باب ما على القاضي في الخصوم .
يلزمه أن يسوي بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس والخطاب والإقبال عليهما والسماع منهما لما روت أم سلمة أن النبي A قال : [ من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر ] رواه عرم بن شيبة في كتاب قضاة البصرة .
وكتب عمر إلى أبي موسى Bهما : واس الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع شريف في حيفك .
وجاء رجل إلى شريح وعنده السري فقال : اعدل بي على هذا الجالس إلى جنبك فقال شريح للسري : قم فاجلس مع خصمك قال : إني أسمعك من مكاني قال : لا قم فاجلس مع خصمك إن مجلسك برتبته وإني لا أدع النصرة وأنا عليها قادر ولأن إيثار أحد الخصمين في بعض ما ذكرنا يكسر خصمه والمستحب أن يجلسهما بين يديه لما روى ابن الزبير قال : قضى رسول الله A أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي رواه أبو داود ولأنه أمكن لخطابهما فإن كان أحدهما مسلما والآخر ذميا جاز رفع المسلم عليه لما روى إبراهيم التيمي : أن عليا Bه حاكم يهوديا إلى شريح فقام شريح من مجلسه فأجلس عليا فيه فقال علي Bه : لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك ولكني سمعت رسول الله A يقول : [ لا تساورهم في المجالس ] ولا ينبغي أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه نزل به رجل فقال : ألك خصم ؟ قال : نعم قال : تحول عنا فإني سمعت رسول الله ( A ) يقول : [ لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه ] .
ولا يسار أحدهما ولا يلقنه حجته ولا يأمره بإقرار ولا إنكار لما فيه من الضرر فإن لم يحسن الدعوى ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يجوز له تلقينه كيف يدعي لأن في تلقينه ما يثبت حقه به أشبه تلقينه الحجة .
والثاني : يجوز لأنه لا ضرر على الآخر في تصحيح دعواه وله أن يزن عن أحدهما ما وجب عليه لأنه نفع لخصمه ولا يكون إلا بعد انقضاء الحكم وله أن يشفع لأحدهما إلى الآخر لأن النبي A شفع إلى كعب بن مالك في أن يحط عن ابن أبي حدرد بعض دينه متفق عليه .
وإن أحب غلبة أحدهما ولم يظهر منه ذلك بقول ولا فعل فلا شيء عليه لأن التسوية في المحبة والميل بالقلب لا يستطاع فأشبه التسوية بين النساء ولا ينتهر خصما دون الآخر لئلا يكسره إلا أن يظهر منه لدد أو سوء أدب فينهاه فإن عاد زجره فإن عاد عزره ولا يزجر شاهدا ولا يتعيبه لأن ذلك يمنعه أداء الشهادة على وجهها ويدعوه إلى ترك القيام بتحملها وأدائها وفيه تضييع للحقوق .
فصل .
وإذا حضر القاضي خصوم كثيرة قدم الأول فالأول لأن الأول سبق إلى حق له فقدم كما لو سبق إلى موضع مباح فإن حضروا دفعة واحدة أو أشكل السابق أقرع بينهم فمن قرع قدم لأنهم تساووا فقدم أحدهم بالقرعة كالنساء إذا أراد السفر بإحداهن وإن ثبت السبق لأحدهم فأثر غيره بسبقه جاز لأن الحق له فجاز إيثاره به كما لو سبق إلى مباح ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة واحدة كيلا يستوعب المجلس بدعاويه فيضر بغيره وإن حضر مقيمون ومسافرون قليل في وقت واحد وهم على الخروج قدموا لأن عليهم ضررا في المقام وإن كانوا مثل المقيمين ولا يزال ضرر بمثله وإن تقدم خصمان فادعى أحدهما حقا على الآخر فقال الآخر : أنا جئت به وأنا المدعي قدم السابق بالدعوى لأن ما يدعيه كل واحد منهما محتمل وللسابق حق السبق فقدم .
فصل .
وإذا كان بين اثنين خصومة فدعا أحدهما صاحبه إلى مجلس الحكم لزمته إجابته لقول الله تعالى : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا } فإن لم يحضر فاستعدي عليه لزم الحاكم أن يعديه لأن تركه يفضي إلى تضييع الحقوق فإن استدعاه الحاكم لزمته الإجابة فإن أبى تقدم إلى صاحب الشرط ليحضره وإن استعدى على غائب وكان الغائب في بلد فيه حاكم كتب إليه لينظر بينهما وإن لم يكن ثم حاكم وكان ثم من يتوسط بينهما كتب إليه لينظر بينهما فإن لم يكن ثم من ينظر بينهما لم يحضره حتى يحقق الدعوى لأنه يجوز أن يكون المدعى ليس بحق كثمن الكلب والخمر فلا يكلفه مشقة الحضور كما لا يقضي به فإذا حقق الدعوى أحضره بعدت المسافة أو قربت لما روي أن أبا بكر Bه كتب إلى المهاجر بن أبي أمية : أن ابعث إلي بقيس بن المكشوح في وثاق فأحلفه خمسين يمينا على منبر رسول الله A أنه ما قتل داذويه ولأننا لو لم نلزمه الحضور جعل البعد طريقا إلى إبطال الحقوق وإن استعداه على امرأة برزة فهي كالرجل لأنها مثله في الخروج إلى الحاجات وإن كانت غير برزة لم تكلف الحضور وتوكل من يحاكم عنها فإن توجهت اليمين عليها بعث إليها من يحلفها لأن النبي A قال : [ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ] ولم يكلفها الحضور