باب الدعاوى .
لا تصح دعوى المجهول في غير الوصية والإقرار لأن القصد في الحكم فصل الخصومة والتزام الحق ولا يمكن ذلك في المجهول فإن كان المدعى دينا ذكر الجنس والنوع والصفة وإن كان عينا باقية ذكر صفتها وإن ذكر قيمتها كان أحوط وإن كانت تالفة لها مثل ذكر صفتها وإن ذكر القيمة كان أحوط وإن لم يكن لها مثل ذكر قيمتها وإن كان سيفا محلى بذهب أو فضة قومه بغير جنس حليته وإن كان محلى بهما قومه بما شاء منهما للحاجة وإن ادعى حقا من وصية أو إقرار جاز أن يدعي مجهولا لأنهما يصحان بالمجهول وإذا ادعى مالا لم يحتج إلى ذكر سببه الذي ملك به لأن أسبابه كثيرة فيشق معرفة كل درهم منه .
فصل .
وإن ادعى عقد نكاح لزم ذكر شروطه فيقول : تزوجتها بولي مرشد وشاهدي عدل وإذنها إن كان إذنها معتبرا لأنه مبني على الاحتياط وتتعلق العقوبة بجنسه فاشترط ذكر شروطه كالقتل وإن ادعى استدامة النكاح ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يلزمه ذكر الشروط لأنه يثبت بالاستفاضة التي لا يعلم معها اجتماع الشروط .
والثاني : يلزم لأنها دعوى في النكاح أشبه العقد وإن ادعى عقدا يستحق به المال كالبيع والإجارة لم يحتج إلى ذكر شروطه لأن مقصوده المال أشبه دعوى العين ويحتمل أن يفتقر إلى ذلك لأنه عقد فأشبه النكاح وإن ادعى قصاصا في نفس أو طرف فلا بد من ذكر صفة الجناية وأنها عمد منفردا بها أو مشاركا فيها ويذكر صفة العمد لأنه قد يعتقد ما ليس بعمد عمدا والقتل مما لا يمكن تلافيه فلا يؤمن أن يقتص ممن لا يجب القصاص فيه وهو ما لا يمكن تلافيه فوجب الاحتياط فيه .
فصل .
وما لزم ذكره في الدعوى فلم يذكره سأله الحاكم عنه ليذكره فتصير الدعوى معلومة فيمكن الحكم بها و الله أعلم .
فصل .
واذا ادعت المرأة النكاح على رجل وذكرت معه حقا من حقوق النكاح سمعت دعواها لأن حاصل دعواها دعوى الحق من المهر والنفقة ونحوهما وذكر النكاح لبيان السبب وإن لم تذكر معه حقا فذكر القاضي : أن دعواها تسمع أيضا لأن النكاح يتضمن حقوقا فصح دعواها له كالبيع وقال أبو الخطاب : فيه وجه آخر أن دعواها لا تسمع لأنه حق عليها فدعواها له إقرار ولا يسمع مع إنكار المقر له .
فصل .
واذا ادعى مالا مضافا إلى سببه فقال : أقرضته ألفا أو أتلف علي ألفا فقال : ما أقرضني وما أتلفت عليه صح الجواب لأنه نفى ما ادعى عليه وإن قال : لا يستحق علي شيئا ولم يتعرف لما ذكر المدعي صح الجواب أيضا لأنه إذا لم يستحق عليه شيئا برىء منه .
فصل .
واذا ادعى على رجل عينا في يده أو دينا في ذمته فأ نكره ولا بينه له فالقول قول المنكر مع يمينه لما روى ابن عباس Bه قال : قال رسول الله A : [ لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] رواه البخاري و مسلم وقال النبي A في قصة الحضرمي والكندي : [ شاهداك أو يمينه ] ولأن الأصل براءة ذمته من الدين والظاهر من اليد الملك واذا تداعيا عينا في أيديهما ولا بينة حلفا وجعلت بينهما نصفين لما روى أبو موسى الأشعري : أذ رجلين تداعيا دابة ليس لأحدهما بينة فجعلها رسول الله A بينهم رواه مسلم .
ولأن يد كل واحد منهما على نصفها فكان القول قوله فيه كما لو كانت العين في يد أحدهما .
وإن تداعيا عينا في يد غيرهما ولا بينة لواحد منهما أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له وسلمت إليه لما روى أبو هريرة أن رجلين تداعيا عينا لم يكن لواحد منهما بينة فأمرهما النبي A أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها رواه أبو داود ولأنهما تساويا ولا بينة لهما فيقرع بينهما كالزوجتين إذا أراد الزوج السفر بإحداهما وإن كانت للمدعي أو لأحد المتداعيين بينة حكم له بها لقول النبي A في حديث الحضرمي : [ ألك بينة ؟ ] قال : لا قال : [ فلك يمينه ] ولأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك لا تهمة فيها فكانت أولى من اليمين التي يتهم فيها .
