باب صفة الصلاة .
وأركانها خمسة عشر : .
القيام وهو واجب في الفرض لقول الله تعالى : { وقوموا لله قانتين } وقال النبي A لعمران بن حصين : [ صل قائما فإن لم تستطيع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] رواه البخاري .
فإن كبر للإحرام قاعدا أو في حالة نهوضه للقيام لم يعتقد به لأنه أتى به في غير محله .
ويستحب القيام للمكتوبة عند قول المؤذن : قد قامت الصلاة لأنه دعاء إلى القيام فاستحب المبادرة إليه .
ويستحب للإمام تسوية الصفوف لما روى أنس بن مالك قال : إن رسول الله A كان إذا قام إلى الصلاة أخذ بيمينه - يعني عودا في المحراب - ثم فقال التفت وقال : [ اعتدلوا سووا صفوفكم ] ثم أخذ بيساره وقال : [ اعتدلوا سووا صفوفكم ] رواه أبو داود .
فصل : .
ثم يكبر للإحرام وهو الركن الثاني لأن النبي A قال للمسيء في صلاته : [ إذا قمت إلى الصلاة فكبر ] وقال : [ مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ] رواه أبو داود وقال : [ لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول : الله أكبر ] ولا يجزئه غيره من الذكر ولا قول : الله أكبر ولا التكبير بغير العربية لما ذكرنا فإن لم يحسن العربية لزمه التعلم فإن خشي خروج الوقت ففيه وجهان : .
أحدهما : يكبر بلغته لأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه كلفظة النكاح .
والثاني : لا يكبر بغير العربية لأنه ذكر تنعقد به الصلاة فلم يجز التعبير عنه بغير العربية كالقراءة فعلى هذا يكون حكمه حكم الأخرس فإن عجز عن بعض اللفظ أو عن بعض الحروف أتى بما يمكنه وإن كان أخرس فعليه تحريك لسانه لأن ذلك كان يلزمه مع النطق فإذا عجز عن أحدهما بقي الآخر ذكر القاضي ويقوى عندي أن لا يلزمه تحريك لسانه لأن ذلك إنما وجب على الناطق ضرورة القراءة وإذا سقطت سقط ما هو من ضرورتها كالجاهل الذي لا يحسن شيئا من الذكر ولأن تحريك لسانه بغير القراءة عبث مجرد فلا يرد الشرع به ويبين التكبير ولا يمططه فإن مططه تمطيطا يغير المعنى مثل أن يمد الهمزة في اسم الله تعالى فيجعله استفهاما أو يمد إكبار فيزيد ألفا فيصير جمع كبير وهو الطبل لم تجزه ويجهر بالتكبير إن كان إماما بقدر ما يسمع من خلفه وإن لم يكن إماما بقدر ما يسمع نفسه كالقراءة .
فصل : .
ويستحب أن يرفع يده ممدودة الأصابع مضموما بعضها إلى بعض حتى يحاذي بهما منكبيه أو فروع أذنيه لما روى ابن عمر أن النبي A : كان إذا افتتح الصلاة رفع يده حذو منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ولا يفعل ذلك في السجود متفق عليه ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع انتهائه لأن الرفع للتكبير فيكون معه فإن سبق رفعه التكبير أثبتهما حتى يكبر ولا يحطهما في حال التكبير وإن لم يرفع حتى فرغ التكبير لم يرفع لأنه سنة فات محلها وإن ذكر في الثانية رفع لأن محله باق وإن عجز عن الرفع إلى حذو المنكبين رفع قدر ما يمكنه وإن عجز عن رفع إحدى اليدين رفع الأخرى لقول النبي A : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] .
فصل : .
فإذا فرغ استحب وضع يمينه على شماله لما روى هلب قال كان رسول الله A يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال الترمذي : هذا حديث حسن ويجعلهما تحت السرة لما روي عن علي أنه قال : السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة رواه أبو داود وعنه : فوق السرة وعنه : أنه مخير ويستحب جعل نظره إلى موضع سجوده لأنه أخشع للمصلي وأكف لنظره .
فصل : .
ويستحب أن يستفتح قال أحمد أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر - يعني ما رواه الأسود - أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر فقال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك رواه مسلم ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روي عن النبي A من الاستفتاح كان حسنا أو قال : جائزا وإنما اختاره أحمد لأن عائشة وأبا سعيد قالا : كان رسول الله A إذا استفتح الصلاة قال ذلك وعمل به عمر بمحضر من الصحابة فكان أولى من غيره وصوب الاستفتاح بغيره مثل ما روى أبو هريرة قال : قلت : يا رسول الله أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول ؟ قال : [ أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ] متفق عليه قال أحمد : ولا يجهر الإمام بالاستفتاح لأن النبي A لم يجهر به .
فصل : .
