باب عدد الشهود .
والحقوق تنقسم ستة أقسام .
أحدها : ما لا يكفي فيه إلا أربعة شهداء وهو الزنا لقول الله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } .
واللواط زنا فلا يقبل فيه إلا أربعة كذلك ولأنه فاحشة بدليل قول الله تعالى لقوم لوط : { أتأتون الفاحشة } فيعتبر فيه الأربعة لقوله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } .
فأما إتيان البهيمة فإن قلنا : يجب به الحد فهو كالزنا في الشهادة لأنه فاحشة موجبة للحد فأشبه الزنا وإن قلنا : الواجب به التعزير ففيه وجهان : .
أحدهما : يعتبر فيه الأربعة لأنه فاحشة .
والثاني : يثبت بشاهدين لأنه لا يوجب الحد فأشبه قبلة الأجنبية وفي الإقرار بالزنا وجهان : .
أحدهما : تعتبر له الأربعة لأنه سبب يثبت به الزنا فاعتبر فيه أربعة كالشهادة .
والثاني : يثبت بشاهدين لأنه إقرار فثبت بشاهدين كسائر الأقارير وإن كان المقر أعجميا ففي الترجمة وجهان كالشهادة على الإقرار فأما المباشرة دون الفرج وسائر ما يوجب التعزير فيكتفى فيه بشاهدين لأنه ليس بزنا موجب للحد فأشبه ظلم الناس .
فصل .
الثاني : سائر العقوبات كالقصاص وسائر الحدود فلا يقبل فيه إلا شهادة رجلين لما روي عن الزهري قال : جرت السنة من عهد رسول الله A ألا تقبل شهادة النساء في الحدود ولأنها عقوبة مشروعة فلا يقبل فيها إلا شهادة الرجال الأحرار كحد الزنا وسواء كان القصاص في النفس أو ما دونها كالموضحة والأطراف فأما جنايات العمد التي لا توجب القصاص كالجائفة والمأمومة وجناية الأب فقال الخرقي : يقبل فيه رجل وامرأتان أو رجل ويمين وهذا ظاهر المذهب لأنه لا يوجب إلا المال فأشبه البيع وقال ابن أبي موسى : فيه روايتان : .
إحداهما : كما ذكرنا .
والثانية : لا يقبل إلا رجلان قال : وهذا اختياري وهو قول أبي بكر لأنه جناية عمد فأشبه الموضحة وقيل : يقبل في الجائفة لأنها لا توجب قصاصا بحال ولا يقبل في المأمومة وشبهها لأنها لا توجب القود في الموضحة ومن قال بالأول لم يوجب القصاص في الموضحة حتى يشهد بها من يثبت القصاص بشهادته .
فصل .
القسم الثالث : المال وما يوجبه كالبيع والإجارة والهبة والوصية له والضمان والكفالة فيقبل فيه شهادة رجل وامرأتين لقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } إلى قوله : { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } نص على المداينة وقسنا عليه سائر ما ذكرنا .
وقال ابن أبي موسى : لا تثبت الوصية إلا بشاهدين لقول الله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } .
فصل .
القسم الرابع : ما ليس بمال ولا عقوبة كالنكاح والطلاق والرجعة والعتق والوكالة والوصية إليه والولاية والعزل وشبهه ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يقبل فيه إلا رجلان لقول الله تعالى في الرجعة : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فنقيس عليه سائر ما ذكرنا ولأنه ليس بمال ولا المقصود منه المال أشبه العقوبات .
والثانية : يقبل فيه رجل وامرأتان أو يمين لأنه ليس بعقوبة ولا يسقط بالشبهة أشبه المال وقال القاضي : النكاح وحقوقه لا يثبت إلا بشاهدين وما عداه يخرج فيه روايتان وكل ما يثبت بشاهد ويمين لا يقبل فيه شهادة امرأتين ويمين ولا أربع نسوة لأن شهادة النساء ناقصة وإنما انجبرت بانضمام الذكر إليهن فلا يقبلن منفردات وإن كثرن .
فصل .
وإن اختلف الزوجان في الصداق ثبت بشهادة رجل وامرأتين لأنه مال وإن اختلفا في الخلع فادعاه الرجل وأنكرته المرأة قبل فيه رجل وامرأتان لأنه بينة لإثبات المال فإن ادعته المرأة وأنكره الرجل لم يقبل فيه إلا رجلان لأنه بينتهما لإثبات الفسخ وإن اختلفا في عوضه خاصة ثبت برجل وامرأتين لأن الخلاف في المال وإن شهد رجل وامرأتان بسرقة ثبت المال دون القطع وإن شهدوا بقتل عمد لم يجب قصاص ولا دية لأن السرقة توجب المال والقطع فإذا قصرت عن أحدهما ثبت الآخر والقتل يوجب القصاص والمال بدل فإذا لم يثبت الأصل لم توجب بدله وإن قلنا : موجبه أحد شيئين لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار فلو أوجبنا الدية وحدها أوجبنا معينا وقال ابن أبي موسى : لا يجب المال فيما إذا شهدوا بالسرقة لأنها شهادة لا توجب الحد وهو أحد موجبيها فإذا بطلت في أحدهما بطلت في الآخر ولو كان في يد رجل جارية ذات ولد فادعى رجل أنها أم ولده وولدها منه وشهد بذلك رجل وامرأتان قضي له بالجارية لأنها مملوكته فثبت ذلك برجل وامرأتين وإذا مات عتقت بإقراره وفي الولد وجهان : .
أحدهما : يثبت نسبه وحريته لأن الولد نماء الجارية وقد ثبتت له فتبعها الولد في الحكم ثم ثبت نسبه وحريته بإقراره .
والثاني : لا يثبتان لأنهما لا يثبتان إلا بشاهدين فإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها لم يثبت ذلك بشاهد وامرأتين لأن البينة شهدت بملك قديم فلم يثبت والحرية لا تثبت برجلين وامرأتين ويحتمل أن تثبت كالتي قبلها .
فصل .
القسم الخامس : ما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والرضاع والعيوب تحت الثياب والحيض والعدة فيقبل فيه شهادة امرأة عدلة لحديث عقبة بن الحارث ولأنه معنى يقبل فيه قول النساء المنفردات فأشبه الرواية وعنه : لا يقبل فيه إلا شهادة امرأتين لأن الرجال أكمل منهن ولا يقبل منهم إلا اثنان فالنساء أولى وتقبل شهادة النساء في الاستهلال لأنه يكون عند الولادة ولا يحضرها الرجال وتقبل شهادة المرضعة على الرضاع لحديث عقبة وإن شهد الرجل الواحد بما تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة فقال أبو الخطاب : يكتفى به لأنه أكمل منها ولأن ما يقبل فيه قول المرأة يقبل فيه قول الرجل كالرواية .
فصل .
القسم السادس : ما لا يعرفه إلا أهل الطب كالموضحة وشبهها وداء الدواب الذي لا يعرفه إلا البيطار فإذا لم يقدر على اثنين قبل فيه قول الواحد العدل من أهل المعرفة لأن مما يعسر عليه إشهاد اثنين فيقبل فيه قول الواحد كالمسألة قبلها وإن أمكن إشهاد اثنين لم يكتف بدونهما لأنه الأصل