باب ما يحل ويحرم .
الحيوان ثلاثة أقسام : أهلي فيباح منه بهيمة الأنعام لقول الله تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } والخيل كلها لما روى جابر قال : نهى رسول الله A عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل وقالت أسماء : نحرنا فرسا على عهد رسول الله A فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليهما والدجاج لما روى أبو موسى قال : رأيت رسول الله A يأكل لحم الدجاج متفق عليه والإوز والبط لأنها طيبات فتدخل في قوله تعالى : { أحل لكم الطيبات } وتحرم الحمر لحديث جابر والبغال لأنها متولدة منها والمتولد بين الوحشي والأهلي كذلك وما تولد بين حلال وحرام كالسمع و العسبار كذلك وتحرم الكلاب والسنانير لأنها من السباع وتأكل الخبائث .
فصل : .
القسم الثاني : الوحشي فيباح منه الحمر لحديث أبي قتادة والأرانب لما روى أنس أنه أخذ أرنبا فذبحها أبو طلحة وبعث بوركها إلى النبي A فقبله متفق عليه والضباع لما روى جابر قال : سألت رسول الله A عن الضبع فقال : [ هو صيد ] ويجعل فيه كبش إذ صادفه المحرم رواه أبو داود و الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح .
والضباب لما روى ابن عباس قال : أتى النبي A بضب فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : [ لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ] فاحتزه خالد فأكله ورسول الله A ينظر إليه متفق عليه .
ويباح البقر والظباء والنعام والأوبار واليرابيع لأنها مستطابة قضت الصحابة فيها بالجزاء على المحرم وتباح الزرافة نص عليه لأنها من الطيبات المستحسنات .
وعنه في اليربوع : أنه محرم لأنه يشبه الفأرة وفي الثعلب روايتان : .
إحداهما : يحرم لأنه من السباع .
والثانية : يحل لأنه يفدى من الإحرام وفي سنور البر روايتان لذلك .
ويباح من الطير الحمام وأنواعه والعصافير والقنابر والحجل والقطا والحبارى والكركي والكروان وغراب الزرع والزاغ وأشباهها مما يلتقط الحب أو يفدى من الإحرام وقد روى سفينة قال : أكلت مع النبي A لحم حبارى رواه أبو داود .
وفي الهدهد والصرد روايتان : .
إحداهما : يباح لأنها تشبه المباح .
والثانية : يحرم لأن النبي A نهى عن قتل الهدهد والصرد رواه أبو داود و ابن ماجه وكل طير لا يصيد بمخلبه ولا يأكل الجيف ولا يستخبث فهو حلال .
فصل : .
يحرم الخنزير لنص الله تعالى على تحريمه وكل ذي ناب من السباع كالكلب والأسد والفهد والنمر والذئب وابن آوى والنمس وابن عرس والفيل والقرد لما روى أبو ثعلبة ( أن النبي A نهى عن كل ذي ناب من السباع ) متفق عليه وتحريم سباع الطير كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة لما روى ابن عباس Bه قال : ( نهى رسول الله عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ) رواه مسلم و أبو داود .
ويحرم ما يأكل الجيف كالنسر والرخم وغراب البين والأبقع والعقعق لأنها مستخبثة لأكلها الخبائث وقد قال النبي A : [ خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ] ذكر منها الحدأة والغراب وما أبيح قتله لم يبح أكله .
وتحرم الخبائث كلها كالفأر والجراذين والأوزاغ والعظا والورل والقنفذ والحرباء والصراصير والجعلان والخنافس والحيات والعقارب والدود والوطواط والخفاش والزنابير واليعاسيب والذباب والبق والبراغيث والقمل وأشباهها لقول الله تعالى : { ويحرم عليهم الخبائث } وقد روى أبو هريرة أن القنفذ ذكر عند رسول الله A فقال : [ هو خبيثة من الخبائث ] رواه أبو داود وما لم يذكره يرد إلى أقرب الأشياء شبها به فيلحق به بالإباحة والتحريم لأن القياس حجة وما لم يكن شبيها بشيء منها فهو حلال لقول الله تعالى : { خلق لكم ما في الأرض جميعا } خرج من عمومها ما قام الدليل على تحريمه والباقي يبقى على الأصل .
فصل : .
القسم الثالث : حيوان البحر يباح جميعه لقول الله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه } إلا الضفدع لأن النبي A نهى عن قتلها ولأنها مستخبثة وكره أحمد Bه عن التمساح لأنه ذو ناب فيحتمل أنه محرم لأنه سبع ويحتمل أنه مباح للآية وقال ابن حامد : يحرم الكوسج لأنه ذو ناب وقال أبو علي النجاد : لا يؤكل من البحري ما يحرم نظيره في البر ككلب الماء وخنزيره وإنسانه والأول أولى وقد قال أحمد Bه في كلب الماء : يذبحه وركب الحسن بن علي على سرج عليه جلد كلب ماء .
فصل : .
وكره أحمد لحوم الجلالة وألبانها .
قال القاضي : هي أكثر علفها النجاسة فإن كان أكثره الطاهر فليست جلالة قال : ولحمها ولبنها حرام وفي بيضها روايتان .
وقال أبي موسى عن أحمد رواية أخرى إن أكلها غير محرم لعموم قوله تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } والأولى ظاهر المذهب لما روى ابن عمر قال : ( نهى رسول الله عن أكل الجلالة وألبانها ) رواه أبو داود وعن عبد الله بن عمر بن العاص قال : ( نهى رسول الله A عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة ) رواه الخلال ويزول تحريمها وكراهتها بحبسها عن أكل النجاسات ويحبس البعير أربعين ليلة للخبر والبقرة في معناه ويحبس الطائر ثلاثا لأن ابن عمر Bه كان إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا .
وعن أحمد : أن الجميع يحبس ثلاثا لخبر ابن عمر .
فصل : .
وما سقي من الزروع والثمار بالنجاسات أو سمد بها نجس كالجلالة لأنه يتغذى بالنجاسات وتترقى فيه أجزاؤها فأشبه الجلالة ويطهر بسقيها بالطهارات كالجلالة إذا أكلت الطهارات .
فصل : .
وتحرم الميتة والدم للآية وتحرم النجاسات كلها لأنها من الخبائث وتحرم السموم المضرة كما يحرم عليه إتلاف شيء من جسده .
فصل : .
فإن اضطر إلى شيء مما حرم عليه أبيح تناوله لقول الله تعالى : { إلا ما اضطررتم إليه } وفي قدر ما يباح روايتان : .
إحداهما : قدر ما يسد رمقه اختارها الخرقي لأنه يخرج بأكله عن كونه مضطرا فتزول الإباحة بزواله .
والثانية : له الشبع لأنه طعام جاز له سد الرمق منه فجاز له الشبع كالحلال .
وهل يجب عليه أكل ما يسد رمقه فيه وجهان : .
أحدهما : يجب لقول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } .
والثاني : لا يجب لأنه تجنب ما حرم عليه وقد روي عن عبد الله بن حذافة صاحب رسول الله A أن ملك الروم حبسه ومعه لحم خنزير مشوي وماء ممزوج بخمر ثلاثة أيام فأبى أن يأكله وقال : لقد أحله الله لي ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام ومن اضطر إلى طعام من ليس به مثل ضرورته لزمه بذله له لأن في منعه منه إعانة على قتله وإن بذله بثمن مثله لمن يقدر على ثمنه لزمه أخذه ولم تحل له الميتة لأنه غير مضطر وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه به لم يلزمه إلا ثمن مثله لأنه اضطر إلى بذل الزيادة بغير حق فلم يلزمه كالمكره وإن منعه منه بالكلية فله قتاله عليه لأنه صار أحق به من مالكه وإن وجد المضطر ميتة وطعاما لغائب فطابت نفسه بأكل الميتة فهي أولى لأن إباحتها ثبتت بالنص فكانت أولى مما ثبت بالاجتهاد وإن لم تطب نفسه بأكلها أكل طعام الغير لأنه مضطر إليه .
وإن وجد المحرم ميتة وصيدا فكذلك لأن المحرم إذا ذبح الصيد صار ميتة ولزمه الجزاء فيجتمع فيه تحريمان ومن لم يجد إلا آدميا معصوما لم يبح له قتله لأنه لا يحل وقاية نفسه بأخيه ولا يحل له قطع شيء من نفسه ليأكله لأنه يتلفه يقينا ليحصل ما هو موهوم وإن وجد آدميا مباح الدم فله قتله وأكله لأن إتلافه مباح وإن وجد ميتا معصوما فالأولى إباحته لدخوله في عموم الآية ولأن فيه حفظ الحي فأشبه غير المعصوم اختار هذا أبو الخطاب .
وقال غيره من أصحابنا : لا يباح لأن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي وإن وجد المضطر خمرا لم يبح شربها لأنها لا تدفع جوعا ولا عطشا ولا فيها شفاء لما روت أم سلمة أن النبي A قال : [ إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ] وإن وجد ماء ممزوجا بخمر يدفع العطش فله الشرب منه لأنه يدفع به الهلاك .
وإن غص بلقمة ولم يجد مائعا يدفعها به وخاف الهلاك فله دفعه بها لأنه يحصل بها .
فصل : .
ومن مر بثمرة لا حائط لها ولا ناطر ففيه ثلاث روايات : .
إحداهن : أنه يأتي ولا يحمل لما روي عن أبي زينب قال : سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بزرة فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وقال عمر : يأكل ولا يتخذ خبنة .
والثانية : يباح ما سقط ولا يرمي بحجر ولا يضرب لما روى رافع أن رسول الله ( ص ) قال : [ لا ترم وكل ما وقع ] حديث صحيح .
والثالثة : له الأكل إن كان جائعا ولا يأكل إن لم يكن جائعا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( ص ) أنه سئل عن الثمر المعلق فقال : [ ما أصاب منه ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج منه بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ] هذا حديث حسن وفي الزرع روايتان : .
إحداهما : هو كالثمرة لأن العادة جارية بأكل الفريك و الباقلاء ونحوهما .
والثانية : لا يباح لأن الفاكهة خلقت للأكل رطبة والنفوس إليها أميل بخلاف الزرع وما كان محوطا أو له ناطر فليس له الدخول بحال لقول ابن عباس : إذا كان عليها حائط فهو حريم فلا تأكل وإن لم يكن حائط فلا بأس .
وفي لبن الماشية روايتان : .
إحداهما : هو كالثمرة لما روى الحسن عن سمرة أن النبي ( ص ) قال : [ إذا أتى أحدكم على ماشية فيها صاحبها فليستأذنه فإن أذن فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا فإن لم يجب فليحتلب وليشرب ولا يحمل ] حديث صحيح .
والثانية : لا يحل له الحلب لقول رسول الله ( ص ) : [ لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ] متفق عليه