كتاب الديات .
تجب الدية بقتل المؤمن والذمي والمستأمن ومن بيننا وبينه هدنة لقول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } إلى قوله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } فأما من لم تبلغه الدعوة فلا يضمن لأنه لا إيمان له ولا أمان فأشبه الحربي .
وقال أبو الخطاب : تجب ديته لأنه محقون الدم من أهل القتال أشبه الذمي وإن قتل في دار الحرب مسلما كاتما لإسلامه يظنه حربيا ففيه روايتان : .
إحداهما : لا دية فيه لقول الله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } ولم يذكر دية .
والثانية : يضمنه لأنه قتل مؤمنا معصوما خطأ وإن أرسل سهمه إلى حربي فتترس بمسلم فقتله ففيه روايتان : .
أحدهما : يضمنه ذلك .
والثانية : لا يضمنه لأنه مضطر إلى رميه غير مفرط في فعله .
فصل : .
وإن قطع طرف مسلم فارتد ومات ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يضمن شيئا لأن القطع صار قتلا لنفس لا ضمان فيها .
والثاني : تجب دية الطرف لأن الجناية أوجبت ديته لأن الجناية أوجبت ديته والردة قطعت سرايته فلا يسقط ما تقد وجوبه كما لو قطع يده فقتل المجروح نفسه وفي قدر الواجب وجهان : .
أحدهما : أرش الجرح بالغا ما بلغ كما لو قتل الرجل نفسه .
والثاني : أقل الأمرين من أرشه أو دية النفس لأنه لو لم يرتد لم يجب أكثر من دية النفس فإذا ارتد كان أولى ألا يريد ضمانه .
فصل : .
وإن قطع يد مسلم فارتد تم أسلم ومات وزمن الردة مما لا تسري فيه الجناية ففيه دية كاملة لأنه زمن الردة لا أثر له وإن كان مما تسري فيه الجناية فكذلك على ظاهر كلامه لأنه مسلم في حال الجرح والموت وقال القاضي : يحتمل و جوب دية كاملة اعتبارا بحال استقرار الجناية ويحتمل أن يجب نصفها لأنه مات من جرح مضمون وسراية غير مضمونة أشبه من مات من جرح نفسه وأجنبي .
فصل : .
وإن قطع يد مرتد أو حربي فأسلم ومات لم يضمن لأنه مات من سراية جرح مأذون فيه فلم يضمن كالسارق إذا سرى قطعه ولو رمى حربيا أو مرتدا فلم يقطع به السهم حتى أسلم فلا ضمان فيه لأنه وجد السبب منه في حال هو مأمور بقتله على وجه لا يمكن تلافيه أشبه ما لو جرحه ثم أسلم ويحتمل كلام الخرقي وجوب ديته لأنه قال : لو رمى إلى كافر أو عبد فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فعليه دية حر مسلم ولأن الاعتبار في الضمان بحال الجناية دون حال السبب بدليل ما لو حفر بئرا لحربي فوقع فيها بعدما أسلم ويحتمل التفريق بين الحربي والمرتد لأن قتل الحربي مأمور به وقتل المرتد إلى الإمام وإن أرسل سهمه إلى مسلم فأصابه بعد أن ارتد لم يضمنه لأن الجناية حصلت وهو غير مضمون أشبه ما لو أرسله على حي فأصابه بعد موته .
فصل : .
وإذا اشترك الجماعة في القتل فعليهم دية واحدة تقسم على عددهم لأنه بدل متلف يتجزأ فيقسم بين الجماعة على عددهم كغرامة المال وإن جرحه أحدهم جراحات وسائرهم جرحا واحدا فهم سواء لما تقدم وإن كان القتل عمدا فالدية واحدة وقال ابن أبي موسى : إذا قلنا : له أن يقتص من جميعهم ففيه روايتان : .
أظهرهما : أن على كل واحد دية كاملة بدلا عن نفسه .
والثانية : تجب دية واحدة وهذا أصح لأن الدية بدل المحل فلا يختلف بكثرة المتلفين وقلتهم كبدل المال وإن أراد الولي أن يقتص من بعضهم ويعفوا عن البعض ويأخذ الدية من الباقين فله ذلك ويأخذ منهم حصتهم من الدية لما ذكرنا والمكره والمكره مشتركان في القتل حكمهما ما ذكرنا وكذلك حكم الشاهدين إذا رجعا عن الشهادة لما ذكرناه من حيث علي Bه ومن المعنى فيه .
فصل : .
