باب الكفن .
يجب كفن الميت في ماله مقدما على الدين والوصية والإرث لقول رسول الله A في الذي وقصته ناقته : [ كفنوه في ثوبيه ] متفق عليه ولأن كسوة المفلس الحي تقدم على دينه فكذلك كفنه فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه كسوته في حياته فإن لم يكن ففي بيت المال وليس على الرجل كفن زوجته لأنها صارت أجنبية لا يحل الاستمتاع منها فلم يجب عليه كسوتها .
فصل : .
وأقل ما يجزئ في الكفن ثوب يستر جميعه .
وقال القاضي : لا يجزئ أقل من ثلاثة لأنه لو أجزأ واحد لم يجزئ أكثر منه لأنه يكون إسرافا و لا يصح لأن العورة المغلظة يسترها ثوب واحد فالميت أولى وما ذكره لا يلزمه فإنه يجوز التكفين بالحسن وإن أجزأ دونه ويستحب تحسين الكفن لأن النبي A قال : [ إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ] رواه مسلم ويكون جديدا أو غسيلا إلا أن يوصي الميت بتكفينه في خلق فتمتثل وصيته لأن أبا بكر Bه قال : كفنوني في ثوبي هذين فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت والأفضل تكفينه في ثلاث لفائف بيض لقول عائشة Bها : كفن رسول الله ( ص ) في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه ولأن حالة الإحرام أكمل أحوال الحي وهو لا يلبس المخيط فيها فكذلك حال موته .
والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فيبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقهما ويذر الحنوط والكافور فيما بينهن ثم يحمل الميت فيوضع عليهن مستلقيا ليكون أمكن لإدراجه فيها ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ويجعل من بين أليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئا إن خرج حين تحريكه ويشد فوقه خرفة مشقوقة الطرف كالتبان تأخذ أليتيه ومثانته ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده ويجعل الطيب والذريرة في مغابنه ومواضع سجوده تشريفا لهذه الأعضاء التي خصت بالسجود ويطيب رأسه ولحيته لأن الحي يتطيب هكذا وإن طيب جميع بدنه كان حسنا ولا يترك على أعلى اللفافة العليا ولا النعش شيء من الحنوط لأن الصديق Bه قال : لا تجعلوا على أكفاني حنوطا ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر ليمسكه إذا أقامه على شقه الأيمن ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها وإذا وضع في القبر حلها ولا يخرق الكفن لأن تخريقه يفسده ولا يجب الطيب لأن النبي A لم يأمر به ولأنه لا يجب على الحي فكذلك على الميت ولا يزاد الكفن على ثلاثة أثواب لأنه إسراف لم يرد الشرع به .
فصل : .
وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز لأن النبي A ألبس عبد الله بن أبي قميصه كفنه فيه متفق على معناه ويجعل المئزر مما يلي جلده ولا يزر عليه القميص فإن تشاح الورثة في الكفن جعل ثلاث لفائف على حسب ما كان يلبس في حياته وإن قال أحدهم : يكفن من ماله وقال الآخر : من مال السبيل كفن من ماله لئلا يتعير بذلك ويستحب تجمير الكفن ثلاثا لأن جابرا روى أن النبي A قال : [ إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا ] .
فصل : .
وتكفن المرأة في خمسة أثواب مئزر تؤزر به وقميص تلبسه بعده ثم تخمر بمقنعة ثم تلف بلفافتين لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت : كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله A عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله A الحقي ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها وتلبس المخيط في إحرامها فتلبسه في مماتها .
فصل : .
فإن لم يجد إلا ثوبا لا يستر جميعه غطي رأسه وترك على رجليه حشيش لما روى خباب أن مصعب ابن عمير قتل يوم أحد ولم يكن له إلا نمرة إذا غطي رأسه بدت رجلاه وإذا غطي رجلاه بدا رأسه فقال النبي A : [ غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر ] متفق عليه فإن كان أضيق من ذلك ستر به عورته وغطي سائره بحشيش أو ورق فإن كثر الموتى وقلت الأكفان كفن الاثنان والثلاثة في الكفن الواحد لما روى أنس قال : كثرت القتلى وقلت الأكفان يوم أحد فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنوا في قبر واحد وهو حديث حسن .
فصل : .
فإن خرج منه شيء يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل لأن في إعادته مشقة ولا يؤمن مثله ثانيا وثالثا وإن ظهر منه كثير فالظاهر عنه أنه يحمل أيضا لمشقة إعادته .
وعنه : أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد .
فصل : .
وإذا مات المحرم لم يقرب طيبا ولا يخمر رأسه لأن حكم إحرامه باق فيجنب ما يتجنبه المحرمون لما روى ابن عباس قال : بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله A : [ اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ] متفق عليه .
وعنه : لا يغطى رأسه ولا رجلاه والظاهر عنه جواز تغطيتهما لأنه لم يذكرهما في حديث ابن عباس ولأن الحي لا يمنع من تغطيتهما فالميت أولى ولا يلبس قميصا إن كان رجلا لأنه ممنوع من لبس المخيط وإن كان امرأة جاز ذلك لأنها لا تمنع من لبس المخيط وجاز تخمير رأسها لأنها لا تمنع ذلك في حياتها وإن ماتت معتدة بطل حكم عدتها وفعل بها ما يفعل بغيرها لأن اجتناب الطيب في الحياة إنما كان لئلا يدعو إلى نكاحها وقد أمن ذلك بموتها