باب حد الزنا .
الزنا حرام و هو من الكبائر العظام بدليل قول الله تعلى : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } وروى عبد الله بن مسعود Bه قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم : أي الذنب أعظم ؟ قال : [ أن تجعل لله ندا و هو خلقك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزني بحليلة جارك ] متفق عليه .
فصل .
والزنا : هو وطء في الفرج لا يملكه و لا يحب الحد بغير ذلك لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لماعز : [ لعلك قبلت أو غمرت ] قال : لا قال : [ أفنكتها ] لا يكني قال : نعم قال فعند ذلك رجمه رواه البخاري و في رواية عن أبي هريرة قال : [ أنكتها ] قال : نعم قال [ حتى غاب ذاك منك في ذاك منها ] قال نعم قال : [ كما يغيب المرود في المكحلة و الرشاء في البئر ] قال : نعم رواه أبو داود .
و أدناه أن تغيب الحشفة في الفرج للخبر و لأن أحكام الوطء تتعلق بذلك لا بما دونه وسواء كان الفرج قبلا أو دبرا لأن الدبر فرج مقصود فتعلق الحد بالإيلاج فيه كالقبل و لأنه إذا وجب الحد بالوطء في القبل و هو مما يستباح فلأن يجب الوطء في الدبر الذي لا يستباح بحال أولى و لو تلوط بغلام لزمه الحد كذلك و في حده روايتان : .
إحداهما : يجب عليه حد الزنا يرجم إن كان ثيبا و يجلد إن كان بكرا لأنه زان بدليل ما روى أبو موسى : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان و إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ] و لأنه حد يجب بالوطء فاختلف فيه البكر و الثيب كالزنا بالمرأة .
و الثانية : حده القتل بكرا كان أو ثيبا لما روي عن النبي A أنه قال : [ من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به ] رواه أبو داود و في لفظ : [ فارجموا الأعلى و الأسفل ] واحتج أحمد بعلي Bه أنه كان يرى رجمه و لأن الله تعالى عذب قوم لوط بالرجم فينبغي أن يعاقب بمثل ذلك و إن وطئ الرجل امرأة ميتة ففيه وجهان : .
أحدهما : يلزم الحد لأنه إيلاج في فرج محرم لا شبهة له فيه أشبه الحية .
و الثاني : لا يجب لأنه لا يقصد فلا حاجة إلى الزجر عنه وإن وطئ بهيمة ففيه روايتان : .
إحداهما : يحد لما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ من أتى بهيمة فاقتلوه و اقتلوها معه ] رواه أبو داود و لما ذكرنا فيما تقدم .
و الثانية : لا يحد و لكن يعزر لأن الحد يجب للزجر عما يشتهى و تميل إليه النفس و هذا مما تعافه و تنفر عنه .
فإن قلنا : يحد ففي حده وجهان : .
أحدهما : القتل للخبر .
و الثاني : كحد الزنا لما ذكرنا في اللائط و إن تدالكت المرأتان فهما زانيتان للخبر و لا حد عليهما لأنه لا إيلاج فيه فأشبه المباشرة فيما دون الفرج و عليهما التعزير لأنها فاحشة لا حد فيها أشبهت المباشرة دون الفرج .
فصل .
ولا يجب الحد إلا بشروط خمسة : .
أحدها : أن يكون الزاني مكلفا كما ذكرنا في السرقة فإن كان أحد الزانيين غير مكلف أو مكرها أو جاهلا بالتحريم و شريكه بخلاف ذلك وجب الحد على من هو أهل للحد دون الآخر لأن أحدهما انفرد بما يوجب الحد و انفرد الآخر بما يسقطه فثبت في كل واحد منهما حكمه دون صاحبه كما لو كان شريكه فذا و أن كان أحدهما محصنا و الآخر بكرا فعلى المحصن حد المحصنين و على البكر حد الأبكار كذلك و إن أقر أحدهما بالزنا دون الآخر حد المقر وحده لما روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه و سلم : أن رجلا أتاه فأقر عنده أنه قد زنا بامرأة فسماها له فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون قد زنت فجلده الحد و تركها رواه أبو داود و لأن عدم الإقرار من صاحبه لا يبطل إقراره كما لو سكت .