وإن طرح إنسانا في ماء يسير يمكنه التخلص منه فأقام فيه قصدا حتى هلك لم يجب ضمانه لأن طرحه لم يهلكه وإنما هلك بإقامته فكان هو المهلك لنفسه وإن طرحه في نار يمكنه الخلاص منها فلم يفعل حتى هلك ففيه وجهان : .
أحدهما : لا يضمنه كذلك .
والثاني : يضمنه لأن تركه التخلص لا يسقط ضمان الجناية كما لو جرحه فترك مداواة نفسه حتى هلك به وفارق الماء لأن الناس يدخلونه للسباحة وغيرها .
وإن شده في موضع فهلك بزيادة الماء ضمنه فإن كانت الزيادة معلومة كمد البصرة فهو عمد محض وإن كانت تحتمل ويحتمل فهو شبه عمد وإن كانت نادرة فهو خطأ وإن ألقاه في ماء يسير فالتقمه حوت فهو خطأ محض وإن كان الماء كثيرا فهو شبه عمد وإن ألقاه مكتوفا فأكله سبع فهو شبه عمد لأنه عمد إلى فعل لا يهلك به غالبا فهلك به أشبه ما لو وكزه .
فصل : .
وإن صاح بصبي أو تغفل غافلا فصاح به فسقط عن شيء هلك به ضمنه لأنه هلك بسببه فإن قصده بالصياح فهو شبه عمد وإن لم يقصده فهو خطأ وإن كان العاقل متيقظا لم يضمنه لأن ذلك لا يقتله وإن اتبع إنسانا بسيف فوقع في شيء هلك به ضمنه لأنه تسبب إلى إهلاكه وكذلك إن طرده إلى موضع فأكله به سبع .
فصل .
وإن بعث السلطان إلى امرأة ليحضرها ففزعت فألقت جنينا ميتا وجب ضمانه لما روي أن عمر بن الخطاب Bه أرسل إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت : يا ويلها ما لها ولعمر ؟ ! فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر أصحاب رسول الله A فأشار بعضهم : أن ليس عليك شيء إنما أنت مؤدب فصمت علي فأقبل عليه عمر فقال : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال : إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا رأيهم وإن كانو قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقت .
وإن هلكت المرأة بسبب و ضعها ضمنها أيضا لأنه سبب لإتلافها وإن فزعت فماتت لم يضمنها لأنه ليس بسبب لهلاكها غالبا ويحتمل أن يلزمه ضمانها لأنها هلكت بفعله فضمنها كما لو ضربها سوطا فماتت وإن زنى بامرأة مكرها فأحبلها فماتت من الولادة ضمنها لأنها ماتت بسبب تعدى به .
فصل : .
وإن رمى إنسانا من علو فتلقاه آخر بسيفه فقتله فالضمان على القاتل لأنه مباشر والملقي متسبب فكان الضمان على على المباشر كالحافر والدافع .
فصل .
ومن حفر بئرا في الطريق أو وضع حجرا أو حديدة أو قشر بطيخ أو ماء فهلك به إنسان ضمنه لأنه تعدى به ولزم ضمان ما هلك به كما لو جنى عليه فإن دفعه آخر في البئر أو على الحجر أو الحديدة فالضمان على الدافع لأنه مباشر والآخر صاحب سبب وإن حفر بئرا أو نصب حديدة ووضع آخر حجرا فعثر بالحجر فوقع في البئر أو على الحديدة فمات فالضمان على واضع الحجر لأنه الذي ألقاه فأشبه ما لو ألقاه بيده .
فصل .
ومن حفر بئرا في طريق لنفسه ضمن ما هلك بها لأنه ليس له أن يختص بشيء من طريق المسلمين وكذالك إن حفرها فيي ملك غيره بغير إذنه لأنه متعد بحفرها وإن حفرها في الطريق لمصلحة المسلمين وكانت في طريق ضيق ضمن ما تلف بها لأنه ليس له ذلك وإن كانت في طريق واسع لم يضمن لأنه لم يتعد بها فلم يضمن ما تلف بها كما لو أذن فيها الإمام وعنه : إن حفرها بغير إذن الإمام ضمن لأن ما يتعلق بمصلحة المسلمين يختص الإمام بالنظر فيه فمن افتأت عليه كان متعديا به فضمن ما هلك به وإن بنى مسجدا في موضع لا ضرر فيه أو علق قنديلا في مسجد أو بابا أو فرش في حصيرا لم يضمن ماتلف به لأن هذا من المصالح التي يشق استئذان الإمام فيها فملك فعله بغير إذنه كإنكار المنكر وذكر القاضي : أنه كحفر البئر في الطريق وإن حفر بئرا في موات لينتفع بها أو لينتفع بها المسلمون أو ليتملكه لم يضمن ما تلف بها لأنه غير متعد بحفرها وإن كان في داره بئر أو كلب عقور فدخل إنسان بغير إذنه فهلك بها أو عقر الكلب لم يضمنه لأن التفريض من الداخل وإن دخل بإذنه والبئر مكشوفة في موضع يراها الداخل لم يضمنه وإن كانت مغطاة أو في ظلمة أو الداخل ضريرا ضمنه لأنه فرط في ترك إعلامه وإن وضع حجرا في ملكه وحفر آخر بئرا في الطريق فتعثر بالحجر فوقع في البئر فالضمان على الحافر لأن العدوان منه فكان الضمان عليه والواضع في ملكه لا عدوان منه فلم يضمن وإن وضع جرة على سطحه فألقتها الريح على شىء فأتلفته لم يضمنه لأنه غير متعد بالوضع ولا صنع له في إلقائها .
