باب اليمين في الدعاوى .
ومن ادعى حقا من المال أو يقصد به المال كالبيع والإجارة فأنكر المدعى عليه فعليه اليمين لقول النبي ( ص ) : [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] رواه مسلم ورواه البخاري بمعناه .
ولحديث الحضرمي و الكندي فأما غير ذلك من الحقوق وهو ما لا يثبت إلا بشاهدين وهو القصاص والقذف والنكاح والطلاق والرجعة والنسب والاستيلاء والرق والعتق والولاء ففيه روايتان : .
إحداهما : لا يستحلف فيها لأن البدل لا يدخلها فلم يستحلف فيها كحقوق الله تعالى .
والثانية : يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف وذكر الخرقي : أنه يستحلف في مدة الإيلاء وتستحلف المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها قبل رجعه زوجها وذكر أبو الخطاب : أنه يستحلف في كل حق الآدمي لعموم الخبر وهو ظاهر في القصاص لقوله عليه السلام : [ لادعى قوم دماء رجال وأموالهم ] ولأنها دعوى صحيحة في حق آدمي فيستحلف عليه كدعوى المال فإذا توجهت اليمين عليه في المال فحلف برىء وإن نكل قضي عليه بعد أن يقول له الحاكم : إن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثا ولا ترد اليمين على المدعي لأن النبي ( ص ) قال [ : اليمين على المدعى عليه ] فحصرها في جانبه .
وادعى زيد بن ثابت على ابن عمر : أنه باعه عبدا يعلم عيبه عند عثمان Bه فقال له : احلف أنك ما بعته وبه عيب علمته فأبى ابن عمر أن يحلف فرد عليه العبد ولم يرد اليمين .
وقال أبو الخطاب : ترد اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له بما ادعاه .
وقال : قد صوبه أحمد وقال : ما هو ببعيد يحلف ويستحق لما روى ابن عمر أن النبي ( ص ) [ رد اليمين على طالب الحق ] رواه الدارقطني .
ولا ترد إلا أن يردها المدعى عليه فإن نكل المدعي عن اليمين أيضا أخر الحكم حتى يحتكما في مجلس آخر فإن كانت الدعوى في غير المال فنكل المدعى عليه لم يقض بالنكول وهل يحبس حتى يقرأ ويحلف أم يخلى سبيله ؟ على وجهين أصلهما إذا نكلت الزوجة عن اللعان وروي عن أحمد في القذف والقصاص فيما دون النفس : أنه يقضى فيه بالنكول إلا أن أبا بكر قال : هو قول قديم المذهب على خلافه .
فصل .
واليمين المشروعة التي يبرأ بها المطلوب هى اليمين بالله تعالى لقوله تعالى : { تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله } وقال سبحانه : { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } وقال تعالى : { و أقسموا بالله جهد أيمانهم } وقال النبي ( ص ) لركانة بن عبد يزيد في الطلاق : [ الله ما أردت إلا واحدة ؟ ] قال : الله ما أردت إلا واحدة .
وسواء كان الحالف مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا لأن النبي ( ص ) قال للحضرمي المدعي على الكندي : [ ليس لك إلا يمينه ] فقال الحضرمي : إنه رجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه قال : ليس لك منه إلا ذلك .
وقال الأشعث بن قيس : كان بني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبى ( ص ) فقال لي النبي ( ص ) : [ هل لك بينة قلت لا قال لليهودى : احلف ثلاثا قلت : إذا يحلف فيذهب بمالي ] فأنزل الله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم } رواه أبو داود و أين حلف ومتى حلف أجزأ لظاهر ما روينا وحلف عمر Bه في حكومة لأبي في النخل في مجلس زيد فلم ينكره أحد واختار الخرقي تغليظها في حق الكافر خاصة في المكان واللفظ فقال : واليمين التي يبرأ بها المطلوب هي اليمين بالله إلا أنه إن كان يهوديا قيل له : قل : و الله الذي أنزل التوراة على موسى وإن كان نصرانيا قيل له : قل : و الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وإن كان لهم مواضع يعظمونها ويتوقون أن يحلفوا فيها كاذبين حلفوا فيها لما روى أبو هريرة قال : قال النبي ( ص ) يعني لليهود : [ نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى ] رواه أبو داود .
