باب الشهادة على الشهادة .
تجوز الشهادة على الشهادة فيما يثبت بشاهد وامرأتين لأنه مبني على المساهلة فجازت فيه الشهادة كالأموال ولا يقبل في حد الله تعالى لأن مبناه على الدرء بالشبهات وهذه لا تخلو من شبهة ولهذا اشترطنا لها عدم شهود الأصل وظاهر كلام أحمد : أنها لا تقبل في قصاص ولا حد قذف لأنه عقوبة فأشبه سائر الحدود ونص على قبولها في الطلاق لأنه لا يدرأ بالشبهات فيخرج من هذا وجوب قبولها في كل ما عدا الحدود والقصاص كذلك وقال ابن حامد : لا تقبل في النكاح ونحوه قول أبي بكر فعلى قولهما : لا تقبل ني غير المال وما قصد به المال لأنه لا يثبت إلا .
بشاهدين فأشبه الحد وما ثبت بالشهادة على الشهادة ثبت بكتاب القاضي إلى القاضي وملا فلا لأن الكتاب لا يثبت إلا بتحمل الشهادة من جهة القاضي فكان حكمه حكم الشهادة على الشهادة .
فصل .
ولها أربعة شروط : .
أحدهما : تعذر شهود الأصل لموت أو مرض أو غيبة أو خوف أو غيره لأن شهادة الأصل أقوى لأنها تثبت بنفس الحق وهذه لا تثبته ولأن سماع القاضي منهما متيقن ومدق شاهدي الفرع عليهما مظنون فلم تقبل : الأدنى مع القدرة على الأقوى وفي قدر الغيبة وجهان : .
أحدهما : مسافة القصر لأن من دونها في حكم الحاضر ذكره أبو الخطاب .
والثاني : أن يكون بمكان لا يمكنه الرجوع إلى منزله من يومه لأن في تكليفه الحضور مع ذلك ضررا وقد نفاه الله تعالى بقوله : { ولا يضار كاتب ولا شهيد } وما دون ذلك لا مشقة فيه فوجب حضورهما منه .
والشرط الثاني : أن يتحقق شروط الشهادة من العدالة وغيرها في كل واحد من شهود الأصل والفرع لأن الحكم ينبني على الشهادتين معا فإن عدل شهود الفرع شهود الأصل فشهدوا على شهادتهم وعدالتهم كفى ذلك لأن شهادتهما بالحق مقبولة فكذلك في العدالة وإن لم يشهدوا بعدالتهم تولى الحاكم ذلك .
الشرط الثالث : أن يعين شهود الفرع شهود الأصل بأسمائهم وأنسابهم ولو قالوا : نشهد على شهادة عدلين لم تقبل لأنهما ربما كانا عدلين عندهما غير عدلين عند الحاكم ولأنه يتعذر على الخصم جرحهما إذا لم يعرف عينهما .
الشرط الرابع : أن يسترعيه شاهد الأصل الشهادة فيقول : اشهد على شهادتي آني أشهد لفلان على فلان بكذا أو أقر عندي بكذا نص عليه ولو سمع رجلا يقول : أشهد أن لفلان على فلان كذا لم يجز أن يشهد به لأنه يحتمل أنه أراد أن له ذلك عليه من وعد فلم يجز أن يشهد مع الاحتمال بخلاف ما إذا استرعاه لأنه لا يسترعيه إلا على واجب وان سمعه يسترعي غيره جاز أن يشهد به كذلك ويحتمل ألا يجوز لأن في الشهادة على الشهادة معنى النيابة فلا ينوب عنه إلا بأذنه وإن سمعه يشهد عند الحاكم أو سمعه يشهد بحق يعزيه إلى سببه كقوله : أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يشهد به لما ذكرنا .
والثانية : يجوز أن يشهد به لأنه لا يحتمل مع ذلك إلا الوجوب فيزول به الاحتمال ويرتفع به الإشكال فجاز أن يشهد به كما لو استرعاه .
فصل .
ويعتبر دوام هذه الشروط إلى حين الحكم فلو شهد الفروع عند الحاكم فلم يحكم حتى حضر شهود الأصل أو صحوا من المرض وقف الحكم على سماع شهادتهم لأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل فأشبه المتيمم يقدر على الماء وإن فسق شهود الأصل أو رجعوا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم بها لأن الحكم ينبني عليها فأشبه ما لو فسق شهود الفرع أو رجعوا .
فصل .
واختلفت الرواية في شرط خامس : هو اعتبار الذكورية في شهود الفرع فعنه : لا يشترط لأن الفرض إثبات المال فجاز أن يثبت بشهادة النساء مع الرجال كشهادة الأصل والثانية يشترط لأنه شهادتهم على شهادة الشاهدين وليس ذلك بمال ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال أشبه النكاح وأما شهود الأصل فلا تعتبر فيهم الذكورية لأنها شهادة بمال وعنه : أنها تعتبر لأن في الشهادة على الشهادة ضعفا فاعتبر تقويتها باعتبار الذكورية فيها .
فصل .
ويجوز أن يشهد على كل واحد من شهود الأصل شاهد فرع فيشهد شاهدا فرع على شاهدي أصل لأن شهود الفرع بدل من شهود الأصل فاكتفي بمثل عددهم وذكر ابن بطة أنه يشترط أن يشهد على كل واحد من شاهدي الأصل شاهدا فرع لأن شاهدي الفرع يثبتان شهادة شاهدي الأصل فلا يثبت كل واحد منهما إلا باثنين كما لو كانت الشهادة على إقراره لكن إن شهد شاهدا الفرع على كل واحل شاهدي الأصل جاز لأنه إثبات قول اثنين فجاز بشاهدين كالشهادة على إقرار نفسين .
فصل .
ويؤدي الشهادة على الصفة التي تحملها فيقول : أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وإن سمعه يشهد عند الحاكم أو يعزي الحق إلى سبب ذكره