وإن لم تكن في عدة كما لو ولدت عقب موته والمطلقة الرجعية إذا أبيحت .
وكذا سيد مع سريته أي أمته المباحة له ولو أم ولد .
ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين فقط ذكرا كان أو أنثى لأنه لا عورة له ولأن إبراهيم ابن النبي A غسله النساء فتغسله مجردا بغير سترة وتمس عورته وتنظر إليها .
وان مات رجل بين نسوة ليس فيهن زوجة ولا أمة مباحة له يمم أو عكسه بأن ماتت امرأة بين رجال ليس فيهم زوج ولا سيد لها يممت كخنثى مشكل لم تحضره أمة له فييمم لأنه لا يحصل بالغسل من غير مس تنظيف ولا إزالة نجاسة بل ربما كثرت وعلم منه أنه لا مدخل للرجال في غسل الأقارب من النساء ولا بالعكس .
ويحرم أن بغسل مسلم كافرا وأن يحمله أو يكفنه أو يتبع جنازته كالصلاة عليه لقوله تعالى : { لا تتولوا قوما غضب الله عليهم } أويدفنه للآية بل يواري وجوبا لعدم من يواريه لإلقاء قتلى بدر في القليب .
ويشترط لغسله طهورية ماء وإباحته وإسلام غاسل إلا نائبا عن مسلم نواه وعقله ولو مميزا أو حائضا أو جنبا .
وإذا أخذ أي شرع في غسله سترعورته وجوبا وهي ما بين سرته وركبته وجرده ندبا لأنه أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وغسل النبي A في قميص لأن فضلاته طاهرة فلم يخش تنجيس قميصه وستره عن العيون تحت ستر في خيمة أو بيت إن أمكن لأنه أستر له .
ويكره لغير معين في غسله حضوره لأنه ربما كان في الميت ما لا يحب اطلاع أحد عليه والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين .
ثم يرفع رأسه أي رأس الميت غير أنثى حامل إلى قرب جلوسه بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره ويعصر بطنه برفق ليخرج ما هو مستعد للخروج ويكون هناك بخور ويكثر صب الماء حينئذ ليدفع ما يخرج بالعصر ثم يلف الغاسل على يده .
خرقة فينجيه أي يمسح فرجه بها ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل كحال الحياة لأن التطهير يمكن بدون ذلك .
ويستحب أن لا يمس سائره إلا بخرقة لفعل علي مع النبي A فحينئذ يعد الغاسل خرقتين : إحداهما للسبيلين والأخرى لبقية بدنه ثم يوضيه ندبا كوضوئه للصلاة لما روت أم عطية أن النبي A قال في غسل ابنته : [ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ] رواه الجماعة وكان ينبغي تأخيره عن نية الغسل كما في المنتهى وغيره .
ولايدخل الماء في فيه ولا في أنفه خشية تحريك النجاسة ويدخل اصبعيه إبهامه وسبابته مبلولتين أي عليهما خرقة مبلولة بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه وفي منخريه فينظفهما بعد غسل كفي الميت فيقوم المسح فيهما مقام غسلهما خوف تحريك النجاسة بدخول الماء جوفه ولا يدخلهما أي الفم والأنف الماء لما تقدم .
ثم ينوي غسله لأنه طهارة تعبدية فاشترطت لها النية كغسل الجنابة ويسمى وجوبا لما تقدم .
ويغسل برغوة السدر المضروب رأسه ولحيته فقط لأن الرأس أشرف الأعضاء والرغوة لا تتعلق بالشعر .
ثم يغسل شقه الأيمن ثم شقه الأيسر للحديث السابق .
ثم يغسله كله أي يفيض الماء على جميع بدنه بفعل ما تقدم ثلاثا إلا الوضوء ففي المرة الأولى فقط يمر في كل مرة من الثلاث يده على بطنه ليخرج ما تخلف فإن لم ينق بثلاث غسلات زيد حتى ينقي ولو جاوز السبع .
وكره اقتصاره في غسله على مرة إن لم يخرج منه شئ فيحرم الاقتصار ما دام يخرج شئ على ما دون السبع وسن قطع على وتر ولا تجب مباشرة الغسل فلو ترك تحت ميزاب ونحوه وحضر من يصلح لغسله ونوى وسمى وعمه الماء كفى .