ثم يستعيذ بالله فيقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } قال ابن المنذر : وجاء عن النبي A أنه كان يقول قبل القراءة : [ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ] .
فصل : .
ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها لما روى أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي A وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم رواه البخاري و مسلم وفيها روايتان : .
إحداهما : أنها آية من الفاتحة اختارها أبو عبد الله بن بطة وأبو حفص لما روت أم سلمة أن النبي A قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين آيتين ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن فدل على أنها منها .
والثانية : ليست منها لما روى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله A يقول : [ قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى : حمدني عبدي فإذا قال : الرحمن الرحيم قال الله : أثنى علي عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين إلى آخرها قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ] رواه مسلم ولو كانت بسم الله الرحمن الرحيم منها لبدأ بها ولم يتحقق التنصيف ولأن مواضع الآي كالآي في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولا تواتر فيما نحن فيه ومن نسي الاستفتاح حتى شرع في الاستعاذة أو نسي الاستعاذة حتى شرع في البسملة أو البسملة حتى شرع في الفاتحة على الرواية التي تقول : ليست من الفاتحة لم يرجع إليها لأنها سنة فات محلها .
فصل : .
ثم يقرأ الفاتحة وهو الركن الثالث في حق الإمام المنفرد لما روى عبادة عن النبي A أنه قال : [ لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب ] متفق عليه .
ولا تجب على المأموم لقول الله تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } وروى أبو هريرة أن النبي A قال : [ ما لي أنازع القرآن ] قال : فانتهوا الناس أن يقرأوا فيما جهر فيه النبي A رواه مالك في الموطأ ولأنها لو وجبت عليه لم تسقط عن المسبوق كسائر الأركان لكن إن سمع قراءة الإمام أنصت له ويقرأ في سكاته و إسراره لأن مفهوم قوله : فانتهى الناس أن يقرؤوا فيما جهر فيه أنهم يقرأون في غيره .
وتجب قراءة الفاتحة في كل ركعة لما روى أبو قتادة أن النبي ( ص ) : [ كان يقرأ في الآخرتين بأم الكتاب ] متفق عليه وروي أن النبي ( ص ) علم المسيء في صلاته فقال : [ اقرأ بفاتحة الكتاب ما تيسر ثم قال : اصنع في كل ركعة مثل ذلك ] ولأنه ركن لا تفتتح به الصلاة فتكرر في كل ركعة كالركوع وعنه : لا تجب إلا في الأوليين لأنها لو وجبت في غيرهما لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين .
ويجب أن يقرأ الفاتحة مرتبة متوالية فإن قطع قراءتها بذكر كثير أو سكوت طويل عامدا أعادها وإن فعل ذلك ناسيا أو كان الذكر أو السكوت يسيرا أتمها لأن الموالاة لا تفوت بذاك وإن نوى قطعها لم تنقطع لأن القراءة باللسان فلم تنقطع بالنية بخلاف نية الصلاة .
ويأتي فيها بإحدى عشرة تشديدة فإن أخل بحرف منها أو شدة لم تصح لأنه لم يقرأها كلها والشدة أقيمت مقام حرف وإن خفف الشدة صح لأنه كالنطق به مع العجلة .
فصل : .
فإذا فرغ منها قال : آمين يجهر بها فيما يجهر فيه بالقراءة لما روى وائل بن حجر أن النبي ( ص ) كان إذا قال : { ولا الضالين } قال : آمين ورفع بها صوته رواه أبو داود ويؤمن المأمومون مع تأمينه لقول رسول الله ( ص ) : [ إذا قال الإمام { ولا الضالين } فقولوا : آمين ] وفي لفظ : [ إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ] متفق عليه ويجهرون بها لما روى عطاء أن ابن الزبير كان يؤمن ويؤمنون حتى إن للمسجد للجة رواه الشافعي في مسنده فإن نسيه الإمام جهر به المأموم ليذكره فإن لم يذكره حتى شرع في القراءة لم يأت به لأنه سنة فات محلها .
وفي آمين لغتان : قصر الألف ومدها مع التخفيف فإن شدد الميم لم يجزئه لأنه يغير معناها .
فصل : .
فإن لم يحسن الفاتحة لزمه تعلمها فإن ضاق الوقت عن ذلك قرأ سبع آيات من غيرها وهل يجب أن يكون في عدد حروفها ؟ على وجهين : .
أحدهما : [ يجب ] لأن الثواب مقدر بالحروف فاعتبرت كالآي .
والآخر : لا يعتبر لأنه من فاته صوم يوم طويل لم يعتبر كون القضاء في يوم طويل مثله فإن لم يحسن سبعا كرر ما يحسن بقدرها فإن لم يحسن إلا آية من الفاتحة وشيئا من غيرها ففيه وجهان : .
