باب بيع الثمار .
لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابن عمر [ أن النبي A نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ] متفق عليه وفي لفظ : [ نهى عن بيع الثمار حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة ] رواه مسلم ولأن في بيعه عزرا من غير حاجة فلم يجز كما لو شرط التبقية فإن باعها بشرط القطع جاز لأنه يأخذها قبل تلفها فيأمن الغرر وإن باعها لمالك الأصل ففيه وجهان : .
أحدهما : يصح لأنها تحصل لمالك الأصل فجاز كما لو باعهما معا .
والثاني : لا يصح لأنه أفردها بالعقد أشبه ما لو باعها لغيره وإنما يصح إذا باعهما لأنها تدخل تبعا كالحمل مع أمه وإذا بدا الصلاح جاز بيعها بشرط القطع مطلقا وبشرط التبقية للخبر ولأنه أمن العاهة فجاز بيعه كسائر الأموال .
فصل : .
وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو يصفر وفي العنب أن يسود أو يتموه وفي الحب أن يشتد أو يبيض وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج أو يطيب أكله لما روي [ عن النبي A أنه نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب ] متفق عليه ونهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قيل : وما تزهو ؟ قال : تحمار أو تصفار ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود رواه الترمذي .
وإذا بدا الصلاح في نوع جاز بيع ما في البستان منه وعنه : لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر والأول أظهر لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة وفي سائر الجنس وجهان مضى توجيههما في التأبير ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض الشجرة صلاح لجميعها وأن بدو صلاح جنس ليس بصلاح لجنس آخر لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة وإن بدا صلاح ثمرة بستان لم يكن صلاحا لثمرة غيره وعنه : يكون صلاحا فيما قاربه لأنهما يتقاربان في الإدراك والمذهب : الأول لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة وإن بدا الصلاح في ثمرة بستان فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه لم يجز لأنه لم يبد صلاح شيء من المبيع أشبه البستان الآخر وفيه وجه آخر : أنه يجوز لأنه يجوز بيعه مع غيره فجاز منفردا كالذي بدا صلاحه .
فصل : .
وإذا ابتاع ثمرا أو زرعا بعد صلاحه لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لأن ذلك العادة في نقله فحمل البيع عليه لما ذكرنا في الثمرة المؤبر وإن احتاجت إلى سقي لزم البائع سقيها لأن عليه تسليمها في أوان حصادها ولا يحصل إلا بالسقي فلزمه بخلاف ثمرة البائع المؤبرة على أصول المشتري لا يلزمه سقيها لأنه لا يلزمه تسليمها وإن تلفت بجائحة من السماء فهي من ضمان البائع لما روى جابر [ أن النبي A أمر بوضع الجوائح ] وفي لفظ قال : [ إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق ؟ ] رواهما مسلم ولأنها تؤخذ حالا فحالا فكانت من ضمان البائع كالمنافع في الإجازة والجائحة : ما لا صنع لآدمي فيها فإن أتلفها آدمي فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الإمساك ومطالبة المتلف بالقيمة وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير إلا أن يكون التالف يسيرا جرت العادة بتلف مثله قال أحمد : لا أقول في عشر تمرات ولا عشرين تمرة ولا أدري ما الثلث وذلك لأن الشرع أمر بوضع الجوائح ولم يجعل له حدا فوجب رده إلى ما يتعارفه الناس جائحة وعنه : أن ما دون الثلث من ضمان المشتري لأن الثمرة لا بد من تلف شيء منها فلا بد من حد فاصل والثلث يصلح ضابطا لقول النبي A : [ والثلث كثير ] وإن بلغت الثمرة أو الزرع أوان الحصاد فلم ينقل حتى هلك فهو من ضمان المشتري لأنه لزمه النقل فكان التفريض منه فاختص الضمان به وإن اختلفا في التلف أو في قدره فالقول قول البائع لأنه غارم ولأن الأصل السلامة ولو اشترى الثمرة من الشجرة أو الزرع مع الأرض زال الضمان عن البائع بمجرد العقد لأنه حصل التسليم الكامل بتسليم الأصل فأشبه بيع الدار .
فصل : .
وإذا اشترى ثمرة شجرة فحدثت ثمرة أخرى فاختلطتا و لم تتميزا أو حنطة فانثالت عليها أخرى لم يبطل البيع لأن المبيع باق انضاف إليه غيره فأشبه ما لو اشتبه العبد المبيع بغيره ويشتركان كل واحدة بقدر ماله إن علم قدره وإلا وقف حتى يصطلحا ويحتمل أن يبطل العقد لتعذر تسليم المستحق فأشبه تلف المبيع ولو باع الأصل وعليه ثمرة له فحدثت للمشتري ثمرة اختلطت بها لم يبطل العقد لأن المبيع هو الشجرة و لم يختلط بغيره ويشتركان في الثمرة كما بينا ولو باع ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع وتركها حتى بدا صلاحها أو جزة من الرطبة فطالت حيلة فالعقد باطل من أصله نص عليه لأن الحيل لا تجوز في الدين وإن لم تكن حيلة ففيه روايتان : .
إحداهما : يبطل العقد لأن البقية معنى حرم اشتراطه لحق الله تعالى فأبطل العقد حقيقته كالنسيئة في الربويات .
والثانية : لا يبطل لأنها زيادة في عين المبيع فلم يبطل بها البيع كسمن العبد قال القاضي : والزيادة للمشتري لذلك وعن أحمد : أنهما يشتركان في الزيادة على كلتا الروايتين لحصولها في ملك المشتري بسبب الأصل الذي للبائع وعنه : يتصدقان بها قال القاضي : هذا على سبيل الاستحباب لاشتباه الأمر فيها فينظر كم قيمتها قبل بدو صلاحها وبعده ؟ فيشتركان فيها أو يتصدقان بها وإن جهلت القيمة وقف الأمر حتى يصطلحا .
فصل : .
وإذا كانت شجرة تحمل حملين فباع أحدهما عالما أنه يحدث الآخر فيختلط بالأول فالبيع باطل لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه لأن العادة فيه الترك فيختلط بالآخر ويتعذر التسليم .
فصل : .
ولا يجوز بيع الرطبة ونحوها مما يثبت أصله في الأرض ويؤخذ ما يظهر منه بالقطع دفعة بعد أخرى إلا أن يبيع الظاهر بشرط القطع في الحال لأن ما في الأرض مغيب وما يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة وإذا باع القثاء والباذنجان ونحوها لقطة لقطة جاز ويكون للمشتري جميع اللقطة وما حدث للبائع .
قال القاضي : ويجوز بيع أصولها صغارا كانت أو كبارا مثمرة أو غير مثمرة لأنه أصل تكرر منه الثمر فأشبه الشجر يكون حكمه حكم الشجر في أن ما كان من ثمرته ظاهرا عند البيع فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري ولا يجوز بيع الفجل والجزر نحوهما في الأرض لأن المقصود منها مغيب فأشبه بيع النوى في التمر