باب الشك في الماء .
إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجد متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون من مكثة أو بما لا يمنع فلا يزول في الشك .
وإن تيقن نجاسته ثم شك في طهارته فهو نجس لأن الأصل نجاسته .
وإن علم وقوع النجاسة فيه ثم وجد متغيرا تغيرا يجوز أن يكون منها فهو نجس لأن الظاهر تغيره بها .
وإن أخبره ثقة بنجاسة الماء لم يقبل حين يعين سببها لاحتمال اعتقاده نجاسته بما لا ينجسه كموت ذبابة فيه وإن عين سببها لزمه القبول رجلا كان أو امرأة بصيرا أو أعمى لأنه خبر ديني فلزمه قبوله كرواية الحديث ولأن للأعمى طريقا إلى العلم بالحس والخبر ولا يقبل خبر كافر ولا صبي ولا مجنون ولا فاسق لأن روايتهم غير مقبولة .
وإن أخبره أن كلبا ولغ في هذا الإناء دون هذا وقال آخر : إنما ولغ في هذا الإناء دون ذاك حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو كانا كلبين وإن عينا كلبا ووقتا لا يمكن لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما لأنه لا يمكن صدقهما ولم يترجح أحدهما .
فصل : .
وإن اشتبه الماء النجس بالطاهر تيمم ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر عدد الطاهر أو لم يكثر وحكي عن أبي علي النجاد أنه إذا كثر عدد الطاهر فله أن يتحرى ويتوضأ بالطاهر عنده لأن احتمال إصابة الطاهر أكثر والأول المذهب لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو كان النجس بولا أو كثر عدد النجس أو اشتبهت أخته بأجنبيات ولأنه لو توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بماء يعتقد نجاسته وإن توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله سبحانه : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فتركهما أولا أولى .
وهل يشترط لصحة التيمم إراقتها أو خلطهما ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : يشترط ليتحقق عدم الطاهر .
والثانية : لا يشترط لأن الوصول إلى الطاهر متعذر واستعماله ممنوع منه فلم يشترط عدم كماء الغير .
وإن اشتبه مطلق بمستعمل توضأ من كل إناء وضوءا لتحصل له الطهارة بيقين وصلى صلاة واحدة وإن اشتبهت بالثياب الطاهرة بالنجسة وأمكنه الصلاة في عدد النجس وزيادة صلاة لزمه ذلك لأنه أمكنه تأدية فرضه يقينا من غير مشقة فلزم كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل وإن كثر عدد النجس فذكر بن عقيل أنه يصلي في أحدها بالتحري لأن اعتبار اليقين يشق فاكتفى بالظاهر كما لو اشتبهت القبلة .
فصل : .
وهو ثلاثة أقسام : طاهر وهو ثلاثة أنواع : .
أحدها : الآدمي متطهرا كان أو محدثا لما روى أبو هريرة قال لقيني النبي A وأنا جنب فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال : [ أين كنت يا أبا هريرة ؟ قلت يا رسول الله ! كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال : سبحان الله ! إن المؤمن ليس بنجس ] متفق عليه وعن عائشة : [ أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه النبي A فيضع فاه على موضع فيها فيشرب ] رواه مسلم .
النوع الثاني : ما يؤكل لحمه فهو طاهر بلا خلاف .
الثالث : ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وما دونها من الخلقة لما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت : دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت فرآني أنظر إليه فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ ! قلت نعم قال : إن الرسول A قال : [ إنها ليس بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات ] رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح دل بمنطوقه على طهارة الهرة وبتعليله على الطهارة ما دونها لكونه مما يطوف علينا ولا يمكن التحرز عنه كالفأرة ونحوها فهذا سؤره وعرقه وغيرهما طاهر .
