باب الرهن .
هو لغة : الثبوت والدوام يقال : ماء راهن أي راكد ونعمة راهنة أي دائمة .
وشرعا : توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها وهو جائز بالإجماع ولا يصح بدون إيجاب وقبول أو ما يدل عليهما ويعتبر معرفة قدره وجنسه وصفته وكون راهن جائز التصرف مالكا للمرهون أو مأذونا له فيه .
ويصح الرهن في كل عين يجوز بيعها لأن القصد منه الاستيثاق بالديون ليتوصل الى استيفائه من ثمن الرهن عند تعذره من الراهن وهذا متحقق في كل عين يجوز بيعها حتى المكاتب لأنه يجوز بيعه ويمكن من الكسب وما يؤديه من النجوم رهن معه وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي كسبه وإن عتق بقي ما أداه رهنا ولا يصح شرط منعه من التصرف والمعلق عتقه بصفة إن كانت توجد قبل حلول الدين لم يصح رهنه وإلا صح .
ويصح الرهن مع الحق بأن يقول : بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك هذا فيقول : اشتريت منك ورهنته لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذا .
و يصح بعده أي بعد الحق بالإجماع ولا يجوز قبله لأنه وثيقة بحق فلم يجز قبل ثبوته ولأنه تابع للحق فلا يسبقه ويعتبر أن يكون بدين ثابت أو مآله اليه حتى على عين مضمونة كعارية ومقبوض بعقد فاسد ونفع إجارة في ذمة لا على دين كتابة أو دية على عاقلة قبل الحلول ولا بعهدة مبيع وثمن وأجرة معينين ونفع نحو دار معينة .
ويلزم الرهن بالقبض في حق الراهن فقط لأن الحظ فيه لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن .
ويصح رهن المشاع لأنه يجوز بيعه في محل الحق ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز وإن اختلفا جعله حاكم بيد أمين أمانة أو بأجرة .
ويجوز رهن المبيع قبل قبضه غير المكيل والموزون والمذروع والمعدود على ثمنه وغيره عند بائعه وغيره لأنه يصح بيعه بخلاف المكيل ونحوه لأنه لا يصح بيعه قبل قبضه فكذلك رهنه .
وما لا يجوز بيعه كالوقف وأم الولد لا يصح رهنه لعدم حصول مقصود الرهن منه إلا الثمرة والزرع الأخضر قبل بدو صلاحهما بدون شرط القطع فيصح رهنهما مع أنه لا يصح بيعهما بدونه لأن النهي عن البيع لعدم الأمن من العاهة ولهذا أمر بوضع الجوائح وبتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدين لتعلقه بذمة الراهن .
ويصح رهن الجارية دون ولدها وعكسه ويباعان ويختص المرتهن بما قابل الرهن من الثمن .
ولا يلزم الرهن في حق الراهن الا بالقبض كقبض المبيع لقوله تعالى : { فرهان مقبوضة } ولا فرق بين المكيل وغيره وسواء كان القبض من المرتهن أو من اتفقا عليه .
والرهن قبل القبض صحيح وليس بلازم فللراهن فسخه والتصرف فيه فإن تصرف فيه بنحو بيع أو عتق بطل وبنحو إجارة أو تدبير لا يبطل لأنه لا يمنع من البيع .
واستدامته أي القبض شرط في اللزوم للآية وكالابتداء فإن أخرجه المرتهن الى الراهن باختياره ولو كان نيابة عنه زال لزومه لزوال استدامة القبض وبقي العقد أنه لم يوجد فيه قبض ولو آجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق .
فان رده أي رد الراهن الرهن إليه أي إلى المرتهن عاد لزومه اليه لأنه قبضه باختياره فلزم كالابتداء ولا يحتاج الى تجديد عقد لبقائه ولو استعار شيئا ليرهنه جاز ولربه الرجوع قبل إقباضه لا بعده لكن له مطالبة الراهن بفكاكه مطلقا ومتى حل الحق ولم يقضه فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه ويرجع المعير بقيمته أو مثله إن تلف ضمنه الراهن وهو المستعير ولو لم يفرط المرتهن .
