باب الأشربة .
كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام لقول الله تعالى : { إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } و كل مسكر خمر فيدخل في عموم الآية و قد روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ كل مسكر خمر و كل خمر حرام ] رواه مسلم و أبو داود و قال عمر Bه : نزل تحريم الخمر و هي : من العنب و التمر و العسل و الحنطة و الشعير و الخمر : ما خامر العقل متفق عليه وروت عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام ] رواه أبو داود و لأنه شراب يسكر كثيره فحرم قليله كعصير العنب .
فصل .
وكل عصير غلى و قذف بزبده فهو حرام لما روى الشالنجي بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ اشربوا العصير ثلاثا ما لم يغل ] و عن أبي هريرة قال : علمت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان صائما فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال : [ اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله و اليوم الآخر ] رواه أبو داود و النسائي و لأنه إذا إلى و اشتد صار مسكرا فإن علم من شيء أنه لا يسكر كالفقاع فلا بأس بع و إن غلي لأن العلة في التحريم الإسكار فلا يثبت الحكم بدونها و إن أتى على العصير ثلاث فقال أصحابنا : يحرم و إن لم يغل للخبر و روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينبذ له الزبيب فبشربه اليوم و الغد و بعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيهراق أو يسقى الخدم و لأن الشدة تحصل في الثلاث غالبا و هي خفية تحتاج إلى ضابط و الثلاث تصلح ضابطا لها و قد قال ابن عمر : اشربه ما لم يأخذه شيطانه قال : وفي كم يأخذه شيطانه ؟ قال : في الثلاث و النبيذ كالعصير فيما ذكرنا و هو : ماء ينبذ فيه تمرات أو زبيب ليجتذب ملوحته كان أهل الحجاز يفعلونه .
فصل .
و يكره الخليطان و هو : أن ينبذ في الماء شيئين لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نهى أن ينتبذ البسر و الرطب جميعا و نهى أن ينتبذ الزبيب و التمر جميعا رواه أبو داود و في رواية و انتبذوا كل واحد على حدة قال أحمد : الخليطان حرام قال القاضي : يعني : إذا اشتد و أسكر و إنما نهي عنه لأنه يسرع إلى السكر فإذا لم يسكر لم يحرم لما روي عن عائشة قالت : كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنأخذ قبضة من تمر و قبضة من زبيب فنطرحها فيه ثن نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية و ننبذه عشية فيشربه غدوة أخرجه أبو داود و يجوز الانتباذ في الأوعية كلها لما روي عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ كنت نهيتكم عن الأشربة في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا ] رواه مسلم .
و ما لا يسكر من الدبس و الخل و رب الخروب و سائر المربيات فهو حلال لأن تخصيص المسكر بالتحريم دليل على إباحة ما سواه لأن الله تعالى قال : { أحل لكم الطيبات } و هذا منها .
فصل .
ومن شرب مسكرا - و هو مسلم مكلف - مختار يعلم أنها تسكر لزمه الحد لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ من شرب الخمر فاجلدوه ] رواه أبو داود لأن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه جلدوا فيه الحد و في قدره روايتان : .
إحداهما : أربعون لما روى حصين بن المنذر أن عليا Bه جلد الوليد ابن عقبة في الخمر أربعين ثم قال : جلد النبي أربعين و أبو بكر أربعين و عمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي رواه مسلم .
و الثانية : ثمانون لما روى أنس أن عمر استشار الناس في حد الخمر فقال عبد الرحمن : اجعله كأخف الحدود فضرب عمر ثمانين متفق عليه و كان ذلك بمحضر من الصحابة فاتفقوا عليه فكان إجماعا .
و حد العبد نصف حد الحر لأنه حد يتبعض فأشبه الحد في الزنا و القذف و يجلد بالسوط و لأن عمر و عليا Bهما جلدا بالسياط و لأنه حد فيه ضرب فكان بالسوط كحد الزنا .
فصل .
و لا يثبت إلا ببينة أو إقرار فالبينة شاهدان عدلان و يقبل فيه إقرار مرة لأنه حد ليس فيه إتلاف بحال فأشبه حد القذف و لا يحد بوجود الرائحة منه لأنه يحتمل أنه تمضمض بها أو ظنها لا تسكر و الحد يدرأ بالشبهات عنه : أنه يحد لأن عمر و ابن مسعود Bهما حدا بالرائحة و إن وجد سكران أو تيقنا المسكر فعن أحمد : أنه لا يحد لأنه يحتمل أن يكون مكرها أو ظن أنها لا تسكر و على الرواية التي يحد بالرائحة يجب أن يحد هاهنا لأن حصينا قال : شهدت عثمان و أتي بالوليد ابن عقبة فشهد عليه حمران و رجل آخر فشهد أحدهما أنه رآه شربها و شهد الآخر أنه رآه يتقيأها فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها فقال لعلي : أقم عليه الحد ففعل و قال عثمان : لقد تنطعت في الشهادة