باب صلاة الجمعة .
وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجة عن جابر قال : خطبنا رسول الله A فقال : [ واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره ] .
ولا تجب إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية : الإسلام والبلوغ والعقل لأنها من شرائط التكاليف بالفروع و الذكورية و الحرية و الاستيطان لما روى طارق بن شهاب قال : إن النبي A قال : [ الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك أو امرأة أو مسافر أو مريض ] رواه أبو داود ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات وكان النبي A بعرفات يوم جمعة فلم يصل جمعة .
وفي العبد رواية أخرى أنها تجب عليه لأنها فرض عين من الصلوات فوجبت عليه كالظهر والأولى أولى للخبر ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده أشبه المحبوس بدين .
السابع : انتقاء الأعذار المسقطة للجماعة .
الثامن : أن يكون مقيما بمكان الجمعة أو قريبا منه وتجب الجمعة على أهل المصر قريبهم وبعيدهم لأن البلد كالشيء الواحد وتجب على من بينه وبين الجامع فرسخ من غيرهم ولا تجب على غيرهم لأن النبي A قال : [ الجمعة على من سمع النداء ] رواه أبو داود ولم يمكن اعتبار السماع بنفسه فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتا بموضع عال والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية فرسخ فاعتبرناه به .
فصل : .
وهذه الشروط تنقسم أربعة أقسام : .
أحدها : شرط للصحة والانعقاد وهو : الإسلام والعقل فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا تنعقد بهما لأنهما ليسا من أهل العبادات .
الثاني : شرط للوجوب والانعقاد وهي : الحرية و الذكورية والبلوغ والاستيطان فلا تنعقد الجمعة بمن عدمت فيه ولايصح إمامتهم فيها لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء وتصح منهم وتجزئهم عند الظهر وحضورها لغير النساء أفضل لأن سقوطها عنهم رخصة فإن تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما .
الثالث : شرط الوجوب السعي فقط وهو : انتقاء الأعذار فلو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به لأن سقوطها كان لدفع المشقة فإذا حضرت زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به كالصحيح .
الرابع : شرط الانعقاد حسب وهو : الإقامة بمكان الجمعة فلو كان أهل القرية يسمعون النداء من المصر لزمهم حضورها ولم تنعقد بهم ولو خرج أهل المصر أو بعضهم إلى القرية لم تنعقد بهم الجمعة لأنهم غير مستوطنين بها والظاهر أنها تصح إمامتهم فيها لأنهم من أهل الوجوب .
فصل : .
والأفضل لمن لم تجب عليه الجمعة أن لا يصلي الظهر قبل صلاة الإمام لأنه ربما زال عذره فلزمته الجمعة فإن صلى فقال أبو بكر : لا تصح صلاته لذلك والصحيح أنها تصح لأنه صلى فرضه فلا يبطل بالاحتمال كالمتيمم فإن زال عذره فقياس المذهب أنه لا تلزمه الجمعة لأنه أدى فرض الوقت فأشبه المعضوب إذا حج عن نفسه ثم برئ وإن لم يزل العذر فحضورها كانت لهم نفلا لقول النبي A لأبي ذر : [ فصلها معهم تكن لك نافلة ] ولأن الأولى أسقطت الفرض فأما من تجب عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام لم تصح لأنه ما خوطب بالظهر فإن فاتته الجمعة أعادها ظهرا لأنه خوطب بها حينئذ .
وإن اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وصلوا ظهرا لم تصح لذلك فإذا خرج وقت الجمعة لزمهم الجمعة لزمهم إعادة الظهر ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة لقول النبي A : [ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ] متفق عليه فإن خاف التهمة استحب إخفاؤها ليدفعها عن نفسه .
فصل : .
ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط : .
أحدها : الوقت فلا تصح قبل وقته ولا بعده بالإجماع وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد Bه قال في رواية عبد الله : يجوز أن يصلي الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن حجاج عن عبد الله بن سيلان قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول : قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان رضوان الله عليهم أجمعين فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول : قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك أو أنكره وهذا نقل للإجماع .
وعن جابر قال : كان رسول الله A كان يصلي الجمعة فنذهب إلى جمالنا فنزيحها حين تزول الشمس رواه مسلم ولأنها صلاة عيد أشبهت صلاة العيدين .
وقال الخرقي : تجوز في الساعة السادسة وفي نسخة الخامسة فمفهومه أنه لا يجوز قبل ذلك لأن ما رويناه تختص به والأفضل فعلها عند زوال الشمس صيفا وشتاء لا يقدمها إلى موضوع الخلاف ولا يؤخرها فيشق على الناس لما روى سلمة بن الكوع قال : كنا نجمع مع النبي ( A ) إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء متفق عليه فإن خرج الوقت وهم فيها فقال أحمد من أدرك التشهد أتمها جمعة فظاهره أنه يعتبر الوقت في جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالضوء وقال الخرقي : إن دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أجزأتهم جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلم يعتبر في الركعة الثانية كالجماعة في حق المسبوق وإن أدرك أقل من ذلك فهل يتمها ظهرا أو يستأنف ؟ على وجهين بناء على المسبوق بأكثر من ركعة وقال القاضي : متى تلبس بها في وقتها أتمها جمعة قياسا على سائر الصلوات فإن شرع فيها ثم شك في خروج الوقت أتمها جمعة لأن الأصل بقاؤه وإن ضاق الوقت عما يجري في الجمعة لم يكن لهم فعلها .
فصل : .
الشرط الثاني : أن يكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به من حجر أو طين أو لبن أو قصب مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة يسكنها أربعون من أهل الجمعة سكنى إقامة لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة ولم يأمرهم النبي A بجمعة وإن كانت قرية يسكن فيها بعض السنة دون بعضهم أو متفرقة تفريقا لم تجر فيه العادة لم تصح فيها الجمعة فإن اجتمعت هذه الشروط في القرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعبا قال : أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات رواه أبو داود .
قال الخطابي حرة بني بياضة على ميل من المدينة ولأن هذا بناء استوطنه أربعون من أهل الجمعة فوجبت عليهم كأهل مصر وتجوز إقامة أهل الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء لحديث أسعد بن زرارة فإن خربت القرية فلازموها عازمين على إصلاحها و مرمتها فحكمها باق وإن عزموا على النقل عنها زال الاستيطان .
فصل : .
الشرط الثالث : اجتماع أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة .
وعنه : تنعقد بثلاثة لأنهم جمع تنعقد بهم الجماعة وعنه بخمسين والمذهب الأول لأن جابرا قال : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة فينصرف إلى سنة النبي A فإن انقضوا فلم يبق معه إلا أقل من أربعين لم يتمها جمعة لأنه شرط فاعتبر في جميع الصلاة كالطهارة وهل يستأنف ظهرا أو يبني على صلاته ؟ على وجهين بناء على المسبوق وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة لأنها شرط تختص الجمعة فلم يعتبر الركوع في أكثر من ركعة كالجماعة فيها .
فصل : .
ولا يختلف المذهب أن المسبوق إذا أدرك مع الإمام الركوع في الثانية أنه يتمها جمعة فإن أدرك أقل من ذلك لم يتمها جمعة لما روى أبو هريرة عن النبي A أنه قال : [ من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة ] متفق عليه وفي لفظ : [ فليضف إليها أخرى ] فأما من أدرك أقل من ذلك فقال الخرقي : يبني على ظهر إذا كان قد دخل بينه الظهر فظاهر هذا أنه إن نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى أحدهما بنية أخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر وقال أبو اسحق بن شاقلا : ينوي جمعة لئلا يخالف بنيته نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة .
فصل : .
من أحرم مع الإمام ثم زوحم عن السجود فأمكنه السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه لما روي عن عمر Bه أنه قال : إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه أو قدمه رواه الطيالسي ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب وصح كالمريض يومئ فإن لم يمكنه ذلك انتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام لأن النبي A أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر والعذر ههنا قائم وكذلك إن تعذر عليه السجود لعذر من مرض أو نوم أو سهو فإن خاف فوات الركوع مع إمامه لزمه متابعة وترك السجود لقول النبي A : [ فإن ركع فاركعوا ] ولأنه مأموم خاف فوات الركعة فلزمه متابعة إمامه كالمسبوق فيركع مع إمامه وتبطل الأولى وتصير الثانية أولاه فإن سجد وترك متابعة إمامه بطلت صلاته إن علم تحريم ذلك لأنه ترك الواجب عمدا وإن لم يكن يعلم تحريمه لم تبطل صلاته ولم يعتد بسجوده لأنه أتى به في موضع الركوع جهلا فهو كالساهي .