وعلى هذا يحلف المجوسي : قل : و الله الذي خلقني ورزقني ويحلف الوثني ومن لا يعبد الله بالله وحده واختار أبو الخطاب : أن الحاكم إن رأى تغليظها في حق المسلم والكافر في اللفظ والمكان والزمان فعل وتغليظها في حق المسلم باللفظ مثل قوله : والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية .
وفي الزمان أن يحلف بعد العصر لقوله تعالى : { تحبسونهما من بعد الصلاة } ويحلف بين الأذانين وفي المكان : أن يحلف بين الركن والمقام بمكة وعند منبر رسول الله ( ص ) بالمدينة وعند الصخرة بالقدس وعند المنبر في سائر المساجد لما روى مالك في الموطأ عن النبي ( ص ) أنه قال : [ امن حلف على منبري هذا بيمين آثمة فليتبوأ مقعده من النار ] ولأنه ثبت التغليظ في أهل الذمه فنقيس عليهم غيرهم ولا تغلظ إلا فيما له خطر كالنصاب من المال والقصاص والطلاق والعتق ونحوه .
فصل .
ويستحلف على حسب جوابه فإذا ادعى عليه قرضا أو بيعا فأجاب أنه : ما أقرضني ولا باعني حلف على ذلك وإن أجاب بأنه لا يستحق علي شيئا حلف عليه لأن اليمين شرعت لتحقيق جوابه وتأكيد صدقه فيما أخبر به فكانت على حسبه فإن ادعى ألفا فجوابه لا يستحق علي الألف ولا شيئا منها أو لا يستحق علي شيئا ويحلف كذلك ولا يكتفى منه بأنه لا يستحق علي الألف لأن ذلك لا ينفي استحقاقه بعضها وإن ادعى على معسر حقا هو عليه لم يجز له أن يحلف أنه لا يستحق علي شيئا لأنه كذب فإن الحق في ذمته .
فصل .
ومتى كانت الدعوى على الخصم في نفسه حلف على البتات في النفي والإثبات لما روى ابن عباس أن رسول الله ( ص ) استحلف رجلا فقال : [ قل : والله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شيء ] رواه أبو داود ولأن له طريقا إلى العلم به فلزمه القطع بنفيه .
فإن كانت الدعوى عليه في حق غيره في الإثبات حلف على البت لأن له طريقا إلى العلم به وفي النفي يحلف على نفي علمه نص عليه أحمد وذكر حديث القاسم ابن عبد الرحمن عن النبي ( ص ) : [ لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون ] .
و في حديث الحضرمي : ولكن أحلفه : و الله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه رواه أبو داود : ولأنه لا يمكنه الإحاطة بنفي فعل غيره فلم يدعي ذلك وذكر ابن أبي موسى عنه : أنه قال : على كل حال اليمين على العلم فيما يدعي عليه في نفسه أو فيما يدعي على ميته قال : وبالأول أقول قال : وعنه فيمن باع سلعة فظهر المشتري على عيب بها وأنكره البائع هل اليمين على علمه أو على البتات ؟ على روايتين .
وإن باع عبدا فأبق عند المشتري هل يحلف على علمه أو على أنه لم يأبق عنده على روايتين .
فصل .
وإذا ادعى عليه جماعة حقا فأنكر لزمه لكل واحد يمين لأنه منكر لحق كل واحد منهم فإن قال : أنا أحلف للجميع يمينا واحدة لم يقبل منه وإن رضي الجماعة بيمين واحدة جاز لأن الحق لهم لا يخرج عنهم