فصل .
الشرط الثاني : أن يكون مختارا فإن أكرهت المرأة فلا حد عليها سواء أكرهت بالإلجاء أو بغيره لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ عفي لأمتي عن الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه ] و روى سعيد بإسناده عن طارق بن شهاب قال : أتي عمر بامرأة قد زنت قالت : إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي فخلى سبيلها و لم يضربها و روي : أنه أتي بامرأة قد استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها فقال لعلي : ما ترى فيها ؟ فقال : إنها مضطرة فأعطاها شيئا و تركها فأما الرجل إذا أكره بالتهديد فقال أصحابنا : يجب عليه الحد لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث عن الشهوة و الاختيار بخلاف المرأة و يحتمل أن لا يجب عليه حد لعموم الخبر و لأن الحد يدرأ بالشبهات و هذا من أعظمها فأما إن استدخلت امرأة ذكره وهو نائم فلا حد عليه لأنه غير مكلف و لم يفعل الزنا .
فصل .
و الثالث : أن يكون عالما بالتحريم و لا حد على من جهل التحريم لما روي عن عمر و علي Bهما أنهما قالا : لا حد إلا على من علمه وروى سعيد بن المسيب قال : ذكر الزنا بالشام فقال رجل : زنيت البارحة قالوا : ما تقول ؟ قال : ما علمت أن الله حرمه فكتب بها إلى عمر Bه فكتب : إن كان يعلم أن الله حرمه فحدوه و إن لم يكن علم فأعلموه فإن عاد فارجموه و سواء جهل تحريم الزنا أو تحريم عين المرأة مثل أن تزف إليه غير زوجته فيظنها زوجته أو يدفع إليه غير جاريته فيظنها جاريته أو يجد على فراشه امرأة يحسبها زوجته أو جاريته فيطأها فلا حد عليه لأنه غير قاصد لفعل المحرم و من ادعى الجهل بتحريم الزنا ممن نشأ بين المسلمين لم يصدق لأننا نعلم كذبه وإن كان حديث عهد بالإسلام أو بإفاقة من جنون أو ناشئا ببادية بعيدة عن المسلمين صدق لأنه يحتمل الصدق فلم يجب الحد مع الشك في الشرط و إن ادعى الجهل بتحريم شيء من الأنكحة الباطلة كنكاح المعتدة أو وطء الجارية المرهونة بإذن الراهن و ادعى الجهل بالتحريم قبل لأن تحريم ذلك يحتاج إلى فقه و يحتمل أن لا يقبل إلا ممن يقبل قوله في الجهل بتحريم الزنا لأنه زنا و الأول أصح لما روى عن عبيد بن نضلة قال : رفع إلى عمر Bه امرأة تزوجت في عدتها فقال : هل علمتما ؟ فقالا : لا قال : لو علمتما لرجمتكما فجلده أسواطا ثم فرق بينهما و إن ادعى الجهل بانقضاء العدة قبل إذا كان يحتمل ذلك لأنه مما يخفى .
فصل .
الرابع : انتفاء الشبهة فلا حد عليه بوطء الجارية المشتركة بينه و بين غيره أو وطء مكاتبته أو جاريته المرهونة أو المزوجة أو جارية ابنه أو وطء زوجته أو جاريته في دبرها و لا بوطء امرأة في نكاح مختلف في صحته كالنكاح بلا ولي أو بلا شهود و نكاح الشغار و المتعة و أشباه ذلك لأن الحد مبني على الدرء و الإسقاط بالشبهات و هذه شبهات فيسقط بها .
فصل .
فأما الأنكحة المجمع على بطلانها كنكاح الخامسة و المعتدة و المزوجة و مطلقته ثلاثا و ذوات محارمه من نسب أو رضاع فلا يمنع وجوب الحد لما ذكرنا من حديث عمر Bه وروى أبو بكر بإسناده عن خلاس عن علي Bه : أنه رفع إليه امرأة تزوجت و لها زوج فكتمته فرجمها و جلد زوجها الآخر مائة جلدة و لأنه وطء محرم بالإجماع في غير ملك و لا شبهة ملك أشبه وطأها قبل العقد و في حد الواطئ لذات محرمه بعقد أو بغير عقد روايتان : .