فصل : .
وإن بنى حائطا مائلا إلى الطريق أو إلى ملك غيره فسقط على شىء أتلفه ضمنه لأنه تلف بسبب تعدى به وإن بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق أو إلى ملك غيره فأمره المالك بنقضه أو أمره مسلم أو ذمي بنقص المائل إلى الطريق وأمكنه ذلك فلم يفعل ضمن ما تلف به أحد الوجهين لأن ذلك يضر المالك والمارة فكان لهم المطالبة بإزالته فإذا لم يزله ضمن كما لو بناه مائلا والثاني : لا يضمن لأنه وضعه في ملكه وسقط بغير فعله فأشبه الجرة التي ألقتها الريح ويحتمل أن يضمن وإن لم يطالب بنقضه لأن بقائه مائلا يضر فلزمه إزالته وإن لم يطالب به كالذي بناه مائلا وإن لم يمكنه نقضه لم يضمن لأنه غير مفرط وإن أخرج جناحا أو ميزابا إلى الطريق فوقع على إنسان ضمنه لأنه تلف بسبب تعدى به فأشبه ما لو بنى حائط مائلا .
فصل : .
وإذا رمى إلى الهدف فمر صبي فأصابه السهم فقتله أو مرت بهيمة فأصابها ضمن ذلك لأنه أتلفه وإن قدم إنسان الصبي أو البهيمة إلى الهدف فأصابهما السهم فالضمان على من قدمهما لأن الرامي كالحافر والآخر كالدافع وإن أمر من لا يميز أن ينزل بئرا أو يصعد نخلة فهلك بذلك ضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه وإن أمر من يميز بذلك فهلك به لم يضمنه لأنه يفعل ذلك باختياره فإن كان الآمر السلطان ففيه وجهان : .
أحدهما : لايضمنه كذلك .
والثاني : يضمنه لأن عليه طاعة السلطان فأشبه ما لو أكرهه على فعله وإن غصب صبيا فأصابته عنده صاعقة أو نهشته حية ضمنه لأنه تلف في يده العادية وإن مرض فمات ففيه وجهان : .
أحدهما : يضمنه كذلك فأشبه العبد الصغير .
والثاني : لايضمنه لأنه حر لا تثبت اليد عليه في الغصب فأشبه الكبير وإن أدب المعلم صبيانه أو الرجل ولده أو زوجته أو السلطان رعيته الأدب المأمور به لم يضمن ما تلف به لأنه أدب مأمور به فلم يضمن ما تلف به كالحد ويحتمل أن يضمن كما لو أرسل إلى امرأة ليحضرها فأجهضت جنينها .
فصل : .
وما أتلفت الدابة بيدها أو فمها ضمنه راكبها وقائدها وسائقها وما أتلفت برجلها أو ذنبها لم يضمنه لما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : [ الرجل جبار ] رواه سعيد فمفهومه أن جناية اليد مضمونة والفم في معناها ولأن اليد يمكن حفظها فضمن ما تلف بها بخلاف الرجل وعنه : في السائق أنه يضمن جناية الرجل والذنب لأنه يشاهدهما فأشبه اليد في حق القائد وإن بالت في الطريق ضمن ما تلف به لأنه كما لو صبه فيها ويحتمل أن لا يضمن في هذا لأنه لا يمكن التحرز منه أشبه جناية الرجل وإن كان على دابة راكبان فالضمان على الأول منهما لأنه المتصرف فيها وإن كان لها قائد وسائق اشتركا في الضمان لا شتراكهما في تمشيتها وإن كان معهما راكب فالضمان بينهم أثلاثا كذلك ويحتمل أن يختص به الراكب لأنه أقوى منهما يدا والجمل المقطور إلى جمل عليه راكب كالذي في يده لأن يده عليه وليس عليه ضمان ما جنى ولد البهيمة لأنه لا يمكنه حفظه وكذلك ما جنت الدابة إذا لم يكن عليها يد لم يضمن مالكها كذلك .
