باب الماء النجس .
إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته نجس بغير خلاف لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه .
وإن لم تغيره لم يخل من حالين : .
أحدهما : أن يكون قلتين فصاعدا فهو طاهر لم روى ابن عمر Bهما أن النبي A سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال : [ إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ] رواه الأئمة وقال الترمذي : هذا الحديث حسن وفي لفظ [ لم ينجسه شيء ] وروى أبو سعيد Bه قال : قيل : يا رسول الله أتتوضأ من بئر بضاعة وهي : بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ؟ فقال : [ الماء طهور ولا ينجسه شيء ] قال أحمد : حديث بئر بضاعة صحيح .
قال أبو داود : قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية فعفي عنه كالذي لا يمكن نزحه .
الثاني : ما دون القلتين ففيه روايتان : .
أظهرهما : نجاسته لأن قوله : [ إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ] يدل على أن ما لم يبلغها ينجس ولأن النبي A قال : [ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات ] متفق عليه فدل على نجاسته من غير تغيير ولأن الماء اليسير يمكن حفظه [ في الأوعية ] فلم يعف عنه وجعلت القلتان حدا بين القليل والكثير .
والثانية : هو طاهر لقول النبي A : [ الماء طهور لا ينجسه شيء ] وروى أبو إمامة أن النبي A قال [ الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه ] رواه ابن ماجة ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير .
فصل : .
وفي قدر القلتين روايتان : .
إحداهما : [ إنهما ] أربعمائة رطل بالعراقي لأنه روي عن ابن جريج ويحيى بن عقيل : أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائة رطل فصارت القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل .
والثانية : هما خمسمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال : رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب .
وهل هذا تحديد أو تقريب ؟ .
فيه وجهان : .
أظهرهما : أنه تقريب فلو نقص رطل أو رطلان لم يؤثر لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف وهذا لا تحديد فيه .
والثاني : أنه تحديد فلو نقص شيئا يسيرا تنجس بالنجاسة لأنا جعلنا ذلك احتياطا وما وجب الاحتياط به صار فرضا كغسل جزء من الرأس مع الوجه .
فصل : .
وجميع النجاسات في هذا سواء ما عدا بول الآدميين وعذرتهم المائعة فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي A : [ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه ] متفق عليه إلا أن يبلغ حدا لا يمكن نزحه كالغدران والمصانع بطريق مكة فذلك الذي لا ينجسه شيء لأن نهي النبي A عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان في أرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها .
وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام فكذلك في تنجيس الماء وحديث البول لا بد من تخصيصه فنخصه بخبر القلتين .
فصل : .
وإذا وقعت النجاسة في ماء فغيرت بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهو طاهر لعموم الأخبار فيه ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير فيه شيء وإن نقص عنهما فهو نجس لأنه ماء يسير لاقى ماء نجس فنجس به فإذا كان بين الغديرين ساقية فيها ماء يتصل بهما فهما ماء واحد .
فصل : .
فأما الماء الجاري إذا تغير بعض جريانه بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة وما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما وراءها طاهر لأنه لم يصل إليها وإن لم يتغير منه شيء احتمل أنه لا ينجس لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض فيدخل في عموم الأخبار السابقة أولا فلم ينجس كالراكد ولو كان ماء الساقية راكدا لم ينجس إلا بالتغير فالجاري أولى لأنه أحسن حالا .
وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد فإذا كانت النجاسة في جرية تبلغ قلتين فهي طاهرة ما لم تتغير وإن كان دون القلتين فهي نجسة وإن كانت النجاسة واقفة فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فهي نجسة وإن اجتمعت الجريات فكان في الماء قلتان طاهرتان متصلة لاحقة أو سابقة فالمجتمع كله طاهر إلا أن يتغيربالنجاسة لأن القلتين تدفعان النجاسة عن نفسهما ويطهرهما ما اجتمع معهما وإن لم يكن فالجميع نجس والجرية ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها وما قرب منها مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر .
فصل : .
وهو في ثلاثة أقسام : .
الأول : ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن ينبع فيه أو يصب عليه وسواء كان متغيرا فزال تغيره أو غير متغير فبقي بحاله .
الثاني : قدر قلتين فتطهيره بالمكاثرة المذكورة أو بزوال تغيره بمكثه .
الثالث : الزائد عن القلتين فتطهيره بهذين الأمرين أو بنزح يزيل تغيره ويبقى بعده قلتان ولا يعتبر صب الماء دفعة واحدة لأن ذلك يشق لكن يصبه على حسب ما أمكنه من المتابعة إما أن يجريه من ساقية أو يصبه دلوا فدلوا وإن كوثر بماء دون القلتين أو طرح فيه تراب أو غير ماء لم يطهره لأن ذلك لا يدفع النجاسة عن نفسه فلم يطهره الماء كما لو طرح فيه مسك ويتخرج أن يطهره لأنه تغير الماء فأشبه ما لو زال بنفسه ولأن علة التنجيس في الماء الكثير التغير فإذا زالت زال حكمها كما لو زال تغيير المتغير بالطاهرات .
فأما ما دون القلتين فلا يطهر بزوال التغير لأن العلة فيه المخالطة لا التغير .
فصل : .
فإن اجتمع نجس إلى نجس فالجميع نجس وإن كثر لأن اجتماع النجس إلى النجس لا يتولد بينهما طاهر كالمتولد بين الكلب و الخنزير ويتخرج أن يطهر إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرناه وإن اجتمع مستعمل إلى مثله فهو باق على المنع فإذا اجتمع مستعمل إلى طهور يبلغ القلتين فالكل طهور لأن القلتين تزيل حكم النجاسة فالاستعمال أولى فإن اجتمع مستعمل إلى طهور دون القلتين وكان المستعمل يسيرا عفي عنه لأنه لو كان مائعا غير الماء عفي عنه فالمستعمل أولى وإن كثر بحيث لو كان مائعا غلب على أجزاء الماء منع كغيره من الطاهرات