وقال أبو الخطاب : يعتد بسجوده ويتم ركعته الأولى فإن أدرك الركوع أيضا صحت له الركعتان وإن فاته الركوع فاتته الثانية وحدها فيقضيها بعد سلام إمامه وتصح جمعته قال : ويسجد للسهو وقال القاضي : هو كمن لم يسجد فإن أدرك الركوع صحت الثانية وحدها وإن فاته الركوع وأدرك معه السجدتين سجدهما للركعة الأولى وصحت له ركعة ويقضي ركعة وتمت جمعته لإدراكه ركعة وإن فاتته السجدتان أو إحداهما قضى ذلك بعد سلام إمامه فتصح له ركعة وكذا لو ترك سجدتي الأولى خوفا من فوات ركوع الثانية فركع معه وزوحم عن سجدتي الثانية فأمكنه السجود في التشهد سجد وإن لم يمكنه سجد بعد سلام الإمام وصحت له ركعة ومثلها : لو كان مسبوقا بالأولى وزوحم عن سجود الثانية وهل يكون مدركا للجمعة في كل موضع لم يتم له ركعة إلا بعد سلام إمامه ؟ على روايتين : .
إحداهما : يكون مدركا لها لأنه قد يحرم بالصلاة مع الإمام أشبه ما لو ركع وسجد معه .
والثانية : لا جمعة له لأنه لم يدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق بركوع الثانية وعلى هذه الرواية هل يستأنف أو يتمها ظهرا على وجهين .
وإن أحرم مع الإمام فزوحم وأخرج من الصف فصلى فذا لم تصح صلاته وإن صلى ركعة وأخرج من الثانية فأتمها وحده ففيه روايتان : .
إحداهما : يتمها جمعة لأنه أدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق .
والثانية : يعيد لأنه فذ في ركعة كاملة فإن أدرك مع الإمام ركعة وقام ليقضي فذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة أو شك في إحدى السجدتين لزمه أن يرجع إن لم يكن شرع في قراءة الثانية فيأتي بما ترك ثم يقضي ركعة أخرى ويتمها جمعة نص عليه وإن ذكر بعد شروعه في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على المنصوص وفيه وجه آخر أنه لا تحصل له الجمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة وهكذا لو قضى الثانية ثم علم أنه نسي سجدة لا يدري من أيهما تركها أو شك في ذلك فإنه يجعلها من الأولى وتصير الثانية أولاه فأما إن شك في إدراك الركوع مع الإمام لم يعتد له بالركعة التي مع الإمام وتصير ظهرا قولا واحدا .
فصل : .
الشرط الرابع : أن يتقدمها خطبتان لأن النبي A كان يخطب خطبتين يعقد بينهما متفق عليه وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] وقالت عائشة Bها : إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة ومن شرط صحتها حضور العدد المشروط للصلاة لأنه ذكر الاشتراط للصلاة واشترط له العدد كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا لم يطل الفصل صلى الجمعة لأنه تفريق يسير فلم يمنع كالتفريق بين المجموعتين ويشترط لهما الوقت لذلك ويشترط الموالاة في الخطبتين فإن فرق بين الخطبتين أو بين أجزاء الخطبة الواحدة أو بينهما وبين الصلاة فأطال بطلت فإن كان يسيرا بنى لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين ويحتمل أن الموالاة ليست شرطا لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلا يشترط الموالاة بينهما كالأذان والإقامة ولا يشترط لهما الطهارة نص عليه لذلك ولأنها لو اشترطت لاشترط الاستقبال كالصلاة وعنه : أنها شرط لأنه ذكر شرط في الجمعة فأشبه تكبيرة الإحرام ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة لذلك لكن يجوز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر لأنه إذا جاز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر ففي الصلاة بكمالها أولى وعنه : ما يدل على جواز الاستخلاف لغير عذر قال في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس : لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة لأنه لا يشترط اتصالها بها فلم يشترط أن يتولاها واحد كصلاتين وهل يشترط أن يكون الخليفة ممن حضر الخطبة ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : لا يشترط لأنه لا يشترط في صحة جمعته حضور الخطبة إذا كان مأموما فكذلك إذا كان إماما .
والثانية : يشترط لأنه إمام فاشترط حضوره للخطبة كما لو لم يستخلف