إحداهما : حده حد الزنا لعموم الآية و الخبر فيه .
و الثانية : يقتل بكل حال لما روى البراء قال : لقيت عمي و معه الراية قال : فقلت : إلى أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه و آخذ ماله قال الترمذي : هذا حديث حسن وروى ابن ماجة بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من وقع على ذات محرم فاقتلوه ] .
فصل .
فإن ملك من يحرم عليه بالرضاع كأمه و أخته فوطئها ففيه وجهان : .
أحدهما : عليه الحد لأنها لا تستباح بحال فأشبهت المحرمة بالنسب .
و الثاني : لا حد عليه لأنها مملوكته فأشبهت مكاتبته بخلاف ذات محرمه من النسب فإنه لا يثبت ملكه عليها و لا يصح عقد تزويجها .
فصل .
وإن استأجر أمة ليزني بها أو لغير ذلك فزنى بها فعليه الحد لأنه لا تصح إجارتها للزنا فوجوده كعدمه و لا تأثير لعقد الإجارة على المنافع في إباحة الوطء فكان كالمعدوم و من وطئ جارية غيره أو زوجته بإذنه فهو زان عليه الحد لأنه لا يستباح بالبذل و الإباحة سواء كانت جارية أبيه أو أمه أو أخته أو غيرهم إلا جارية ابنه لما ذكرنا و ذكر ابن أبي موسى قولا في الابن يطأ جارية أبيه : لا حد عليه لأنه لا يقطع بسرقة ماله فلا يلزمه حد بوطء جاريته كالأب و جارية زوجته إذا أذنت له في وطئها فإنه يجلد مائة و لا يرجم بكرا كان أو ثيبا و لا تغريب عليه لما روى حبيب بن سالم أن عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته فرفع إلى النعمان بن بشير و هو أمير على الكوفة فقال : لأقضين فيك بقضية رسول الله صلى الله عليه و سلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة و إن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة فوجدوه قد أحلتها له فجلده مائة رواه أبو داود .
فإن علقت منه فهل يلحقه نسبه ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : يلحق به لأنه وطء لا حد فيه أشبه وطء الأمة المشتركة .
و الثانية : لا يلحق به لأنه وطء في غير ملك و لا شبهة ملك أشبه ما لو لم تأذن له .
فصل .
الخامس : ثبوت الزنا عند الحاكم لما ذكرنا في السرقة و لا يثبت إلا بأحد شيئين إقرار أو بينة لأنه لا يعلم الزنا الموجب للحد إلا بهما و يعتبر في الإقرار ثلاثة أمور : .
أحدها : أن يقر لأربع مرات سواء كان في مجلس واحد أو مجالس لما روى أبو هريرة قال : أتى رجل من الأسلميين رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو في المسجد فقال : يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه فقال : يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك أبع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : [ أبك جنون ] قال : لا قال : [ فهل أحصنت ] ؟ قال : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ارجموه ] متفق عليه و لو وجب الحد الأول بأول مرة لم يعرض عنه و في حديث آخر : حتى قالها أربع مرات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إنك قد قلتها أربع مرار فبمن ؟ ] قال بفلانة رواه أبو داود و في حديث فقال أبو بكر الصديق Bه له عند النبي : إن أقررت أربعا رجمك رسول الله A .
الأمر الثاني : أن يذكر حقيقة الفعل لما روينا في أول الباب و لأنه يحتمل أن يعتقد أن ما دون ذلك زنا موجب للحد فيجب بيانه فإن لم يذكر حقيقته استفصله الحاكم كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم بماعز .
الثالث : أن يكون ثابت العقل فإن كان مجنونا أو سكرانا لم يثبت قوله لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لماعز : [ أبك جنون ] وروى أنه استنكهه ليعلم أبه سكر أم لا و لأنه إذا لم يكن عاقلا لا تحصل الثقة بقوله .