ويجعل في الغسلة الأخيرة ندبا كافورا وسدرا لأنه يصلب الجسد ويطرد عنه الهوام برائحته .
والماء الحار يستعمل إذا احتيج إليه والاشنان يستعمل إذا احتيج إليه والخلال يستعمل إذا احتيج إليه فإن لم يحتج إليها كرهت .
ويقص شاربه ويقلم أظفاره ندبا إن طالا ويؤخذ شعر إبطيه ويجعل المأخوذ معه كعضو ساقط وحرم حلق رأس وأخذ عانة كختن .
ولا يسرح شعره أي يكره ذلك لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه .
ثم ينشف ندبا بثوب كما فعل به A .
ويضفر ندبا شعرها أي الأنثى ثلاثة قرون ويسدل وراءها لقول أم عطية : [ فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها ] رواه البخاري .
وإن خرج منه أي الميت شئ بعد سبع غسلات حشي المحل بقطن ليمنع الخارج كالمستحاضة فإن لم يستمسك بالقطن فبطين حر أي خالص لأن فيه قوة تمنع الخارج .
ثم يغسل المحل المتنجس بالخارج ويوضأ الميت وجوبا كالجنب إذا أحدث بعد الغسل وإن خرج منه شئ بعد تكفينه لم يعد الغسل دفعا للمشقة ولا بأس بقول غاسل له : انقلب يرحمك الله ونحوه .
ولا يغسله في حمام .
ومحرم بحج أو عمرة ميت كحي يغسل بماء وسدر لا كافور ولا يقرب طيبا مطلقا ولا يلبس ذكر مخيطا من قميص ونحوه لا يغطى رأسه ولا وجه أنثى محرمة ولا يؤخذ شئ من شعرهما أو ظفرهما لما في الصحيحين من حديث ابن عباس : أن النبي A قال في محرم مات : [ غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولاتحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] .
ولا تمنع معتدة من طيب وتزال اللصوق لغسل واجب إن لم يسقط من جسده شئ بإزالتها فيمسح عليها كجبيرة الحي ويزال خاتم ونحوه ولو ببرده .
ولا يغسل شهيد معركة ومقتول ظلما ولو انثيين أو غير مكلفين [ لأنه A في شهداء أحد أمر بدفنهم بدمائهم ولم يغسلهم ] وروى أبو داود عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله A يقول : [ من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ] وصححه الترمذي .
إلا أن يكون الشهيد أو المقتول ظلما جنبا أو وجب عليهما الغسل لحيض أو نفاس أو إسلام .
ويدفن وجوبا بدمه إلا أن تخالطه نجاسة فيغسلا و في ثيابه التي قتل فيها بعد نزع السلاح والجلود عنه لما روى أبو داود وابن ماجة عن ابن عباس : [ أن النبي A أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم ] .
وإن سلبها كفن بغيرها وجوبا ولا يصلى عليه للأخبار لكونهم أحياء عند ربهم .
وإن سقط من دابته أو شاهق بغير فعل العدو أو وجد ميتا ولا أثر به أو مات حتف أنفه أو برفسة أو عاد سهمه عليه أو حمل فأكل أو شرب أو نام أو تكلم أو بال أو عطس أو طال بقاؤه عرفا غسل وصلي عليه كغيره .
ويغسل الباغي ويصلى عليه ويقتل قاطع الطريق ويغسل ويصلى عليه ثم يصلب .
والسقط إذا بلغ أربعة أشهر غسل وصلي عليه وإن لم يستهل لقوله A : [ والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ] رواه أحمد وأبو داود .
وتستحب تسميته فإن جهل أذكر هو أم أنثى سمي بصالح لهما ومن تعذر غسله لعدم الماء أو غيره كالحرق والجذام والتبضيع يمم كالجنب إذا تعذر عليه الغسل وإن تعذر غسل بعضه غسل ما أمكن ويمم للباقي .
و يجب على الغاسل ستر ما رآه من الميت إن لم يكن حسنا فيلزمه ستر الشر لا إظهار الخير ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء لا نشهد إلا لمن شهد له النبي A ويحرم سوء الظن بمسلم ظاهر العدالة ويستحب ظن الخير بالمسلم