أحدهما : يكرر آية الفاتحة لأنها أقرب إليها .
والثاني : يقرأ تمام السبع من غيرها لأنه لو لم يحسن شيئا من الفاتحة قرأ من غيرها فما عجز عنه منها وجب أن يأتي ببدل من غيرها فإن لم يحسن الفاتحة بالعربية لم يجز أن يترجم عنها بلسان آخر لأن الله تعالى جعل القرآن عربيا ويلزمه أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عبد الله بن أوفى قال : جاء رجل إلى النبي ( A ) فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال : [ قل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ] رواه أبو داود ولأنه ركن من الصلاة فقام غيره مقامه عند العجز عنه كالقيام فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره فإن لم يحسن شيئا وقف بقدر القراءة .
فصل : .
ويستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة سكتة يقرأ قيها من خلفه لما روى سمرة : أنه حفظ عن رسول الله ( ص ) سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } رواه أبو داود وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا افتتح الصلاة وإذا قال : { ولا الضالين } .
فصل : .
ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة سورة تكون في الصبح في طوال المفصل وفي المغرب في قصاره وفي سائرهن من أوساطه لما روى جابر بن سمرة أن النبي ( ص ) كان يقرأ في الفجر بـ { ق } رواه مسلم .
وعنه : أن النبي ( ص ) كان يقرأ في الظهر والعصر بـ { السماء والطارق } و { السماء ذات البروج } ونحوهما من السور رواه أبو داود .
وعنه قال : كان رسول الله ( ص ) إذا دحضت الشمس صلى الظهر ويقرأ بنحو : { والليل إذا يغشى } والعصر كذلك والصلوات كلها إلا الصبح فإنه كان يطيلها رواه أبو داود وما قرأ به بعد أم كتاب في ذلك كله أجزأه .
ويستحب له أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة لما روى أبو قتادة أن النبي ( ص ) كان يقرأ في الركعتين الأوليتين من الظهر بفاتحة الكتاب و سورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وكان يقرأ في العصر في الركعتين الأوليتين بفاتحة الكتاب و سورتين يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الركعة الأولى من الصبح ويقصر في الثانية متفق عليه وفي رواية : فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى ولا يزيد على أم الكتاب في الآخريين من الرباعية ولا الثالثة من المغرب لهذا الحديث .
فصل : .
ويسن للإمام الجهر بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء والإسرار فيما وراء ذلك لأن النبي ( ص ) كان يفعل ذلك ولا يسن الجهر لغير الإمام لأنه لا يقصد إسماع غيره وإن جهر المنفرد فلا بأس لأنه لا ينازع غيره وكذلك القائم لقضاء ما فاته من الجماعة وإن فاتته الصلاة ليلا فقضاها نهارا لم يجهر لقول النبي ( ص ) : [ إن صلاة النهار عجماء ] فإن فاتته صلاة نهار فقصاها ليلا لم يجهر لأنها صلاة نهار وإن فاتته ليلا فقضاها ليلا في جماعة جهر .
وإذا فرغ من القراءة استحب له أن يسكت سكتة قبل الركوع لأن في حديث سمرة في بعض رواياته : [ وإذا فرغ من القراءة سكت ] .
فصل : .
ثم يركع وهو الركن الرابع لقول الله تعالى : { اركعوا واسجدوا } ويكبر للركوع لما روى أبو هريرة أن رسول الله ( ص ) كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه يفعل ذلك في صلاته كلها رواه البخاري وفي هذه التكبيرات روايتان : .
إحداهما : أنها واجبة لأن النبي ( ص ) كان يفعلها وقد قال : [ صلوا كما رأيتموني أصلي ] متفق عليه ولأن الهوي إلى الركوع فعل فلم يخل من ذكر واجب كالقيام .
والثانية : لا يجب لأن النبي ( ص ) لم يعلمها المسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ويستحب أن يرفع يديه مع التكبير لحديث ابن عمر وقدر الإجزاء : الانحناء حتى يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يسمى راكعا بدونه .
ويجب أن يطمئن راكعا وهو الركن الخامس لقول رسول الله ( ص ) للمسيء في صلاته : [ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ] متفق عليه ويستحب أن يضع يديه على ركبتيه قابضا لهما ويسوي ظهره ولا يرفع رأسه ولا يخفضه ويجافي يديه على جنبيه لما روى أبو حميد أن رسول الله ( ص ) كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره و في لفظ : ركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع وفي رواية : ووضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه حديث صحيح .
فصل : .
ثم يقول : سبحان ربي العظيم وفيه روايتان : .
إحداهما : يجب لما روى عقبة بن عامر أنه لما نزل : { فسبح باسم ربك العظيم } قال النبي ( ص ) : [ اجعلوها في ركوعكم ] فلما نزل : { سبح اسم ربك الأعلى } قال : [ اجعلوها في سجودكم ] رواه أبو داود ولأنه فعل في الصلاة فلم يخل من ذكر واجب كالقيام .