القسم الثاني : نجس وهو : الكلب والخنزير وما تولد منهما فسؤره نجس وجميع أجزائه لأن النبي A قال : [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا ] متفق عليه ولولا نجاسته ما وجب غسله والخنزير شر منه لأنه منصوص على تحريمه ولا يباح إنقاذه بحال وكذلك ما تولد من النجاسات كدود الكنيف وصراصره لأنه متولد من نجاسة فكان نجسا كولد الكلب .
القسم الثالث : مختلف فيه وهو ثلاثة أنواع كذلك : .
أحدهما : سائر سباع البهائم والطير وفيهما روايتان : .
إحداهما : أنها نجسة لأن النبي A سئل عن الماء وما ينوبه من السباع فقال : [ إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء ] فمفهومه : أنه ينجس إذا لم يبلغها ولأنه حيوان حرم لخبثه يمكن التحرز عنه فكان نجسا كالكلب .
والثانية : أنها طاهرة لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول A سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب الحمر وعن الطهارة بها فقال : [ لها ما أخذت في أفواهها ولنا ما غبر طهور ] رواه ابن ماجة .
ومر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص بحوض فقال عمرو : يا صاحب الحوض ! ترد على حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض ! لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا رواه مالك في الموطأ .
النوع الثاني : الحمار الأهلي والبغل ففيهما روايتان : .
إحداهما : نجاستهما لقول النبي A : في الحمر يوم خبير : [ إنها رجس ] متفق عليه ولما ذكرنا من السباع .
والثانية : أنها طاهرة لأنه قال : إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه ولو شك في نجاسته لم يبح استعماله ووجهها ما روى جابر أن رسول ( A ) سئل : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال [ نعم وبما أفضلت السباع كلها ] رواه الشافعي في مسنده ولأن النبي A كان يركب الحمار والبغال وكان الصحابة يقتنونها ويصحبونها في أسفارهم فلو كانت نجسة لبين لهم نجاستها ولأنه لا يمكن التحرز عنها لمقتنيها فأشبهت الهرة ويحكم بطهارته ويجوز بيعها فأشبهت مأكول اللحم .
النوع الثالث : الجلالة وهي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان : .
إحداهما : نجاستها لأن النبي A [ نهى عن مركوب الجلالة وألبانها ] رواه أبو داود ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا تطهر .
والثانية : أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران .
وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره لأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره .
قال أحمد في فأرة سقطت في ماء ثم خرجت حية : لا بأس به .
فصل : .
إذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء بعد غيبتها لم ينجس لأن النبي A قال [ إنها ليست بنجس ] مع علمه بأكل النجاسات وإذا شربت قبل الغيبة فقال أبو الحسن الآمدي : ظاهر قول أصحابنا : طهارته للخبر ولأننا حكمنا لطهارتها بعد الغيبة واحتمال طهارتها بها شك لا يزيل يقين النجاسة .
وقال القاضي : ينجس لأن أثر النجاسة في فمها بخلاف ما بعد الغيبة فإنه يحتمل أن تشرب من ماء يطهر فاها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك .
فصل : .
والحيوان الطاهر على أربعة أضرب : .
أحدها : ما تباح ميتته كالسمك ونحوه والجراد وشبهه فميتته طاهرة لقول رسول الله A [ والحل ميتته ] .
والثاني : ما ليست له نفس سائلة كالذباب والعقارب والخنافس فهو طاهر حيا وميتا لقول رسول الله A [ إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء ] { رواه البخاري بمعناه فأمر بمقله ليكون شفاء لنا إذا أكلنا ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه .
والثالث : الآدمي ففيه روايتان : .
أظهرهما : أنه طاهر بعد الموت لقول النبي A : [ إن المؤمن ليس بنجس ] ولأنه لو كان نجس العين لم يشرع غسله كسائر النجاسات .
والثانية : هو نجس قال أحمد في صبي مات في بئر : تنزح وذلك لأنه حيوان له سائلة أشبه الشاة .
والرابع : ما عدا ما ذكرنا ما له نفس سائلة لا تباح ميتته فميتته نجسة لقوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة } وقوله تعالى : { إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس }