باب غسل الميت .
وهو فرض على الكفاية لأن النبي A قال في الذي وقصته ناقة : [ اغسلوه بماء وسدر ] متفق عليه وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق Bه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ولأنه حق للميت فقد وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه فإن لم يكن وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ثم جده ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصابته ثم الرجال من ذوي الأرحام ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه وأولاهم بغسل المرأة أمها ثم جدتها ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب ثم الأجنبيات .
ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف لحديث أبي بكر ولقول عائشة : لو استقبلنا ما أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله A إلا نساؤه رواه أبو داود وفي غسل الرجل امرأته روايتان : .
أشهرهما : يباح لأن النبي A قال لعائشة : [ لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك ] رواه ابن ماجه وغسل علي فاطمة Bهما فلم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج .
والأخرى : لا يباح لأنهما فرقة أباحت أختها وأربعا سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق وأم الولد كالزوجة في هذا لأنها محل استمتاعه فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة وكان الطلاق بائنا فهي كالأجنبية محرمة عليه وإن كانت رجعية وقلنا : إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا .
فصل : .
ولا يصح غسل الكافر لمسلم لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافرا وإن كان قريبه ولا يتولى دفنه إلا أن يخاف ضياعه فيواريه قال أبو حفص العكبري : يجوز ذلك وحكاه قولا لأحمد Bه لما روي عن علي Bه أنه قال : قال للنبي ( A ) : إن عمك الشيخ الضال قد مات قال : [ اذهب فواره ] رواه أبو داود و النسائي ولنا أنه لا يصلي عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي والخبر يدل على مواراته وله ذلك : لأنه يتغير بتركه ويتضرر ببقائه قال أحمد Bه - في مسلم مات والده النصراني - : فليركب دابته وليسر أمام الجنازة وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر Bه .
ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها لأن أحدهما محرم على صاحبه في الحياة فلم يجز له غسله كحال الحياة فإن مات رجل بين نساء أو امرأة بين رجال أو أنثى مشكل فإنه ييمم في أصح الروايتين لما روى واثلة قال : قال رسول الله A : [ إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجل ] أخرجه تمام في فوائده .
وعنه : في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء يغسلها وعليها ثياب ويصب عليها الماء صبا والأول أولى لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه لأن عورته ليست عورة وتوقف عن غسل الرجل الجارية قال الخلال : القياس النسوية بين الغلام والجارية لولا أن التابعين فرقوا بينهما وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواز جريا على موجب القياس .
فصل : .
وينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال : لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل ويذيع ما يرى من قبيح وعليه ستر ما يرى من قبيح لأنه يروى عن النبي A أنه قال : [ من غسل ميتا ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ] رواه ابن ماجه بمعناه وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها ليترحم عليه ويرغب في مثل طريقته وإن كان مغموصا عليه في السنة والدين مشهورا بذلك فلا بأس بإظهار الشر عنه لتحذر طريقته ويستحب ستر الميت عن العيون ولا يحضره إلا من يعين في أمره لأنه ربما كان فيه عيب يستره في حياته وربما بدت عورته فشاهدها .
فصل : .
ويجرد الميت عند تغسيله ويستر ما بين سرته وركبتيه وروى ذلك الأثرم عنه واختاره الخرقي وأبو الخطاب لأن ذلك أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه ولأن أصحاب النبي A كانوا يفعلون ذلك بدليل أنهم قالوا : لا ندري أنجرد النبي A كما نجرد موتانا ؟ رواه أبو داود والظاهر أن النبي أمرهم به وأقرهم عليه .
وروى المروذي وعنه : أنه الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه لأن النبي ( A ) غسل في قميصه ولأنه أستر للميت ويستحب أن يوضع على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه لينصب ماء الغسل منه ولا يستنقع تحته فيفسده ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية إناء كبير فيه ماء بعيدا عن الميت وإناء وسطا وإناء يغترف به من الوسط ويصب على الميت فإن فسد الماء الذي كان في الوسط كان الآخر سليما ؟ ويكون بقربه مجمر فيه بخور لتخفى رائحة ما يخرج منه .
فصل : .
والفرض فيه ثلاثة أشياء : النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غسل الجنابة وتعميم البدن بالغسل لأنه غسل فوجب فيه ذلك كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة وفي التسمية وجهان بناء على غسل الجنابة ويسن فيه ثمانية أشياء : .
أحدها : أن يبدأ فيحني الميت حنيا لا يبلغ به الجلوس ويمر يده على بطنه فيعصره عصرا دقيقا ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسده ويصب عليه الماء وقت العصر صبا كثيرا ليذهب بما يخرج فلا تظهر رائحته .
والثاني : أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين ينجيه بإحداهما ثم يلقيها ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن لما روي أن عليا Bه غسل النبي A وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص .
الثالث : أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه لما روت أم عطية أنها قالت : لما غسلنا ابنة رسول الله A قال : [ ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ] متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء لأنه لا يمكنه إخراجه فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه لكن يلف على يده خرقة مبلولة ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه و أنفه ويتبع ما تحت أظافره - إن لم يكن قلمها - بعود لين كالصفصاف فيزيله ويغسله كما يفعل الحي في وضوءه وغسله .
الرابع : أن يغسله بسدر مع الماء لقول رسول الله A : [ اغسلوه بماء وسدر ] وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته : [ اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور ] متفق عليه وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر وذكره الخرقي .