ولا ينفذ تصرف واحد منهما أي من الراهن والمرتهن فيه أي في الرهن المقبوض بغير إذن الأخر لأنه يفوت على الآخر حقه فإن لم يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع وكانت معطلة وإن اتفقا على الإجارة أو الإعارة جاز ولا يمنع الراهن من سقي شجر وتلقيح ومداواة وفصد وإنزاء فحل على مرهونة بل من قطع سلعة خطرة إلا عتق الراهن المرهون فإنه يصح مع الاثم لأنه مبني على السراية والتغليب وتؤخذ قيمته حال الإعتاق من الراهن لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة وتكون رهنا مكانه لأنها بدل عنه وكذا لو قتله أو أحبل الأمة بلا إذن المرتهن او أقر بالعتق وكذبه .
ونماء الرهن المتصل والمنفصل كالسمن وتعلم الصنعة الولد والثمرة والصوف وكسبه وأرش الجناية عليه ملحق به أي بالرهن فيكون رهنا معه ويباع معه لوفاء الدين إذا بيع ومؤنته أي الرهن على الراهن لحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي A قال : [ لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه ] رواه الشافعي والدارقطني وقال : إسناده حسن متصل .
و على الراهن أيضا كفنه ومؤنة تحهيزه بالمعروف لأن ذلك تابع لمؤنته .
و عليه أيضا أجرة مخزنه إن كان مخزونا وأجرة حفظه وهو أمانة في يد المرتهن للخبر السابق ولو قبل عقد الرهن كبعد الوفاء .
ان تلف من غير تعد ولا تفريط منه أي من المرتهن فلا شىء عليه قاله علي Bه لأنه أمانة في يده كالوديعة فإن تعدى أو فرط ضمن .
ولا يسقط بهلاكه أي الرهن شيء من دينه لأنه كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف ولم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله وكما لو دفع إليه عبدا ليبيعه ويستوفي حقه من ثمنه .
و إن تلف بعضه أي الرهن فباقيه رهن بجميع الدين لأن الدين كله متعلق بجميع أجزاء الرهن ولاينفك بعضه مع بقاء بعض الدين لما سبق سواء كان مما تمكن قسمته أو لا ويقبل قول المرتهن في التلف وإن ادعاه بحادث ظاهر كلف بينة بالحادث وقبل قوله في التلف وعدم التفريط ونحوه .
وتجوز الزيادة فيه أي في الرهن بأن رهنه عبدا بمائة ثم رهنه عليها ثوبا لأنه زيادة استيثاق دون الزيادة في دينه فإذا رهنه عبدا بمائة لم يصح جعله رهنا بخمسين مع المائة ولو كان يساوي ذلك لأن الرهن أشغل بالمائة الأولى والمشغول لا يشغل .
وإن رهن واحد عند اثنين شيئا على دين لهما فوفى أحدهما انفك في نصيبه لأن عقد الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفردا وإن طلب المقاسمة أجيب إليها إن كان الرهن مكيلا و موزونا أو رهناه شيئا استوفى من أحدهما انفك في نصيبه لأن الراهن متعدد فلو رهن اثنان عبدا لهما شد اثنين بألف فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع منه رهنا بمائتين وخمسين ومتى قضى بعض دينه أو أبرئ منه وببعضه رهن أو كفيل فعما نواه فإن أطلق صرفه إلى أيهما شاء .
ومتى حل الدين لزم الراهن الإيفاء كالدين الذي لا رهن به .
و إن امتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو العدل الذي تحت يده الرهن في بيعه باعه لأنه مأذون له فيه فلا يحتاج لتجديد إذن من الراهن وإن كان البائع العدل غير إذن المرتهن أيضا ووفاء الدين لأنه المقصود بالبيع وإن فضل من ثمنه شئ فلمالكه وإن بقي منه شئ فعلى الراهن وإلا يأذن في البيع ولم يوف أجبره الحكم على وفائه أو بيع الرهن لأن هذا شأن الحاكم فإن امتنع حبسه أو عزره حتى يفعل فإن لم يفعل أي أصر على الامتناع أو كان غائبا أو تغيب باعه الحكم ووفى دينه لأنه حق تعين عليه فقام الحاكم مقامه فيه وليس للمرتهن بيعه إلا بإذن ربه أو الحاكم