فصل .
و إن ثبتت ببينة اعتبر فيهم ستة شروط : .
أحدها : أن يكونوا أربعة لقول الله تعالى : { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء } و قال : { و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } .
الثاني : أن يكونوا رجالا كلهم لأن في شهادة النساء شبهة و الحدود تدرأ بالشبهات .
و الثالث : أن يكونوا أحرارا لأن شهادة العبيد مختلف فيها فيكون ذلك شبهة فيما يدرأ بالشبهات .
الرابع : أن يكونوا عدولا لأن ذلك مشترط في سائر الحقوق ففي الحد أولى .
الخامس : أن يصفوا الزنا فيقولوا : رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة لما ذكرنا في الإقرار .
السادس : مجيء الشهود كلهم في مجلس واحد سواء جاؤوا جملة أو سبق بعضهم بعضا لأن عمر Bه لما شهد عنده أبو بكرة و نافع و شبل بن معبد على المغيرة حدهم حد القذف و لو لم يشترط المجلس لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر و لأنه لو جاء الرابع بعد حد الثلاثة لم تقبل شهادته و لولا اشتراط المجلس لوجب أن يقبل .
فصل .
و إن حبلت امرأة لا زوج لها و لا سيد لم يلزمها حد لما روي عن عمر Bه أنه : أتى بامرأة ليس لها زوج و قد حملت فسألها عمر Bه فقالت : إني امرأة ثقيلة الرأس ووقع علي رجل و أنا نائمة فما استيقظت حتى فرغ فدرأ عنها الحد و لأنه يحتمل أن يكون من وطء شبهة أو إكراه و الحد يدرأ الشبهات و لا يجوز للحاكم أن يقيم الحد بعلمه لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق Bه و لأنه متهم في حكمه بعلمه فوجب أن لا يتمكن منه مع التهمة فيه .
فصل .
ومن وجب عليه حد الزنا لم يخل من أحوال أربعة : .
أحدها : أن يكون محصنا فحده الرجم حتى الموت لما روي عن عمر بن الخطاب Bه أنه قال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه و سلم و أنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها و عقلتها ووعيتها و رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى فالرجم حق على من زنى و قد أحصن من الرجال و النساء إذا قامت ببينة أو كان الحبل أو الاعتراف و قد قرأتها : الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة متفق عليه و لأن النبي صلى الله عليه و سلم رجم ماعزا و الغامدية و رجم الخلفاء من بعده و هل يجب الجلد مع الرجم ؟ فيه روايتان : .
إحداهما : يجب لقول الله تعالى : { الزانية و الزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } فلما وجب الرجم بالسنة انضم إلى ما في كتاب الله تعالى و لهذا قال علي Bه في شراحة : جلدتها بكتاب الله و رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى عبادة بن الصامت : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم ] رواه مسلم .
و الثانية : لا جلد عليه لأن النبي صلى الله عليه و سلم رجم ماعزا و الغامدية و لم يجلدهما و قال : [ واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ] و لم يأمره بجلدها ولو وجب لأمر به و لأنه معصية توجب القتل فلم توجب عقوبة أخرى كالردة .
الثاني : الحر غير المحصن فحده مائة جلدة و تغريب عام للآية وخبر عبادة .
الثالث : المملوك فحده خمسون جلدة بكرا كان أو ثيبا رجلا أو امرأة لقول الله تعالى { فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } و العذاب المذكور في الكتاب مائة جلدة و نصف ذلك خمسون و لا تغريب عليه لأن تغريبه إضرار بسيده دونه و لأن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن الأمة إذا زنت و لم تحصن فقال : [ إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها و لو بضفير ] متفق عليه و لم يأمر بتغريبها .
الرابع : من بعضه حر فحده بالحساب من حد حر و عبد فالذي نصفه حر حده خمس و سبعون جلدة و تغريب نصف عام لأنه يتبعض فكان في حقه بالحساب كالميراث و المكاتب و أم الولد و المدبر حكمهم حكم القن في الحد لأنهم عبيد ومن لزمه حد و هو رقيق فعتق قبل إقامته فعليه حد الرقيق لأنه الذي وجب عليه و لو زنى ذمي حر ثم لحق بدار الحرب فاسترق حد حد الأحرار كذلك .
فصل .
و المحصن من كملت فيه أربعة أشياء : .
أحدها : الإصابة في القبل لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم ] و لا يكون ثيبا إلا بذلك .
الثاني : كون الوطء في نكاح فلو وطئ بشبهة أو زنا أو تسرية لم يصر محصنا للإجماع و لأن النعمة إنما تكمل بالوطء في ذلك و لو وطئ في نكاح فاسد لم يصر محصنا لأنه ليس بنكاح في الشرع و لذلك لا يحنث به الحالف على اجتناب النكاح .
الثالث : كون الوطء في حال الكمال بالبلوغ و العقل و الحرية لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم ] فلو كان الوطء بدون الكمال إحصانا لما علق الرجم بالإحصان لأنه من لم يكمل بهذه الأمور لا يرجم و لأن الإحصان كمال فيشترط أن يكون في حال الكمال .
الرابع أن يكون شريكه في الوطء مثله في الكمال لأنه إذا كان ناقصا لم يحصل الإحصان فلم يحصل لشريكه كوطء الشبهة .
و لا يشترط الإسلام في الإحصان لما روى ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بيهوديين زنيا فرجمهما .
و إن تزوج مسلم ذمية فأصابها صارا محصنين لكمال الشروط الأربعة فيهما .
فصل .
ومن حرمت مباشرته بحكم الزنا و اللواط حرمت مباشرته فيما دون الفرج لشهوة و قبلته و التلذذ بلمسه لشهوة أو نظرة لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يخلون رجل و امرأة فإن ثالثهما الشيطان ] فإذا حرمت الخلوة بها فمباشرتها أولى لأنها أدعى إلى الزنا و لا حد في هذا لما روى ابن مسعود أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : إني وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شيء غير أني لم أنكحها فافعل بي ما شئت فقرأ عليه { أقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } متفق عليه و عليه التعزير لأنها معصية ليس فيها حد و لا كفارة فأشبهت ضرب الناس و التعدي عليهم .
فصل .
ويحرم وطء امرأته و جاريته في دبرهما لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ] رواه ابن ماجة و لأنه ليس بمحل للولد أشبه دبر الغلام و لا حد فيه لأنه في زوجته و ما ملكت يمينه فيكون شبهة و لكن يعزر لما ذكرنا و يحرم الاستمناء باليد لأنها مباشرة تفضي إلى قطع النسل فحرمت كاللواط و لا حد فيه لأنه لا إيلاج فيه فإن خشي الزنا أبيح له لأنه يروى عن جماعة من الصحابة Bهم .
فصل .
ومن أتى بهيمة و قلنا لا يحد فعليه التعزير و يجب قتل البهيمة لحديث ابن عباس فإن كانت مأكولة ففيها وجهان : .
أحدهما : تذبح و يحل أكلها لقول الله تعالى : { أحلت لكم بهيمة الأنعام } .
و الثاني تحرم لأن ابن عباس قال : ما أرى أنه أمر بقتلها إلا لأنه كره أكلها و قد عمل بها بذلك العمل و لأنه حيوان أبيح قتله لحق الله تعالى فحرم أكله كالفواسق فإن كانت البهيمة لغيره وجب عليه ضمانها إن منعناه أكلها لأنه سبب تلفها إن أبيح أكلها لزمه ضمان نقصها .
فصل .
و لا يؤخر حد الزنا لمرض و لا شدة حر و لا برد لأنه واجب فلا يجوز تأخيره لغير عذر و قد روي عن عمر أنه أقام الحد على قدامة بن مظعون و هو مريض لأنه إن كان رجما فالمقصود قتله فلا معنى لتأخيره و إن كان جلدا أمكن الإتيان به بسوط يؤمن معه التلف في حال المرض فلا حاجة إلى التأخير و يحتمل أن يؤخر الجلد عن المريض المرجو زوال مرضه لما روى علي أن جارية لرسول الله صلى الله عليه و سلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي فقال : [ أحسنت ] رواه مسلم .