فصل .
وان ادعيا عينا في يد غيرهما فأقام كل واحد منهما بينة ففيها ثلاث روايات إحداهن تقدم بينة المدعي لقول النبي A : [ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر ] فجعل البينة للمدعي ولأن بينة المدعي أكثر فائدة لأنها تثبت شيئا لم يكن وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا دلت اليد عليه فلم تفد ولأنه يجوز أن يكون مستند البينة المنكر رؤية التصرف ومشاهدة اليد فأشبهت اليد المفردة .
والثانية : تقدم بينة المنكر لأنهما تعارضتا ومع صاحب اليد ترجيح بها فقدمت كالنصين إذا تعارضا والقياس مع أحدهما .
والثالثة : إن شهدت بينة المدعى عليه بالسبب من نتاج أو نسج أو قطيعة أو كانت أقدم تاريخا قدمت و إلا فلا لما روى جابر أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في دابة أو بعير فأقام كل واحد منهما البينة أنها له أنتجها فقضى بها رسول الله A للذي هي في يده ولأنها إذا شهدت بالسبب أفادت ما لا تفيد اليد وترجحت باليد فوجب ترجيحها وكل من قضي له ببينة لم يستحلف معها لأن النبي A قال : [ شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك ] ولأن اليمين تكفي وحدها في حق من شرعت في حقه فالبينة أولى لأنها أقوى وسواء كان الخصم ممن يعبر عن نفسه كالمكلف أو ممن لا يعبر عن نفسه كغيره لما ذكرنا .
فصل .
فإن ادعى الخارج ان الدابة ملكه أودعها إياه أو أجره إياها وأنكر الآخر وأقاما بينتين فبينة الخارج أولى وقال القاضي بينة الداخل أولى لأنه الخارج في المعنى ولنا قول النبي ( ص ) [ : البينة على المدعي ] ولأن اليمين على الداخل فكانت بينة الخارج مقدمة كما لو لم يدع الوديعة .
فصل .
و إن تداعيا عينا في يديهما وأقام كل واحد منهما بينة أنها ملكه تعارضتا وقسمت العين بينهما نصفين ء لما روى أبو موسى : أن رجلين اختصما إلى النبي ( ص ) في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى رسول الله ( ص ) بالبعير بينهما نصفين رواه أبو داود ولأن بينة الداخل أو الخارج مقدمة فكل واحد خارج في نصفها داخل في نصفها الآخر فقدمت بينته في أحد النصفين وهل يلزم اليمين كل واحد منهما في النصف المحكوم له به ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : لا يلزم لما ذكرنا .
والثانية : تجب اليمين لأن البينتين تساوتا فتساقطتا فصارا كمن لا بينة لهما .
وذكر أبو الخطاب رواية أخرى : أنه يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف وأخذها لأنهما لما تساويا وجب المصير إلى القرعة كالعبيد في العتق والأول أولى للخبر والمعنى .
فصل .
وإن تداعيا عينا في يد غيرهما فاعترف أنه لا يملكها وأقام كل واحد منهما البينة أنها له ففيه ثلاث روايات : .
إحداهن : تسقط البينتان ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة حلف أنها له وسلمت إليه لأنهما تساويا من غير ترجيح بيد ولا غيرها فوجب أن يسقطا كالنصين ويصار إلى القرعة كالعبيد إذا تساووا وقد روى الشافعي حديثا رفعه إلى ابن المسيب أن رجلين اختصما إلى النبي ( ص ) في أمر وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم النبي ( ص ) بينهما .
والثانية : تقسم العين بينهما لحديث أبي موسى لأنهما تساويا في الدعوى والبينة واليد فوجب أن تقسم العين بينهما كما لو كانت في أيديهما .
والثالثة : يقرع بينهما فمن قرع صاحبه أخذها بغير يمين لأن القرعة أوجبت العمل بإحدى البينتين ولا حاجة إلى اليمين مع البينة .
فصل .
وإذا ادعى عينا في يد إنسان فأقر بها لغيره وصدقه المقر له حكم له لأنه مصدق فيما بيده وقد صدقه المقر له فصار كصاحب اليد وتنتقل الخصومة إليه وعلى المقر اليمين لأنه لا يعلم أنها للمدعي لأنه لو أقر بها له لزمه غرمها ومن لزمه الغرم مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار فإن نكل عنها مع طلبها منه قضي عليه بالغرم وإن أكذبه المقر له وقال : ليست لي وكان للمدعي بينة حكم له .
وإن لم يكن له بينة ففيه وجهان : .
أحدهما : تدفع إليه لأنه يدعيها ولا منازع له فيها أشبه التي في يده ولأن صاحب اليد لو ادعاها ثم نكل قضي عليه فمع عدم ادعائه لها أولى .
