باب الفدية .
من حلق رأسه وهو محرم فعليه ذبح شاة أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو صيام ثلاثة أيام لقول الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وروى كعب بن عجرة عن رسول الله A أنه قال : [ لعلك تؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم يا رسول الله فقال رسول الله A : احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع تمر أو نسك شاة ] متفق عليه وسواء حلق لعذر أو غيره وعنه : فيمن حلق لغير عذر عليه الدم من غير تخيير لأن الله تعالى خير بشرط العذر فإن عدم الشرط زال التخيير والأول أولى لأن الحكم ثبت من غير عذر المعذور تبعا له و التبع لا يخالف أصله وإنما الشرط لإباحة الحلق لا التخيير وفي حلق أربع شعرات ما في حلق الرأس كله لأنها كثير فتعلقت بها الفدية كالكل وفي الثلاث روايتان : .
إحداهما : هي كالكل قال القاضي : هو المذهب لأنه يقع عليها اسم الجمع المطلق فهي كالأربع .
والثانية : لا يجب فيها ذلك وهي اختيار الخرقي لأن الثلاث آخر القلة وآخر الشيء منه .
وفيما دون ذلك ثلاث روايات : .
إحداهن : في كل شعرة مد من طعام لأن الله تعالى عدل الحيوان بالطعام هاهنا بالصيد وأقل ما يجب منه مد من طعام فوجب .
والثانية : قبضة من طعام لأنه لا تقدير له في الشرع فيجب المصير إلى الأقل لأنه اليقين .
والثالثة : درهم لأن إيجاب جزء من الحيوان يشق فصرنا إلى قيمته وأقل ذلك درهم وإزالة الشعر بالقطع والنتف والنورة وغيرها كحلقه لأنها في معناه والأظفار كالشعر في الفدية لأنها في معناها وفي بعض الشعرة أو الظفر ما في جميعه كما أن في القصيرة مثل ما في الطويلة وإن حلق شعر رأسه وبدنه فعليه فدية واحدة لأنه جنس واحد فأجزأته فدية واحدة كما لو لبس عمامة وقميصا وهذا اختيار أبي الخطاب .
وحكي رواية أخرى : أن عليه فديتين اختاره القاضي لأن حلق الرأس يتعلق به نسك دون شعر البدن فيخالفه في الفدية ومن أبيح له الحلق فهو مخير في الفدية قبله وبعده كما يتخير في كفارة اليمين قبل الحنث وبعده .
فصل : .
ومن لبس أو غطى رأسه أو تطيب فعليه الفدية مثل حلق رأسه لأنه في معناه فقسناه عليها وإذا لبس عمامة وقميصا وسراويل وخفين فعليه فدية واحدة لأنه جنس واحد فأشبه ما لو طيب رأسه وبدنه وإن لبس وتطيب وحلق وقلم فعليه لكل جنس فدية لأنها أجناس مختلفة فلم تتداخل كفاراتها بالأيمان والحدود وعنه : إن فعل ذلك دفعة واحدة ففديته واحدة لأن الكل محظور فأشبه اللبس في رأسه وبدنه وإن كرر محظورا واحدا فلبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب أو حلق ثم حلق ففدية واحدة ما لم يكفر عن الأول قبل فعل الثاني .
وعنه : إن فعله لأسباب مثل من لبس أول النهار للبرد ووسطه للحر وآخر للمرض ففديات لأن أسبابه مختلفة فأشبه الأجناس المختلفة والأول أولى لأن الحكم يتعلق بالمحظور لا بسببه فأشبه الحالف بالله ثلاثة أيمان على شيء واحد لأسباب مختلفة وقليل اللبس والطيب و كثيره سواء وحكم كفارة الوطء في التداخل مثل ما ذكرنا لأنها ليست ضمانا .
فأما جزاء الصيد فلا تداخل فيه وكلما قتل صيدا حكم عليه .
وعنه : أنه يتداخل كسائر الكفارات .
وعنه : لا يجب الجزاء إلا في المرة الأولى لقول الله تعالى : { ومن عاد فينتقم الله منه } ولم يذكر جزاء والأول المذهب لقول الله تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } وهذا يقتضي كل قاتل ومثل الصيدين أكثر من مثل واحد ولأنه ضمان مال يختلف باختلافه فوجب في كل مرة كضمان مال الآدمي .
قال أحمد : روي عن عمر وغيره أنهم حكموا في الخطأ و فيمن قتل ولم يسألوه هل كان قتل قبل هذا أم لا ؟ .
فصل : .
وإذا وطئ المحرم في الفرج في الحج قبل التحلل الأول فعليه بدنة لأن ذلك يروى عن ابن عباس Bه وسواء كان الفرج قبلا أو دبرا من آدمي أو من بهيمة لأنه وطء في فرج أشبه وطء الآدمية وإن وطئت المحرمة مطاوعة فعليها بدنة لأنها أفسدت حجها بالجماع فوجبت عليها البدنة كالرجل وإن وطئ الرجل محرمة مطاوعة فعلى كل واحد منهما بدنة لأن ابن عباس قال للمجامع : اهد ناقة ولتهد ناقة ولأنه إفساد حج شخصين فأوجبت بدنتين كالوطء من رجلين .
وعنه : يجزئهما هدي واحد لأنه جماع واحد فأشبه ما لو أكرهها فإن وطئها نائمة أو مكرهة ففيها روايتان : .
إحداهما : أن الواجب هدي واحد عليه دونها لأنها معذورة لم يلزمها كفارة كالمكرهة على الوطء في الصيام .
والثانية : يجب هديان لأنه إفساد حجة اثنين فعلى هذا يحتمل الرجل عنها لأن الإفساد وجد منه فكان موجبه عليه كما تجب عليه نفقة قضائها ويحتمل أن تكون عليها لأنها وجبت لفساد حجها وإن وطئ في العمرة أو وطئ في الحج بعد التحلل الأول فعليه شاة لأنه فعل محظور لم يفسد حجا فلم يوجب بدنة كالقبلة .
ومتى وطئ المحرم دون الفرج أو قبل أو لمس لشهوة فلم ينزل فعليه شاة لأنه فعل محرم بالإحرام لم يفسد الحج فوجبت به الشاة كالحلق وإن أنزل فعليه بدنة لأنه استمتاع بالمباشرة أوجب الغسل فأوجب البدنة كالوطء في الفرج وإن نظر فلم ينزل فلا شيء عليه وإن نظر فصرف بصره فأنزل فعليه شاة وإن كرر النظر حتى أنزل ففيه روايتان : .
إحداهما : شاة يروى ذلك عن ابن عباس ولأنه ليس بمباشرة فلم يوجب البدنة كما لو صرف بصره .
والثانية : فيه بدنة اختاره الخرقي لأنه إنزال باستمتاع فأوجب البدنة كالمباشرة وإن فكر فأنزل فلا شيء عليه لما ذكرنا في الصوم وإن أمذى في هذه المواضع فهو كمن لم ينزل لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول .
فصل : .
ومن لزمته بدنة أجزأته بقرة لأن جابرا قال : وهل هي إلا من البدن ولأنها تقوم في الأضاحي والهدايا مقامها فكذا هاهنا ويجزئه سبع من الغنم لذلك وإن لم يجد هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع ولأن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو قالوا للواطئين : اهديا هديا فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وهم الأصل في ثبوت حكم الوطء وإليهم المرجع فيه فكذا في بدله وقال أصحابنا : تقوم البدنة فيشتري بقيمتها طعاما يتصدق به فإن لم يجد صام عن كل مد يوما قياسا مع البدنة الواجبة في فدية النعامة