فصل .
و لا يحفر للمرجوم لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يحفر لماعز وسواء كان رجلا أو امرأة قال أحمد : أكثر الأحاديث على أنه لا يحفر للمرجوم و قال القاضي : إن ثبت زنا المرأة بإقرارها لم يحفر لها لتتمكن من الهرب إن أرادت و إن ثبت ببينة حفر لها إلى الصدر لأن النبي صلى الله عليه و سلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة رواه أبو داود .
و لأنه أستر لها و على كل حال يشد على المرأة ثيابها لئلا تتكشف و يدور الناس حول المرجوم و يرجمونه حتى يموت فإن هرب المحدود و الحد ببينة أتبع حتى يقتل لأنه لا سبيل إلى تركه و إن ثبت بإقراره ترك لما روي أن ماعز بن مالك لما وجد مس الحجارة خرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس و قد عجز عنه أصحابه فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فذكر ذلك له فقال : [ هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه ] رواه أبو داود و لأنه يحتمل أن ذلك لرجوعه عن الإقرار و رجوعه مقبول فإن لم يترك و قتل فلا ضمان فيه لحديث ماعز ولأن إباحة دمه متيقنة فلا يجب ضمانه بالشك و إن ترك ثم أقام على الإقرار أقيم عليه الحد .
فصل .
وإن كان الحد جلدا لم يمد المحدود و لم يربط لما روي عن عبد الله بن مسعود Bه أنه قال : ليس في هذه الأمة مد و لا تجريد و لا غل و لا صفد و و يفرق الضرب على أعضائه كلها إلا وجه و الرأس و الفرج و موضع القتل لما روي عن علي Bه أنه قال للجلاد : اضرب و أوجع و اتق الرأس و الوجه و الفرج و قال : لكل موضع من الجسد حظ إلا الوجه و الفرج و لأن القصد الردع لا القتل و يضرب الرجل قائما ليتمكن من تفريق الضرب على أعضائه و المرأة جالسة لأنه أستر لها و تشد عليها ثيابها و تمسك يداها لئلا تتكشف .
فصل .
فإن كان مريضا أو نضو الخلق أو في شدة حر أو برد أقيم الحد بسوط يؤمن التلف معه فإن كان لا يطيق الضرب لضعفه و كثرة ضرره ضرب بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة أو ضربتين أو بسوط فيه خمسون شمراخا لما روى أبو أمامة ابن سهل بن حنيف عن بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم من الأنصار : أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى فعاد جلدا على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك و قال استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم و قالوا : ما رأينا بأحد من الضر مثل ما به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يؤخذ له مائة شمراخ فيضربونه بها ضربة واحدة أخرجه أبو داود و النسائي .
فصل .
لا تغرب المرأة إلا مع ذي محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر تسافر مسيرة ليلة إلا مع ذي حرمة من أهلها ] فإن أعوز المحرم خرجت مع امرأة ثقة فإن أعوز استؤجر لها من مالها محرم لها فإن أعوز فمن بيت المال فإن أعوز نفيت بغير محرم لأنه حق لا سبيل إلى تأخيره فأشبه الهجرة و يحتمل سقوط النفي هاهنا لئلا يفضي إلى إغرائها بالفجور و تعريضها للفتنة و مخالفة خبر رسول الله صلى الله عليه و سلم في السفر بغير محرم و يخص عموم حديث النفي بخبر النهي عن السفر بغير محرم و يحتمل أن تنفى إلى دون مسافة القصر جمعا بين الخبرين .
فصل .
ويجب أن يحضر حد الزنا طائفة لقول الله تعالى : { و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } و قال أصحابنا : أقل ذلك واحد مع الذي يقيم الحد لأن اسم الطائفة يقع على واحد بدليل قول الله تعالى : { و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا } إلى قوله تعالى { بين أخويكم } و قد فسره ابن عباس بذلك و المستحب أن يحضر أربعة لأن بهم يثبت الحد و الله أعلم