والثاني : لا تدفع إليه لأنه ليس له إلا مجرد الدعوى فلا يحكم بها كما لو أنكره الآخر فعلى هذا يأخذها الإمام يحفظها حتى يظهر صاحبها لأنه لم يثبت لها مستحق فهي كالضالة ويحتمل أن تقر في يد المقر لأنه لم يثبت صحة إقراره فإن أقر المقر له بها للمدعي سلمت إليه لأنه قام مقام صاحب اليد لو ادعاها فقام مقامه في الإقرار بها .
وإن أقر بها صاحب اليد لغائب معين صار الغائب الخصم فيها فإن أقام المقر بينة أنها للغائب سمعها الحاكم لإزالة التهمة وإسقاط اليمين عنه ولم يحكم بها للغائب لأنه إنما يقضى بها إذا أقامها المدعي أو وكيله وليس المدعي واحدا منهما ومتى لم يكن للمدعي بينة لم يقض له بها لأنه لا يقضى على الغائب بغير حجة فإن أقام بينة سمعها الحاكم وقضى بها والغائب على خصومته متى حضر فإذا حضر فأقام بينة أنها ملكه تعارفت البينتان وأقرت في يد المدعي إن قلنا : إن بينة الخارج مقدمة لأنه خارج وإن قلنا : تقدم بينة الداخل فهي للغائب لأنه صاحب اليد وإن ادعى الحاضر أنها معه بأجرة أو عارية وأقام بينة لم يقض له بها لأن ثبوت الإجارة والعارية يترتب على الملك ولا يثبت الملك بها فكذلك فرعها وان أقر الحاضر بها لمجهول لم تسمع وقيل : إن أقررت بها لمعروف وإلا جعلناك ناكلا وقضينا عليك له فإن أصر قضي عليه بنكوله فإن قال بعد ذلك : هي لي لم يقبل في أحد الوجهين لأنه اعترف أنها ليست له .
والثاني : تسمع لأن قوله ذلك لم يصح فلم يمنع صحة الدعوى لنفسه .
فصل .
و إن ادعى أن هذه العين كانت ملكه لم تسمع دعواه حتى يدعي ملكها في الحال لأن الخلاف في ملكه لها في الحال وان ادعى ملكها في الحال فشهدت بينته أنها كانت ملكه أمس أو أنها كانت في يده أمس لم تسمع لأنها شهدت بغير ما ادعاه ويحتمل أن تسمع ويقضى بها لأنها تثبت الملك في الزمن الماضي فيجب استدامته حتى يعلم زواله فإن انضم إليها بيان سبب يد الثاني فقالت : نشهد أنها ملك هذا أمس فغصبها هذا منه أو سقطت فالتقطها هذا حكم له بها لأنه تثبت أن يد الثاني عدوان ليست دليلا للملك فيجب القضاء باستدامة الملك الماضي وإن ادعى .
جارية أو ثمرة فشهدت بينة أن الجارية بنت أمته والثمرة ثمرة شجرته لم يحكم له بها لأنه يجوز أن تلدها أو تثمرها قبل ملكه فإن قالت مع ذلك : ولدتها في ملكها وأثمرتها في ملكه حكم له بها لأنها شهدت أنها نماء ملكه فصار كما لو شهدت أن الغزل من قطنه وإن شهدت بينة أن الغزل من قطنه أو الطير من بيضته أو الدقيق من حنطته حكم له بها لأن الجميع عين ماله وإنما تغيرت صفته .
فصل .
وإن كانت في يد زيد دار فادعى آخر أنه ابتاعها من غيره وهي ملكه فأقام ذلك بينة حكم له بها لأنه ابتاعها من مالكها وإن شهدت أنه باعه إياها وسلمها إليه حكم له بها لأنه لم يسلمها إليه إلا وهي في يده وان لم يذكر الملك ولا التسليم لم يحكم بها لأنه لا يمكن أن يبيعه ما لا يملكه فلا تزال يد صاحب اليد وإن ادعاها رجلان فشهد لأحدهما رجلان أن صاحب اليد غصبه إياها وشهد للآخر شاهدان أن صاحب اليد أقر له بها حكم للمغصوب منه لأنه ثبت أن صاحب اليد غاصب وإقرار الغاصب غير مقبول .
فصل .
وإذا تداعى رجلان دارا ذكر كل واحد منهما أنه ابتاعها من زيد ونقده ثمنها أو ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وادعى آخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه ولكل واحد منهما بينة بدعواه واختلف تاريخهما فهي للأول لأنه ابتاعها من مالكها وإن استوى تاريخهما أو أطلقتا أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى تعارضتا فإن كانت الدار في يد أحدهما ابتنى على بينة الداخل والخارج وإن كانت في يد غيرهما فادعاها لنفسه وقلنا : تسقط البينتان حلف لكل واحد منهما يمينا وأخذها وإن قلنا : يستعملان بأن يقرع بينهما قرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها وإن قلنا : تقسم بينهما فلكل واحد منهما نصفها بنصف الثمن وقد نص أحمد C في رواية الكوسج في رجل أقام البينة أنه اشترى سلعة بمائة فأقام الآخر بينة أنه اشتراها بمائتين فكل واحد منهما يستحق نصف السلعة بنصف الثمن فيكونان شريكين فإن لم يدعها صاحب اليد فإن قلنا : تسقط البينتان رجع إليه فإن أقر بها لأحدهما سلمت إليه ويحلف كل واحد منهما للذي أنكره وإن أقر بها لهما قسمت بينهما ويحلف لكل واحد منهما يمينا ويحلف كل واحد منهما لصاحبه على النصف المحكوم له به وإن قلنا : تستعمل البينتان لم يفد إقراره شيئا لأنه قد ثبت زوال ملكه وأن يده لا حكم لها فصار كالأجنبي ولو كان في يده عبد فادعى رجل أنه اشتراه منه وادعى العبد أنه أعتقه وأقاما بينتين فالحكم على ما مضى من التفصيل ومتى قلنا : تقسم العين بينهما عتق نصف العبد وللآخر نصفه بنصف الثمن .
فصل .
فإن كان في يده دار فادعى رجل أنه باعه إياها بمائة في رمضان وأنه يستحق ثمنها عليه وادعىآخر أنه باعه إياها في شوال وأنه استحق عليه ثمنها ولا بينة لهما فأنكرهما حلف لكل واحد منهما يمينا وبرىء وإن أقاما بينتين بدعواهما لزمه اليمين لكل واحد منهما لأنه يمكن أن يشتريها من الأول في رمضان ثم تصير للثاني فيبيعها الآخر في شوال وإن اتفق تاريخهما تعارضتا فإن قلنا : بسقوطهما صارا كمن لا بينة لهما و إن قلنا : يستعملان قسم الثمن بينهما على رواية ويقدم أحدهما بالقرعة رواية أخرى وإن أطلقتا أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى لزمه الثمنان لهما لأنه أمكن صدق البينتين بأن يكونا في زمنين فوجب تصديقهما كالمختلفي التاريخ ويحتمل تعارضهما لاحتمال استواء تاريخهما والأصل براءة الذمة والأول أولى .
فصل .
إذا قال لعبده : إن قتلت فأنت حر فادعى العبد أنه قتل وادعى الوارث أنه مات ولا بينة لهما فالقول قول الوارث مع يمينه وإن أقام كل واحد منهما بينة ففيه وجهان : .
أحدهما : يتعارضان ويبقى العبد رقيقا لأن كل واحدة منهما تثبت ما شهدت به وتنفي ما شهدت به الأخرى فهما سواء .
والثاني : تقدم بينة العبد لأنها تثبت القتل وهو : صفة زائدة على الموت فقد تضمنت زيادة أثبتتها وقول المثبت مقدم وان قال لأحد العبدين : إن مت في رمضان فأنت حر وقال للآخر : إن مت في شوال فأنت حر ولا بينة لهما فأنكرهما الوارث فالقول قوله مع يمينه لأنه يحتمل موته في غيرهما والأصل بقاء الرق وإن اعترف لهما فالقول قول من يدعي موته في شوال لأن الأصل بقاء الحياة وإن أقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه ففيه وجهان : .
أحدهما : يتعارضان لأن موته في أحد الزمانين ينفي موته في الآخر فيبقى العبدان على الرق ذكره أصحابنا وقياس المذهب أن يقرع بينهما ويعتق أحدهما لأنا علمنا حرية أحدهما لا بعينه .
والوجه الثاني : تقدم بينة رمضان لأنه يحتمل أنه خفي موته في رمضان على البينة الأخرى وعلمته الأولى و إن قال العبد : إن مت من مرضي هذا فأنت حر وقال لآخر : إن برئت فأنت حر ولا بينة لهما فالقول قول الأول لأن الأصل عدم البرء وإن أقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه تعارضتا والحكم فيها كالتي قبلها لأن كل واحدة منهما تنفي ما أثبتته الأخرى ويحتمل تقديم بينة البرء ولأنه يجوز أن تعلمه إحداهما وتخفى على الأخرى .
فصل .
وإذا كان في يد رجل عين فادعاها نفسان وعزيا الدعوى إلى سبب يقتضي اشتراكهما فيها كالإرث والشراء في صفقة واحدة فأقر لأحدهما بنصفها شاركه الآخر فيه لأن دعواهما تقتضي اشتراكهما في كل جزء منها وكذلك لو كان طعاما فهلك بعضه كان باقيه بينهما أن يكون المجحود والمقر به بينهما و إن لم يعزيا الدعوى إلى سبب يقتضي الاشتراك فأقر لأحدهما بنصفها لم يشاركه الآخر لأن دعواه لا تقتضي الاشتراك في كل جزء وإن أقر له بجميعها وكان المقر له قد أقر لشريكه في الدعوى بنصفها لزمه دفعه إليه لأنه أقر له به فإذا وصل إليه لزمه حكم إقراره وإن لم يكن أقر له وادعى جميعها حكم له به وانتقلت الخصومة في النصف إليه لأنه يجوز أن يكون الجميع له ويخص النصف بالدعوى لأن له عليه بينة أو يظن أنه يقر له به ومن يملك الجميع فهو يملك النصف فإن قال : النصف لي والباقي لا أعلم صاحبه أعطي النصف الذي ادعاه وفي النصف الباقي ثلاثة أوجه تقدم ذكرها فيمن ادعى عينا في يد رجل فأقر بها لغيره وكذبه المقر له .
فصل .
فإن كان في أيديهما دار ادعى أحدهما نصفها وادعاها الآخر كلها ولا بينة لهما فهي بينهما نصفين وعلى مدعي النصف اليمين لصاحبه لأن يده على نصفها فالقول قوله فيه مع يمينه ولا منازع لصاحبه في نصفها الآخر وهو في يده فإن أقام كل واحد منهما بينة تعارضتا وأيهما يقدم ؟ ينبني على الخلاف في تقديم بينة المدعي والمنكر وظاهر المذهب تقديم بينة المدعي فتكون الدار كلها لمدعي الكل وإن كانت الدار في يد ثالث لا يدعيها فلصاحب الكل نصفها الذي لا ينازع فيه فإن لم يكن لهما بينة أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذ النصف الآخر وإن كان لأحدهما بينة حكم بها وإن كانت لكل واحد منهما بينة تعارضتا وسقطتا وصارا كمن لا بينة لهما يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذ النصف وعنه : تقسم بينهما فيصير لمدعي الكل ثلاثة أرباعها على ما مضى فيمن تداعيا عينا في يد غيرهما .
فصل .
ولو ادعى إنسان أن أباه مات وخلفه وأخا له غائبا أو صغيرا أو مجنونا وخلف عينا لهما في يد إنسان فأنكر المدعى عليه فأقام المدعي بينة بدعواه ثبتت العين للميت وانتزعت من يد المنكر ودفع نصفها إلى المدعي وحفظ الحاكم نصيب الغائب له ولو ادعى الدار له ولأجنبي لم ينزع الحاكم نصيب الأجنبي من المنكر لأن الشريك ينوب عن نفسه وها هنا يثبت الحق للميت فتقضى ديونه منه وتنفذ وصاياه ولأن الأخ ها هنا يشارك أخاه فيما أخذه إذا تعذر عليه أخذ الباقي بخلاف الأجنبي وإن كان المدعى دينا في ذمة إنسان فهل يقبض الحاكم نصيب أخي المدعي ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : يقبضه لأنه أنفع لصاحبه إذ قد تتعذر البينة عليه عند قدومه أو يعزل الحاكم فوجب أن يقبضه كالعين .
والثاني : لا يقبضه لأن الذمة أحوط له من يد الأمين لأنه قد يتلف إذا قبضه .
فصل .
إذا مات رجل وخلف ولدين مسلما وكافرا فادعى كل واحد منهما أن أباه مات على دينه ليرثه دونه أخيه فإن علم أصل دينه فالقول قول من يبقيه عليه مع يمينه لأنه الأصل فلا يزال بالشك وان لم يعرف أصل دينه فقال الخرقي : القول قول الكافر لأنه لو كان مسلما أصليا لم يقر ولده على الكفر في دار الإسلام فيكون ذلك دليلا على أنه كان كافرا قال ابن أبي موسى : وعن أحمد C رواية أخرى : أن الميراث بينهما نصفين فإن أقام كل واحد منهما بينة أن أباه مات على دينه فقال الخرقي و ابن أبي موسى : يكونان كمن لا بينة لهما وقد ذكرنا أن البينتين إذا تعارضتا قدم أحدهما بالقرعة في وجه وتقسم العين بينهما في وجه ويحتمل أن تقدم بينة المسلم ها هنا لأنه يجوز أن تكون اطلعت على أمر خفي على البينة الأخرى وإن قالت إحدى البينتين : نعرفه مسلما وقالت الأخرى : نعرفه كافرا واختلف تاريخهما عمل بالآخرة منهما لأنه ثبت بها أنه انتقل عما شهدت به الأولى وإن اتفق تاريخهما تعارضتا وإن أطلقتا أو أطلقت إحداهما قامت بينة المسلم لأن الإسلام يطرأ على الكفر وذكر القاضي أن قياس المذهب فيهما إذا لم يكن لهما بينة مثل ما إذا تداعيا عينا وإن كانت التركة في أيديهما تحالفا وكانت بينهما وإن كانت في يد غيرهما أقرع بينهما والأول أولى لأن صاحب اليد معترف أن هذه تركة للميت فلا تدل يده على الملك وإن ادعى كل واحد منهما أن هذه التركة لي ورثتها عن أبي ولم يعترف .
أحدهما بأخوة الآخر فهي كما قال القاضي سواء ذكرا أبا واحدا أو أبوين وإن خلف ابنا مسلما أو أخا كافرا فاختلف في دينه عند موته فالحكم على ما ذكرناه وإن خلف أبوين وابنين فادعى الأبوان أنه مات على دينهما وادعى الابنان أنه مات على دينهما فذلك بمنزلة معرفة أصل دينه لأن الولد قبل بلوغه محكوم له بدين أبويه فيكون القول قولهما ما لم تقم بينة بخلافه .
فصل .
وإن خلف ابنين كان أحدهما عبدا فادعى أنه عتق قبل موت أبيه وأنكره أخوه فالقول قول المنكر لأن الأصل عدم العتق فإن اتفقا على أنه عتق في رمضان واختلفا في وقت موت الأب فقال الحر : مات في شعبان وقال الآخر : مات في شوال فالقول قول المعتق لأن الأصل بقاء الحياة وكذلك إن مات مسلم وله ولدان مسلم وكافر فأسلم الكافر واختلفا في وقت إسلامه .
فصل .
وإذا مات رجل فادعى إنسان أنه وارثه لم تسمع الدعوى حتى يبين سبب الإرث لجواز أن يعتقد أنه وارث بسبب لا يرث به ولا يقبل إلا ببينة تشهد أنه وارثه لا نعلم له وارثا سواه ويبين السبب كما يبين المدعى فيدفع إليه ميراثه لأن الظاهر عدم وارث فإن لم يقولا : لا وارث له سواه وكان للمشهود له فرض لا يمكن إسقاطه أعطي اليقين كالزوج يعطى ربعا عائلا والزوجة تعطى ربع تسع وكل واحد من الأبوين يعطى سدسا عائلا ولا يعطى من سوى هؤلاء شيئا لأنه يحتمل أن يكون محجوبا أو لا يعلم ماله بيقين كالولد فإن قالا : نشهد أن هذا ولد فلان ولا نعلم له ولدا سواه قبلت شهادتهما ويدفع إليه ربع وسدس إن كان ذكرا لأنه أقل ما يرث مع زوج وأبوين والخمسان إن كان أنثى لأنه أقل ما يرث مع زوج وأبوين وبنت ابن فإن كان الميت رجلا فأقل ما يرث الابن نصف وثلث ثمن والبنت النصف عائلا ويبعث الحاكم إلى البلدان التي دخلها الميت فيسأل عن أحواله ويستكشف فإن لم يظهر له وارث توقف مدة بحيث لو كان له وارث ظهر فإن لم يظهر له غيره دفع إليه كمال ميراثه لأن البحث مع هذه الشهادة ء كشهادة أهل الخبرة أنهم لا يعلمون وارثا سواه .
فصل .
ولو مات رجل و خلف ابنا و زوجة ودارا فادعت الزوجة أنه أصدقها إياها وأنكر الابن فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الصداق فإن أقامت بينة بدعواها وأقام الابن بينة أن أباه تركها ميراثا قدمت بينة الزوجة لأنها تشهد بأمر حادث على الملك خفي على بينة الإرث وكذلك إن ادعت هي أو غيرها شراءها أو اتهابها فالحكم كذلك لما ذكرنا .
فصل .
وإذا تنازع الزوجان في متاع البيت حال الزوجية أو بعد الفرقة أو تنازع ورثتهما بعد موتهما أو أحدهما وورثة الآخر ولا بينة لهما حكم بما يصلح للرجال من ثيابهم وعمائمهم وسلاحهم ونحو ذلك للرجل وما يصلح للنساء من ثيابهن ومقانعهن وحليهن ومغازلهن ونحو ذلك للمرأة وما يصلح لهما من الفرش والحصر والآنية و نحو ذلك فهو بينهما لأن الظاهر أن من يصلح له شيء فهو له فرجح قوله فيه كصاحب اليد قال القاضي : هذا إذا كانت أيديهما عليه من طريق الحكم بأن يكون في منزلهما فإذا كان في يد أجدهما المشاهدة فهو له وإن كان في أيديهما فهو بينهما لأن اليد المشاهدة أقوى فرجح بها .
فصل .
وإن اختلف صانعان في دكان في الآلات التي فيه حكم بآلة كل صناعة لصاحبها لأن الظاهر معه وإن تنازعا في شيء خارج من الدكان لم يرجح دعوى أحدهما بصلاحية المدعى له لأنه إنما يصلح للترجيح مع اليد الحكمية ولا يكفي مع انفراده كما لو اختلف الزوجان في متاع خارج من البيت .
فصل .
وإن تنازع رب الدار والمكتري في شيء في الدار المكتراة وكان مما يتبع الدار في البيع كالسلم المسمر والرف المسمر والخابية المنصوبة والمفاتيح فهو لرب الدار لأنه من توابعها فأشبه الشجرة المغروسة فيها فإن كان مما لا يتبعها كالفرش والأواني فهو للمكتري لأن يده عليه والعادة أن الإنسان يؤجر داره فارغة وإن تنازعا في رفوف موضوعة على أوتاد فعن أحمد : أنه لرب الدار لأن الظاهر أنه يترك الرفوف فيها فأشبه المتصلة وقال القاضي : يتحالفان ويكون بينهما لأن هذا الظاهر معارض بكون الرفوف لا تتبع الدار في البيع فاستويا وقال أبو الخطاب : إن كان لها .
شكل منصوب في الدار فهو لصاحبها لأن أحدهما له فكان الآخر له وإن لم يكن لها شكل منصوب فهو للمكتري لأن يده عليه وهو مما لا يتبع الدار فأشبه الفرس .
وإن اختلفا في مصرع باب مقلوع فالحكم فيه كالحكم في الرف إلا أن القاضي قال : إن كان له شكل في الدار فالقول قول رب الدار و إلا فالقول قول المكتري .
فصل .
وإن اختلف رب الدار والخياط الذي فيها في الإبرة والمقص فهما للخياط لأن تصرفه فيهما أظهر وإن اختلفا في الثوب فهو لصاحب الدار لأن الظاهر أنه لا يحمل قميصه يخيطه في دار غيره وإن اختلف النجار ورب الدار فالقول قول النجار في القدوم والمنشار والقول قول رب الدار في الرفوف والخشب لما ذكرناه وإن تنازع رجلان دابة أحدهما راكبها أو له حمل عليها والآخر آخذ بزمامها فهي لراكبها لأن تصرفه فيها أقوى ويده آكد فإن كان لأحدهما عليها حمل والآخر راكبها فهي للراكب لأن يده عليها وعلى الحمل وان اختلف صاحب الدابة وراكبها في حملها فهو لراكبها لأن يده على الدابة فتكون يده على حملها وان تنازعا في رحل الدابة وسرجها فهو لصاحبها لأنه تابع للدابة والعادة جارية لأن ذلك يكون لصاحبها .
فصل .
وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما عقدا لا يمكن إحداثه فالقول قوله فيه لأن الظاهر أنه بناه مع ملكه وإن كان له عليه أزج فهو له لأن الظاهر أنه لا يضع أزجه إلا على ملكه ولا يرجح أحدهما بوضع خشبه عليه لأن النبي ( ص ) أمر أن لا يمنع المرء جاره من وضع خشبه على حائطه وإن كان معقودا ببناء كل واحد منهما أو محلولا منهما أو لكل واحد منهما عليه أزج أو لا أزج لواحد منهما تحالفا وكان بينهما لأنهما استويا فيه مع ثبوت يديهما عليه فأشبه ما لو تنازعا دارا في يديهما و إن تنازع صاحب العلو والسفل السقف الذي بينهما فهو بينهما لأنه حاجز توسط بين ملكيهما أشبه الحائط بين الملكين وان تنازعا درجة تحتها مسكن فهي بينهما لأنهما تساويا في الانتفاع بها وإن لم يكن تحتها مسكن أو تنازعا سلما منصوبا فهو لصاحب العلو لأنها وضعت لنفعه وإن كانت تحتها جب فهي لصاحب العلو لأن المقصود بها نفعه وإن تنازعا حائط العلو فهو لصاحبه لأنه مختص بنفعه وإن تنازعا حائط السفل احتمل أن يكون بينهما لأنه لنفعهما فهو كالسلم تحته مسكن واحتمل أن يكون لصاحب السفل لأنه لم تجر العادة ببيت لا حائط له وإن تنازعا صحن الدار والدرجة فيه فهو بينهما لأن لكل واحد منهما عليه يدا وإن لم يكن فيه درجة فهو لصاحب السفل ولهذا يملك منع صاحب العلو من الاستطراق فيه وان تنازعا مسناة بين أرض أحدهما ونهر الآخر فهي بينهما لأنه حائط بين ملكيهما ينتفع به كل واحد منهما أشبه الحائط بين الدارين وإن تنازعا عمامة في يد أحدهما طرفها وباقيها في يد الآخر تحالفا وكانت بينهما لأن يد كل واحد منهما ثابتة عليها وإن كان أحدهما لابسها والآخر آخذ بطرفها أو تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للابسه لأن المنتفع به المتصرف فيه وإن تنازعا عبدا عليه ثياب لأحدهما فهما سواء لأن نفع الثياب تعود إلى العبد لا إلى صاحبه .
فصل .