وقال القاضي و أبو الخطاب : يغسل الأولى بماء وسدر ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه كي لا يسلب طهوريته ولا يجعل فيه سدر صحيح ولا فائدة ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانهما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي .
الخامس : أن يضرب السدر ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته لأن النبي A كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة .
السادس : أن يبدأ بشقه الأيمن لقوله عليه السلام : [ ابدأن بميامنها ] فيغسل يده اليمنى وصفحة عنقه وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وقدمه ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك .
السابع : أن يغسله وترا للخبر فيغسله ثلاثا فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع لا يزيد عليها لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي A ويمر في كل مرة يده ولا يوضئه إلا في المرة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة ولو غسله ثلاثا ثم خرج منه شيء غسله إلى خمس فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل ويسد مخرج النجاسة بالقطن فإن لم يستمسك فبالطين الحر ويغسل موضع النجاسة ويوضأ لأن أمر النبي ( A ) بالغسل انتهى إلى سبع واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده ويوضأ وضوءه للصلاة .
الثامن : أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ليشده ويبرده ويطيبه لأن النبي A أمر بذلك ويستحب أن يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها لما روت أم عطية قالت : ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها تعني : ابنة النبي A متفق عليه .
فصل : .
وكره أحمد Bه تسريح الميت لأن عائشة Bها قالت : علام تنصون ميتكم ؟ يعني : لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأنه يقطع شعره وينتفه والماء البارد في الغسل أفضل من الحار لأن البارد يشده والحار يرخيه إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الأشنان إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ .
فصل : .
ويستحب تقليم أظافر الميت وقص شاربه لأن ذلك سنة في حياته ويترك ذلك معه في أكفانه لأنه من أجزائه وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه ليجمع بين أجزائه وفي أخذ عانته وجهان : .
أحدهما : يستحب إزالتها بنورة أو حلق لأن سعيد بن العاص جز عانة ميت ولأنه من الفطرة فأشبه تقليم الظافر .
والثاني : لا يستحب لأن فيه لمس العورة وربما احتاج إلى نظرها وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب .
فصل : .
والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي A قال : [ والسقط يصلى عليه ] رواه أبو داود ولأنه ميت مسلم أشبه المستهل ودليل أنه ميت : ما روى ابن مسعود عن النبي ( A ) أنه قال : [ إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا فينفخ فيه الروح ] متفق عليه ومن كان فيه روح ثم خرجت فهو ميت ويستحب تسميته لقول النبي A : [ سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم ] فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسما يصلح لهما كسعادة وسلامة ومن له دون أربع أشهر لا يغسل ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه .
فصل : .
والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل رواية واحدة وفي الصلاة عليه روايتان : .
إحداهما : يصلى عليه اختارها الخلال لما روى عقبة أن النبي ( ص ) خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف متفق عليه .
والثانية : لا يصلى عليه وهي أصح لما روى جابر أن النبي ( ص ) أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصلى عليهم رواه البخاري وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين والخيرة في تكفين الشهداء إلى الوالي إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح لما روى ابن عباس أن رسول ( ص ) أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها لأن صفية أرسلت إلى النبي ( ص ) ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه رسول الله ( ص ) في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر قال يعقوب بن شيبة : هو صالح الإسناد وإن حمل وبه رمق أو أكل أو طالت حياته غسل وصلي عليه لأن سعد بن معاذ غسله النبي ( A ) فصلى عليه وكان شهيدا وإن قتل وهو جنب غسل لأن النبي ( A ) قال يوم أحد : [ ما بال حنظلة بن الراهب ؟ إني رأيت الملائكة تغسله ] قالوا : إنه سمع الهائعة فخرج ولم يغتسل رواه الطيالسي وإن سقط من دابته أو تردى من شاهق أو وجد ميتا لا أثر به غسل وصلي عليه لأنه ليس بقتيل الكفار والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه فلا يسقط الغسل الواجب بالشك .
ومن عاد عليه سلاح فقتله فهو كقتيل الكفار لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم .
وقال القاضي : يغسل ويصلى عليه لأنه ليس بقتيل الكفار ومن قتل من أهل العدل في المعترك فحكمه حكم قتيل المشركين .
وأما أهل البغي فقال الخرقي يغسلون ويصلى عليهم لأنهم ليس لهم حكم الشهداء .
وأما المقتول ظلما كقتيل اللصوص والمقتول دون ماله ففيه روايتان : .
إحداهما : يغسل ويصلى عليه لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه لأنه ليس بشهيد المعترك أشبه المبطون .
والثانية لا يغسل لأنه قتيل شهيد أشبه شهيد المعترك .
فصل : .
ومن تعذر غسله لقلة الماء أو خيف تقطعه به كالمجزوم والمحترق يمم لأنها طهارة على البدن فيدخلها التيمم عند العجز عن استعمال الماء كالجنابة وإن تعذر غسل بعضه يمم لما لم يصبه الماء وإن أمكن صب الماء عليه وخيف من عركه صب عليه الماء صبا ولا يعرك .
ومن مات في بئر ذات نفس أخرج فإن لم يمكن إلا بمثله وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضا لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المثلة وإن لم يحتج إليها طمت عليه وكانت قبره .
فصل : .
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لأن النبي ( ص ) قال : [ من غسل ميتا فليغتسل ] رواه الطيالسي و أبو داود ولا يجب ذلك لأن الميت طاهر والخبر محمول على الاستحباب والصحيح فيه أنه موقوف على أبي هريرة وكذلك قال أحمد : فإذا فرغ من غسله نشفه بثوبه كي لا يبل أكفانه