والثانية : ليس بواجب لأن النبي ( ص ) لم يعلمه المسيء في صلاته وأدنى الكمال ثلاثة لما روى ابن مسعود أن النبي ( ص ) قال : [ إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه ] رواه الأثرم و الترمذي وإن اقتصر على واحدة أجزأه لأنه ذكر مكرر فاجزأت الواحدة كسائر الأذكار .
فصل : .
ثم يرفع رأسه قائلا : سمع الله لمن حمده حتى يعتدل قائما وهذا الرفع والاعتدال الركن السادس والسابع لقول النبي ( ص ) للمسيء في صلاته : [ ثم ارفع حتى تعتدل قائما ] وفي حديث أبي حميد أن رسول الله ( ص ) قال : [ سمع الله لن حمده ] ورفع يديه واعتدل حتى ركع كل عظم في موضعه معتدلا وفي وجوب التسميع روايتان لما ذكرنا في التكبير ولا يشرع للمأموم لقول رسول الله ( ص ) : [ إذا قال : الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد ] ويقول في اعتداله : ربنا ولك الحمد وفي وجوبه روايتان لما ذكرنا قال الأثرم : وسمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو وقال : قد روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث وعن سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه وإن قال : ربنا لك الحمد جاز نص عليه لأنه قد صحت به السنة .
ويستوي في ذلك كل مصل لأن النبي ( ص ) قاله وأمر به المأمومين ويستحب أن يقول ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من بعد لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي ( ص ) كان إذا رفع رأسه قال : [ سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ] متفق عليه ولا يستحب للمأموم الزيادة على [ ربنا ولك الحمد ] نص عليه لقول النبي ( ص ) : [ فقولوا ربنا ولك الحمد ] ولم يأمره بغيره وعنه : ما يدل على استحباب قول : [ ملء السماء ] وهو اختيار أبي الخطاب لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم كالتكبير وموضع ربنا ولك الحمد من حق الإمام المنفرد بعد اعتداله وللمأموم حال رفعه لأن قوله : [ إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد ] يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم وهي حال رفعه .
فصل : .
في السجود : ثم يخر ساجدا ويطمئن في سجوده وهما الركن الثامن والتاسع لقول الله تعالى : { اسجدوا } وقول النبي ( ص ) للأعرابي : [ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ] وينحط إلى السجود مكبرا لحديث أبي هريرة : ولا يرفع يديه لحديث ابن عمر ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه لما روى وائل بن حجر قال : [ كان رسول الله ( ص ) ذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإن نهض رفع يديه قبل ركبتيه ] رواه أبو داود السجود على هذه الأعضاء واجب لما روى ابن عباس أن النبي ( ص ) قال : [ أمرت أن أسجد على سبع أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ] متفق عليه .
وفي الأنف روايتان : .
إحداهما : لا يجب السجود عليه لأنه ليس من السبعة المذكورة .
والثانية : تجب لإشارة النبي ( ص ) إلى أنفه عند بيان أعضاء السجود ولا يجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء إلا الجبهة فإن فيها روايتين : .
إحداهما : يجب لما روي عن خباب قال : شكونا إلى رسول الله ( ص ) حر الرمضاء في جباهنا و أكفنا فلم يشكنا رواه مسلم .
والثانية : لا يجب وهو ظاهر المذهب لما روى أنس قال : كنا نصلي مع النبي ( ص ) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود رواه البخاري و مسلم ولأنها من أعضاء السجود فجاز السجود على حائلها كالقدمين ويستحب أن يجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لما روى أبو حميد أن النبي ( ص ) جافى عضديه عن إبطيه ووصف البراء سجود النبي ( ص ) : فوضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال : هكذا كان رسول الله ( ص ) يسجد رواه أبو داود ويستحب أن يضم أصابع يديه بعضها إلى بعض ويضعها على الأرض حذو منكبيه ويرفع مرفقيه ويكون على أطراف أصابع قدميه ويثنيها نحو القبلة لما روى أبو حميد أن النبي ( ص ) : وضع كفيه حذو منكبيه وفي لفظ : سجد غير مفترض ولا قبضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة وفي رواية : فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد وقال النبي ( ص ) : [ إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش افتراش الكلب ] صحيح متفق على معناه ويقول : سبحان ربي الأعلى وحكمه حكم تسبيح الركوع في عدده ووجوبه لما مضى فإذا أراد السجود فهو على وجهه فوقعت جبهته على الأرض أجزأه لأنه قد نواه وإن انقلب على جنبه ثم انقلب فمست جبهته الأرض ناويا السجود أجزأه وإن لم ينو لم يجزئه ويأتي بالسجود بعده