فصل : .
وإذا اصطدم نفسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قرب نفسه إلى محل الجناية عن غير قصد وإن ماتت دابتاهما ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر وإذا كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر دية الواقف وضمان دابته لأنه قتلهما بصدمته ولا ضمان على الواقف لأنه لا فعل منه إلا أن يقف في طريق ضيق فيكون الضمان عليه لأنه تعدلى بالوقوف فيه فأشبه واضع الحجر فيه وإن تصادما عمدا وذلك مما يقتل غالبا فدماؤهما هدر لأن ضمان كل واحد منهما يلزم الآخر في ذمته فيتقاصان ويسقطان وإن ركب صبيان أو أركبهما وليهما فاصطدما فهما كالبالغين وإن أركبهما من لا ولاية له عليهما فعليه ضمان ما تلف منهما لأنه تلف بسبب جنايته وإن أركب الصبي من لا ولاية له فصدمه كبير فقتله فالضمان على الصادم لأنه تلف بسبب جنايته وإذا اصطدمت امرأتان حاملان فحكمهما في أنفسهما ما ذكرنا وعلى كل واحد منهما نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين الأخرى لأنهما اشتركا في قتلهما لجنايتهما عليهما وإن تصادم عبدان فماتا فهما هدر لأن جناية كل واحد منهما تتعلق برقبته فتفوة بفواته فإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر كسائر جناياته .
فصل : .
وإن اصطدمت سفينتان فغرقتا لتفريط من القيمين مثل تقصيرهما في آلتهما وتركهما ضبطهما مع إمكانه إو تسييرهما إياهما في ريح شديدة لا تسير السفن في مثلها ضمن كل واحد منها سفينة الآخر بما فيها كالفارسين إذا اصطدما فإن لم يفرطا فلا ضمان عليهما لأنه تلف حصل بأمر لا صنع لهما فيه ولا تفريط منهما أشبه التلف بصاعقة وإن فرط أحدهما دون صاحبه ضمن المفرط وحده وإن فرطا جميعا وكان أحدهما منحدرا والآخر مصعدا فعلى المنحدر ضمان المصعد لأن المنحدر كالسائر والمصعد كالواقف فيختص المنحدر بالضمان كالسائر ومن غرق سفينة فيها ركبان بسبب يقتل مثله غالبا عمدا فعليه القصاص وإن كان خطأ فعلى عاقلته دية الركبان وإن كان عمدا بسبب لا يقتل مثله غالبا فقتلهم شبه عمد .
فصل : .
وإذا قال بعض ركبان السفينة لرجل : ألق متاعك في البحر وعلى ضمانه وجب عليه ضمانه لأنه استدعى منه إتلاف ماله بعوض لغرض صحيح فأشبه ما لو قال : أعتق عبدك وعلي ثمنه وإن قال : ألقه وضمانه علي وعلى ركبان السفينة ففعل فعليه بحصته من الضمان إن كانوا عشرة فعليه العشر ويسقط سائره لأنه جعل الضمان على الجميع فلم يجب أكثر من حصته وإن قال : ألق ونحن نضمنه لك وعلي تحصيله لك لزمه لأنه تكفل له بتحصيل عوضه وكذلك إن قال : قد أذنوا لي في الضمان عنهم فألقه ونحن ضمنا لك ضمن جميعه لأنه غره .
فصل : .
وإذا رمى أربعة بالمنجنيق فقتل الحجر رجلا فعلى كل واحد منهم ربع ديته وإن قتل الحجر أحدهم ففيه وجهان : .
أحدهما : يسقط ربع ديته ويلزم ثلاثة أرباعها لأنه مات بفعله وفعلهم فهدر ما قابل فعله ولزم شركاءه الباقي كما مات من جراحاتهم وجراح نفسه .
الثاني : يلزم شركاءه جميع ديته ويلغو فعل نفسه قياسا على المصطدمين وإن كانوا ثلاثة فما دون ففيه وجه ثالث وهو أن يجب ثلث دية المقتول على عاقلته لورثته ويجب على عاقلة الآخرين ثلثا ديته .
فصل : .