وإن كان في يده غلام بالغ عاقل فادعاه عبدا له فصدقه حكم له بملكه وإن كذبه فالقول قوله لأن الظاهر الحرية وإن كان طفلا لا يميز فهو للمدعي لأنه لا يعبر من نفسه أشبه البهيمة فإن بلغ فقال : إني حر لم يقبل منه لأنه حكم برقه قبل دعواه وإن لم يدع ملكه لكنه كان في يده يتصرف فيه فهو كما لو ادعى رقه لأن اليد دليل الملك فإن ادعى أجنبي نسبه ثبت ولم يزل ملك سيده لأنه يجوز أن يكون ولده وهو مملوك إلا أن يكون المدعي امرأة فتثبت حرية ولدها أو يكون رجلا عربيا فإن فيه روايتين : إحداهما : لا يسترق ولده فيحكم بحريته حينئذ وإن كان الصبي مميزا فأنكر رق نفسه ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يثبت رقه لأنه معرب عن نفسه في دعوى الحرية فأشبه البالغ .
والثاني : يثبت الملك عليه لأنه لا قول له فأشبه الطفل ولو ادعى رجلان رق كبير في أيديهما فأقر لأحدهما فهو لمن أقر له لأن رقه إنما يثبت بإقراره وإن جحدهما فالقول قوله فإن أقام كل واحد منهما بينة بملكه تعارفتا فإن قلنا بسقوطهما رجع إلى قوله وإن قلنا بقسمته بينهما أو بقرعته بينهما عمل على حسب ذلك .
فصل .
ولو كان في يده صغيرة فادعى نكاحها لم تقبل دعواه ولا يخلى بينه وبينها إلا أن تكون بينة لأن النكاح لا يثبت إلا بعقد وشهادة بخلاف الرق فإذا كبرت واعترفت له بالنكاح قبل إقرارها والله أعلم .
فصل .
ومن كان له حق على من يقر به ويبذله لم يكن له أن يأخذ من ماله إلا ما يعطيه لأن الخيرة إلى الغريم في تعيين ما يقضيه فإن أخذ من ماله شيئا بغير اختياره لزمه رده لأنه لا يجوز أن يتملك غير ماله بغير ضرورة فإن أتلفه صار دينا في ذمته فإن كان من جنس حقه تقاص الدينان وتساقطا وان كان من غير جنسه صار دين كل واحد منهما فى ذمة الآخر وإن كان من عليه الدين مانعا له بجحد أو تعد فالمذهب أنه ليس له الأخذ أيضا لقول النبى ( ص ) [ أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ] والأخذ من ماله بغير علمه خيانة و لأنه إن أخذ من غير جنس .
حقه فهي معاوضة بغير تراض منهما فلا يجوز لقول الله تعالى { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } وان أخذ من جنسه فليس له تعيين الحق بغير رضى صاحبه كحالة البذل قال ابن عقيل وجعل أصحابنا المحدثون لجواز الأخذ وجها وخرجه أبو الخطاب احتمالا لقول النبي ( ص ) لهند : [ خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ] حين أخبرته أن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيها ما يكفيها ولقوله عليه السلام [ الرهن محلوب و مركوب بنفقته ] .
فعلى هذا إن أخذ من جنس حقه أخذ قدره وإن أخذ من غير جنسه اجتهد في تقويمه كقولنا في المرتهن : يركب ويحلب بقدر العلف .
فصل .
و إذا ادعى حقا على إنسان وأقام به شاهدين فلم يعرف الحاكم عدالتهما فسأل حبس غريمه حتى تثبت عدالة شهوده أجيب إليه لأن الظاهر عدالة المسلم ولأن الذي على الشاهد قد أتى به و إنما بقي ما على الحاكم وهو الكشف عن عدالة الشهود وإن أقام شاهدا واحدا في حق لا يثبت إلا بشاهدين وسأل حبس غريمه ليقيم آخر لم يحبس لأن الحبس عذاب فلا يتوجب قبل تمام البينة وإن كان الحق مما يثبت بشاهد واحد احتمل أن يحبس لأن الشاهد حجة فيه واليمين إنما هي مقوية واحتمل أن لا يحبس لأن الحجة ما تمت ويحتمل أنه إن كان المدعي باذلا لليمين ولم تثبت عدالة الشاهد حبس لأنها في معنى التي قبلها وان كان التوقف عن الحكم لغير ذلك لم يحبس لأنه إن حبس ليقيم شاهدا آخر فهي كالتي لا تثبت إلا بشاهدين وإن حبس ليحلف الخصم فلا حاجة إلى الحبس مع إمكان اليمين في الحال وكل موضع حبس على تعديل الشهود استديم حبسه حتى تثبت عدالتهم أو فسقهم وان حبس ليقيم شاهدا آخر حبس ثلاثا فإن أقام الخصم شاهدا وإلا خلي سبيله وإن ادعى العبد أن سيده أعتقه وأقام شاهدين فلم يعدلا فسأل الحاكم أن يحول بينه وبين سيده إلى أن يبحث الحاكم عن عدالة شهوده فعل ذلك ويؤخره الحاكم وينفق عليه من كسبه لما ذكرنا فيما تقدم