إذا وقع رجل في بئر ووقع آخر خلفه من غير جذب ولا دفع فمات الأول وجبت ديته على الثاني لما روى علي بن رباح اللخمي : أن بصيرا كان يقود أعمى فخرا في بئر ووقع الأعمى فوق البصير فقتله فقضى عمر بعقل البصير على الاعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم : .
( يا أيها الناس لقيت منكرا ... هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا .
خرا معا كلاهما تكسرا ) .
ولأن الأول مات بوقوع الثاني عليه فوجبت ديته عليه وإن مات الثاني هدرت ديته لأنه لا صنع لغيره في هلاكه وإن ماتا معا فعليه ضمان الأول ودمه هدر كذلك وإن وقع عليهما ثالث فدية الأول على الثاني والثالث لأنه مات بوقوعهما عليه ودية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته ودم الثالث هدر هذا إذا كان الوقوع عليه هو الذي قتله فإن كان البئر عميقا يموت الواقع بمجدر وقوعه لم يجب الضمان على أحد لأن كل واحد منهم مات بوقعته لا بفعل غيره وإن احتمل الأمرين فكذلك لأن الأصل عدم الضمان .
فصل : .
فإن خر رجل في زبية أسد فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فدم الأول هدر لأنه لا صنع لأحد في إلقائه وعليه دية الثاني لأنه السبب في قتله وعلى الثاني دية الثالث كذلك وعلى الثالث دية الرابع كذلك وفيه وجه آخر : أن دية الثالث على الأول والثاني نصفين لأن جذب الأول الثاني سبب في جذب الثالث ودية الرابع على الثلاثة أثلاثا كذلك وقد روي عن أحمد : أنه ذهب فيها إلى قضية علي Bه وهو ما روى حنش الصنعاني : أن قوما من أهل اليمين حفروا زبية للأسد فوقع فيها فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانيا فجذب الثاني ثالثا ثم جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي Bه فقال : للأول ربع الدية لأنه هلك فوقه فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية لأنه هلك فوقه اثنان وللثالث نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد وللرابع الدية كاملة وقال : وإني أجعل الدية على من حفر رأس البئر فبلغ ذلك النبي ( ص ) فقال : [ هو كما قال ] رواها سعيد بن منصور بإسناده وذكرها أحمد واحتج بها وذهب إليها فإن كان هلاكهم لوقوع بعضهم على بعض فلا شيء على الرابع لأنه لا صنع له وتجب ديته علىالثالث في إحدى الوجهين لأنه المباشر لجذبه وفي الثاني : ديته على الثلاثة أثلاثا وتجب دية الثالث على الثاني في أحد الوجوه والثاني تجب ديته على الأول والثاني نصفين ويلغى فعل نفسه والثالث يهدر ما قابل فعله في نفسه ويجب على عاقلة الآخرين ثلثا ديته والرابع يهدر نصف ديته ويجب على عاقلة الثاني نصفها وأما الثاني : ففيه ثلاثة أوجه : .
أحدهما : تجب ديته على الأول والثالث : نصفين : .
والثاني : يهدر من ديته ثلثها لأنه قابل فعل نفسه ويجب ثلثاها على الأول والثالث .
والثالث : تجب الدية على عواقلهم ثلاثتهم .
وفي الأول ثلاثة أوجه : .
أحدهما : تجب ديته على الثاني والثالث نصفين .
والثاني : يجب عليهما ثلثاها ويسقط ثلثها .
والثالث : تجب الدية على عواقلهم كلهم .
فصل : .
إذا تجارح رجلان زعم كل واحد منهما أنه جرح الآخر دفعا عن نفسه وجب على كل واحد منهما ضمان صاحبه لأن الجرح قد وجد وما يدعيه من القصد لم يثبت فوجب الضمان والقول قول كل واحد منهما مع يمينه في النفي القصاص لأن ما يدعيه محتمل فيندرئ به القصاص لأنه يندرئ بالشبهات .
فصل .
ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه فمنعه مع غناه عنه فهلك ضمنه لأن عمر Bه قضى بذلك ولأنه قتله بمنعه طعاما يجب دفعه إليه فضمنه كما لو منعه طعامه فهلك بذلك وإن رآه في مهلكة فلم ينجيه لم يضمنه لأنه لم يتسبب إلى قتله بخلاف التي قبلها وقال أبو الخطاب C : يلزمه ضمانه على قياس التي قبلها ولا يصح لأنه في الأول منعه من تناول ما تبقى حياته به فنسب هلاكه إليه بخلاف هذا فإن لا صنع له فيه